خرج آلاف المتظاهرين المصريين بالأمس في مناطق متفرقة بالعاصمة القاهرة والمحافظات المختلفة تنديدًا بقرار النظام المصري بالتنازل عن جزيني “تيران وصنافير” الواقعتين في البحر الأحمر لصالح المملكة العربية السعودية بعد إعادة ترسيم الحدود بين البلدين.
عادت أجواء الخامس والعشرين من يناير لتسيطر على المشهد حيث ظهرت هتافات تطالب برحيل رأس النظام الحالي الرئيس عبدالفتاح السيسي مباشرة تحت شعار “ارحل”، فيما هتف المتظاهرون بأن “الأرض هي العرض” وفي إشارة للسيسي هتفوا “عواد باع أرضه”.
كما شهدت تظاهرات الأمس ظهور شعار ثورة يناير إلى الواجهة مجددًا “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”، وقد حول البعض الهتاف ليتماشى مع مطالب جمعة الأرض ليظهر “عيش.. حرية.. الجزر دي مصرية”.
المتظاهرون هتفوا بسقوط النظام دون خشية هذه المرة وهو تطور كبير في الحراك المعارض بالشارع المصري، حيث أن المتظاهرين في هذا اليوم غير محسوبين على التيار الإسلامي في مصروهو التيار المتصادم مع النظام والذي يهتف بسقوطه منذ انقلاب الثالث من يوليو ولا يعترف بشرعيته.
لتنتقل حالة الغضب إلى قطاع شعبي أوسع من قطاع الإسلاميين، ظهر في تظاهرات الأمس مع تحدي القبضة الأمنية للنظام التي بدأت إجراءاتها قبيل يوم الجمعة بانتشار مكثف لقوات الجيش والشرطة خشية من دعوات التظاهر.
إذ قامت قوات الأمن بتطويق مداخل محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية من خلال نشر الأكمنة والتمركزات الأمنية الثابتة والمتحركة على تلك المداخل، سواء بالطرق الصحراوية أو الزراعية؛ للحيلولة دون تمكن المتظاهرين من الأقاليم الوصول إلى أماكن تجمع المتظاهرين.
مواجهات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين
عقب صلاة الجمعة مباشرة بدأت الاشتباكات بين المسيرات المختلفة وبين قوات الأمن المتمركزة حولها، حيث أطلقت قوات الأمن المركزي القنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش على المتظاهرين لتفريقهم بالقوة.
فيما حاولت مسيرات انطلقت من عدة أماكن حول منطقة ميدان التحرير “رمز ثورة يناير” الوصول إلى الميدان، لكن القوات الأمنية المتمركزة هناك حالت دون ذلك، بالاشتباك مع المسيرات في مناطق طلعت حرب وشارع شمبليون في وسط القاهرة، وهو الأمر الذي أدى إلى اعتقال العشرات من المتظاهرين بينهم صحفيين.
التجمع الأبرز كان أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة التي احتشد آلاف المتظاهرين أمامها بوسط العاصمة المصرية للمطالبة بسقوط النظام، فيما أغلقت قوات الشرطة الشوارع المؤدية إلى النقابة لمنع المزيد من المتظاهرين من الانضمام للوقفة.
الأمر لم يقتصر على العاصمة القاهرة فقط، حيث خرجت تظاهرات حاشدة بالأمس في عدة محافظات مصرية في الوجه البحري ووجه قبلي في محافظات الإسكندرية والدقهلية والمنوفية والقليوبية، وكذلك في المنيا والفيوم.
رسالة تحذيرية
لم تخرج هذه الحشود المتنوعة في الخلفيات إلى الشارع منذ زمن بعيد خاصة بعد الانقلاب العسكري منذ 3 سنوات تقريبًا، متجاهلة تحذيرات الأمن والإعلام الموالي للنظام، متحدية قانون التظاهر الذي يجرم كافة المتظاهرين الذين نزلوا بالأمس.
لم يستطع النظام أيضًا وصم المتظاهرين بالإخوان لفض التعاطف الشعبي من حول التظاهرات رغم صدور بيانات رسمية من وزارة الداخلية حاولت إدعاء أن جماعة الإخوان هي وحدها من تقف خلف الحشد الجماهيري بالأمس.
لكن بيانات العديد من القوى المدنية المناوئة للنظام كحركة السادس من إبريل والاشتراكيين الثوريين وبعض رموز العمل الحقوقي في مصر كانوا حاضرين وبقوة في مختلف التظاهرات، وهو الأمر الذي نفى صبغة إخوانية التظاهرات، أما عن جماعة الإخوان فقد أعلن جناح منها المشاركة بشكل رسمي، وروى نشطاء على الأرض خروج العديد من عناصر الإخوان بين التظاهرات ملتزمين بشعارات اليوم، بينما خرجت تظاهرات الإقليم معتمدة على الحشد الإخواني المستمر في التظاهر منذ 3 سنوات ولكن في هذا اليوم تم تصدير شعارات مناوئة للتنازل عن الجزيرتين البحريتين.
الرسالة التي بعث بها الشارع المصري للنظام في مصر كان مفادها أن التيارات السياسية والشعبية نجحت لأول مرة أن تنزل إلى الأرض بهدف واحد رغم التبيانات فيما بينها والتي تم تجاوزها بالأمس، وهو ما يعني أن أمر اتحاد هذه المعارضة ليس مستحيلًا كما يتخيل النظام الذي يعيش على التناقضات بين هذه الأطياف.
كما أن تظاهرات الأمس بمثابة إنذار أن الأوضاع الحالية تنذر بكارثة وانفجار في الشارع المصري الذي لوحظ فيه بالأمس نزول طبقة غير مسيسة كانت قد عزفت عن النزول إلى الشارع منذ ثورة يناير من خمس سنوات، وهي بداية لانكشاف الظهير الشعبي عن نظام عبدالفتاح السيسي في ظل تدهور اقتصادي وأمني بالإضافة إلى المساس بقضايا وطنية كالتنازل عن الجزيرتين.
السوشيال ميديا أخذت زمام المبادرة من الإعلام التقليدي
كانت لمواقع التواصل الاجتماعي بالأمس الدور الأبرز في تغطية أحداث اليوم، في ظل تجاهل وسائل الإعلام التقليدية للتطورات النوعية التي حدثت بالأمس في الحراك المصري المعارض، حيث رصد المتابعون تجاهل قناة الجزيرة للحراك، وهي المعروفة بحرصها على نقل فعاليات المعارضين في مصر، فيما أشار البعض أنها لم تعطي الحدث قدره في تغطيتها أثناء اليوم.
أما على صعيد الإعلام الاجتماعي فقد أخذ زمام المبادرة في تغطية الأحداث لحظة بلحظة أثناء التظاهرات، حيث تصدر تصدر هاشتاج “#جمعة_الأرض” موقع تويتر على مستوى العالم، وذلك بالتزامن مع الاحتجاجات على الأرض في مصر، التي انطلقت تحت شعار “جمعة الأرض هي العرض”، ضد إعلان السلطات المصرية أن جزيرتي تيران وصنافير تقعان داخل المياه الإقليمية السعودية.
إذ دعم الكثير من الشخصيات العامة هذا الحراك عبر مواقع التواصل الاجتماعي من بينهم الشيخ يوسف القرضاوي الذي كتب عن ضرورة تكاتف الثوار في هذا اليوم.
اليوم صيحة جديدة من صيحات ثورة يناير تنادي على الثوار أن يتكاتفوا من جديد ضد ظلم العباد وتضييع البلاد #جمعة_الأرض
— يوسف القرضاوي (@alqaradawy) April 15, 2016
فيما تابع المحامي مالك عدلي أوضاع المقبوض عليهم أثناء هذه التظاهرات.
وأشادت البرلمانية المصرية السابقة عزة الجرف بدور مواقع التواصل الاجتماعي في هذا اليوم في ظل غياب وسائل إعلام رئيسية.
شبكات التواصل هي مفاجأة الجميع قامت بالتغطية البارزة اليوم برغم غياب تغطية قنوات رئيسية فقد شدت إنتباه الجميع داخليا وعالميا #جمعة_الأرض
— Azza El-Garf (@AzzaElGarf) April 15, 2016
هذا ويتوقع مراقبون للأوضاع في مصر أن تكون هذه هي الموجة الحقيقية الأولى للاحتجاجات ضد النظام التي سيكون لها توابع بالتأكيد في الشارع مع استمرار حالة الاحتقان ضد النظام وتصاعد وتيرة القمع، بالتزامن مع إعلان المتظاهرين نيتهم التظاهر مجددًا أثناء أعياد تحرير سيناء في الخامس والعشرين من إبريل المقبل.