نشرت صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم الجمعة 15/4/2016 تقريرًا من تحرير الصحفي مارك مازيتي، يسلّط الضوء على التهديدات السعودية بالتسبب بانهيار اقتصادي في حال أقر الكونجرس قانون أحداث 11 سبتمبر والذي يسمح بمقاضاة السعودية أمام المحاكم الأميركية لدورها في هذه الأحداث، ومدى جديّة وقدرة السعودية على القيام بذلك.
وفي التفاصيل، أبلغت السعودية إدارة أوباما وأعضاء الكونجرس بأنها ستعمد لبيع الأصول الأميركية التي تمتلكها، والتي تبلغ قيمتها مئات مليارات الدولارات، إذا أقر الكونجرس مشروع قانون من شأنه أن يسمح بمقاضاة السعودية أمام المحاكم الأمريكية لدورها في هجمات 11 سبتمبر لعام 2001.
تأتي التحذيرات السعودية في الوقت الذي تحاول فيه إدارة أوباما الضغط على الكونجرس لمنعه من تمرير مشروع القانون، وفقًا لما نقلته النيويورك تايمز عن المسؤولين في الإدارة الأمريكية ومساعدي الكونجرس من كلا الحزبين، حيث ناقش المشرعون والمسؤولون في وزارة الخارجية والبنتاغون التهديدات السعودية بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة، وحذّر بعض المسؤولين من أعضاء مجلس الشيوخ من التداعيات الدبلوماسية والاقتصادية التي قد تنجم عن تمرير هذا القانون.
توضح المصادر بأن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، سلّم رسالة المملكة شخصيًا في الشهر الماضي خلال زيارة قام بها إلى واشنطن، محذرًا نواب الكونجرس الأمريكي بأن المملكة العربية السعودية ستضطر لبيع ما ينوف عن 750 مليار دولار بشكل سندات خزينة وغيرها من الأصول التي تمتلكها في الولايات المتحدة قبل أن تتعرض لخطر المثول أمام المحاكم الأميركية.
وفي هذا السياق، شكك العديد من الاقتصاديين الخارجيين في قدرة السعودية على تنفيذ تهديدها، مشيرين إلى صعوبة تنفيذ عمليات البيع وتأثيرها المحطم على الاقتصاد السعودي، ولكن من جهة أخرى، يعتبر تقرير النيويورك تايمز بأن هذا التهديد هو علامة أخرى على تصاعد حدة التوتر ما بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
أدى الضغط الذي تمارسه الإدارة الأمريكية ضد مشروع القانون، الذي تعتبره بأنه يضع الأمريكيين في الخارج بموقف قانوني، إلى إثارة غضب بعض النواب وعائلات ضحايا 11 سبتمبر؛ فمن وجهة نظر الأخيرين، تنحاز إدارة أوباما على الدوام للوقوف في صف المملكة، محبطة جهودهم لمعرفة ما يعتقدون بأنه حقيقة الدور الذي لعبه بعض المسؤولين السعوديين في المؤامرة الإرهابية.
في حديثها لصحيفة النيويورك تايمز، قالت ميندي كلينبيرج، أرملة أحد المتوفين في تفجيرات مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر: “من المذهل أن نفكر بأن حكومتنا ستدعم السعوديين على حساب مواطنيها”، علمًا بأنها أحد أعضاء مجموعة مكوّنة من عائلات الضحايا التي تضغط لتمرير التشريع في الكونجرس.
تأتي هذه الكشوفات على خلفية الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس أوباما إلى الرياض يوم الأربعاء المقبل للاجتماع مع الملك سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين، ويبقى من غير الواضح ما إذا كانت أجندة المحادثات ستتضمن مناقشة الخلاف حول قانون 11 سبتمبر، علمًا بأن صحيفة النيويورك تايمز أشارت في تقريرها بأن المتحدث باسم السفارة السعودية لم يستجب لطلبها بالتعليق على ما جاء في المقال.
على صعيد متصل، نفى المسؤولون السعوديون منذ فترة طويلة ضلوع المملكة بأي دور في مؤامرة 11 سبتمبر، كما لم تجد لجنة التحقيق في الحادثة أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة أو كبار المسؤولين السعوديين مولوا بشكل مؤسساتي أو فردي المنظمة الإرهابية، ولكن يناقش النقاد أن الصياغة الضيقة للجنة التحقيق تركت الباب مفتوحًا أمام إمكانية ضلوع صغار المسؤولين السعوديين أو أجزاء من الحكومة السعودية بدور في المؤامرة الإرهابية.
ساعدت استنتاجات لجنة تحقيق الكونغرس لعام 2002، والتي استشهدت ببعض الأدلة على ضلوع مسؤولين سعوديين كانوا يعيشون في الولايات المتحدة في ذلك الوقت بدور في المؤامرة، على تثبيت الشكوك جزئيًا حول الموضوع، حيث جاءت نتائج هذا التحقيق في تقرير مؤلف من 28 صفحة، لم تسمح الحكومة الأمريكية بنشره للعلن بعد.
فضلًا عما تقدم، يتزامن الخلاف أيضًا مع تصاعد الانتقادات الصادرة عن كلا الحزبين في الكونجرس لتحالف واشنطن مع الرياض؛ ففي الأسبوع الماضي، قدم عضوان من مجلس الشيوخ قرارًا لوضع قيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية والتي توسعت في عهد إدارة أوباما.
لا زالت أسر أعضاء الأسرة المالكة، البنوك، والجمعيات الخيرية السعودية، عرضة لدعاوى المحاكم الأمريكية التي يرفعها ذوو ضحايا أحداث 11 سبتمبر في محاولة لمساءلة السعودية عن دعمها المالي للإرهاب، وفقًا لمزاعم المدعين في هذه الدعاوى، ولكن تم إحباط هذه الجهود إلى حد كبير بسبب قانون 1976 الذي يعطي الدول الأجنبية بعض الحصانة من الدعاوى القضائية أمام المحاكم الأميركية.
ومن هذا المنطلق، يهدف مشروع القانون في مجلس الشيوخ لتوضيح أن الحصانة الممنوحة للدول الأجنبية في ظل هذا القانون لا ينبغي أن تنطبق على الحالات التي يتبين فيها بأن هذه الدول مسؤولة عن هجمات إرهابية يذهب ضحيتها الأميركيون على الأراضي الأمريكية، وفي حال تم تمرير مشروع القانون في مجلسي النواب والشيوخ ووقعه الرئيس، فإن ذلك قد يمهد الطريق لفحص دور الحكومة السعودية في حوادث 11 سبتمبر ضمن دعاوى قضائية أمريكية.
بالمقابل، ينتقد المسؤولون في إدارة أوباما بأن إضعاف أحكام الحصانة السيادية من شأنه أن يضع الحكومة الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع المواطنين والشركات الأمريكية، في موقف قانون خطر بالخارج، لأن الدول الأخرى قد تنتقم من هذا التشريع من خلال استصدار تشريعات داخلية تهدد وضع الأمريكيين القانوني، وفي هذا السياق، صرّح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام لجنة بمجلس الشيوخ في فبراير المنصرم بأن مشروع القانون بشكله الحالي “يعرّض الولايات المتحدة الأمريكية لدعاوى قضائية، يسلبنا الحصانة السيادية، ويعد سابقة رهيبة”.
من جهتهم، يشير مؤيدو المشروع بأنه تم حصر القانون عمدًا بحالة ضيقة للغاية، تنطوي فقط على الاعتداءات الواقعة على الأراضي الأمريكية، وذلك للحد من احتمالية انتقام الدول الأخرى من هذا التشريع.
وفي ذات التقرير، نقلت النيويورك تايمز فحوى الجلسة المغلقة التي عُقدت في الكابيتول هيل في 4 مارس المنصرم، موضحة بأن مساعدة وزير الخارجية، آن باترسون، ومسؤول البنتاغون حول سياسة الشرق الأوسط، أندرو إكسوم، أشارا في حديثهما لموظفي لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ بأن القوات العسكرية الأميركية والمدنيين الأمريكيين قد يتعرضون لخطر قانوني إذا ما قررت الدول الأخرى الرد على التشريع الأمريكي بتجريد الأميركيين من الحصانة في الخارج، كما ناقشا التهديدات السعودية والآثار التي قد تنجم على الاقتصاد الأمريكي في حال أوفت المملكة بوعيدها.
وفيما يخص التهديد السعودي، أشار إدوين ترومان، زميل في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، في حديثه للنيويورك تايمز بأن التهديدات السعودية هي “تهديدات جوفاء” على الأرجح؛ ففضلًا عن الصعوبة الفنية التي تقف في وجه بيع مئات المليارات من الدولارات من الأصول الأمريكية، ستتسبب هذه العملية، إن حدثت، باضطراب في السوق العالمي سيُلام عليها السعوديون بشدة، وعلاوة على ذلك، فإن هذه العملية، وفقًا لما أوضح ترومان، قد تزعزع استقرار الدولار الأمريكي، وهي العملة التي يرتبط بها الريال السعودي، وبالمختصر “الطريقة الوحيدة التي يمكن للسعودية معاقبتنا بها تمر من خلال معاقبتهم لأنفسهم”، قال ترومان.
يعد مشروع القانون المذكور حالة شاذة ضمن الكونجرس الممزق بحالة تحزب مريرة، خصوصًا خلال عام الانتخابات، حيث يرعى هذا المشروع السيناتور جون كورنين، الجمهوري من ولاية تكساس، والسيناتور تشاك شومر، الديمقراطي من ولاية نيويورك، كما يحظى بدعم تحالف غريب من أعضاء مجلس الشيوخ الليبراليين والمحافظين، بما في ذلك آل فرانكن، الديمقراطي من ولاية مينيسوتا، وتيد كروز، الجمهوري من ولاية تكساس، علمًا أنه تم تمرير مشروع القانون أمام اللجنة القضائية في يناير المنصرم دون أي معارضة.
من الجدير بالذكر بأن العلاقات السعودية – الأمريكية تشهد مرحلة توتر في السنوات الأخيرة بعيد محاولات البيت الأبيض إذابة جليد العلاقات مع إيران، العدو اللدود للمملكة العربية السعودية، وذلك في خضم تبادل الاتهامات بين المسؤولين الأميركيين والسعوديين حول الدور الذي ينبغي أن تضطلع به البلدان في استقرار الشرق الأوسط.
ولكن على الصعيد المقابل، دعمت الإدارة الأمريكية المملكة العربية السعودية على جبهات أخرى، بما في ذلك تزويدها بمعلومات استهداف استخباراتية وبالدعم اللوجستي في حربها ضد اليمن، حيث يعمد الجيش السعودي لاستخدام الطائرات والقنابل التي اشترتها المملكة من الولايات المتحدة كجزء من صفقات أسلحة بمليارات الدولارات تم التفاوض بشأنها مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى في عهد إدارة أوباما.
دفعت الكارثة الإنسانية التي تسببت بها حرب السعودية على اليمن، فضلًا عن تسببها بإعادة إيقاظ تنظيم القاعدة هناك، إلى صدور قرار في الكونجرس يشترط وضع قيود جديدة على صفقات الأسلحة الأمريكية مع المملكة السعودية، حيث يشير السيناتور كريستوفر ميرفي، الديمقراطي من ولاية كونيتيكت وأحد رعاة القرار، بأن الكونجرس كان “عقيمًا” في ممارسة الرقابة على مبيعات الأسلحة، خاصة تلك الموجهة للمملكة العربية السعودية، موضحًا بأن أولى رغباته تتمثل بإخضاع علاقة أمريكا مع المملكة العربية السعودية لدرجة من الاشتراطات أكبر مما تخضع له حاليًا.