تركيا وإيران: علاقات خارج سياق ما حدث في القمة الإسلامية

انتقد البيان الختامي لقمة منظمة التعاون الإسلامي التي تستضيفها تركيا في مدينة اسطنبول دولة إيران بعد أن وجه لها اتهامات “باستمرار دعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة”.
هذا الانتقاد دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني والوفد المرافق له للانسحاب من الجلسة الختامية وعدم حضورها ردًا على هذه الاتهامات التي جاءت في هذا البيان الختامي الذي قال: “”أدان المؤتمر تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب”.
أما الرواية الإيرانية عن الحدث قالت إن روحاني والوفد الإيراني لم يشاركا من الأساس في الجلسة الختامية وفقًا لما نشرته وكالة أنباء فارس التي أكدت أن روحاني احتج على إدراج مثل هذه الاتهامات في البيان الختامي تحت ضغط من المملكة العربية السعودية.
كما اعتبر بيان القمة أن ما حدث عقب إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر من تصريحات للجانب الإيراني وأحداث السفارة والقنصلية السعودية في مدن إيران “تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، ما يتنافى وميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وجميع المواثيق الدولية”.
سجلت إيران اعتراضها على كل هذه النقاط في البيان الختامي مؤكدة أنه تم بضغط من الغريم السعودي على دول مجلس التعاون الإسلامي.
أين تقف تركيا من هذا البيان الختامي؟
تركيا تركت السعودية تضغط في هذا الاتجاه على إيران بالصورة النهائية التي خرج عليها البيان الختامي لكنه ليس بالضرورة تبنيًا لما جاء فيه، إذ أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستقبل الرئيس الإيراني حسن روحاني اليوم في أنقرة بعد اختتام أعمال القمة الإسلامية بالأمس.
كما كان استقبل الملك سلمان بن عبدالعزيز العاهل السعودي قبيل افتتاح القمة، وهو ما يعني أن تركيا لا تريد أن تنخرط في هذا الصراع وتقف فيه على مسافات متقاربة من جميع الأطراف، هذا الموقف التركي أكده الرئيس رجب طيب أردوغان في خطابه أثناء القمة الذي أعلن فيه ضرورة تنحية الخلافات السنية الشيعية.
حيث تتميز العلاقات بين إيران وتركيا بكونها أوسع من السياسية، وليست في المجالات الاقتصادية فقط، رغم اتساع هذا الجانب، ولكنها بحكم الجيرة ترتبط مع تركيا بمصالح سياسية وجيواستراتيجية عديدة، تحت مبدأ عدم تشكيل أي دولة تهديدًا سياسيًا أو أمنيًا للدولة الأخرى بشكل صريح.
أما السعودية فتريد أن تأخذ تركيا إلى الجانب السعودي والحلف المعادي لإيران تمامًا، وهو ما ترفضه تركيا بقوة، حيث تنظر السعودية إلى تركيا على أنها الشريك الأهم في الحلف السني المزمع إقامته ضد تدخلات إيران في المنطقة تحت اسم “التحالف الإسلامي”، كما تنظر السعودية إلى تركيا بعين الشريك الاستراتيجي في حرب سوريا، لكنها تريد توسعة هذه الشراكة إلى ما هو أبعد من ذلك في حربها مع إيران بالمنطقة.
تركيا في هذا الصدد تتفهم الدوافع السعودية وتتجنب الاصطدام بها، وتكتفي تمامًا بالدعم الشكلي للسعوديين داخل ما يسمى بالصراع السني الشيعي التي ربما تهتم السعودية به أكثر ما يكون في المنطقة، وذلك اتضح عندما انضمت تركيا إلى التحالف الإسلامي دون أي دور أو فاعلية، وقبل ذلك في مسألة مباركة عاصفة الحزم، وغيرها من المواقف التي لا تستدعي من تركيا سوى دعم السعودية الشكلي دون خوض غمار هذه المعارك معها، وهو ربما ما حدث في البيان الختامي للقمة الإسلامية.
ويتبقى المشهد السوري هو أحد التفاعلات القليلة الحالية بين السعودية وتركيا بالشكل الحقيقي نظرًا لعملية التقاء المصالح في سوريا، الأمر الذي يستتبعه تفاعل اقتصادي لتوطيد هذه الشراكة لكن بما لا يورط تركيا خارج حدود الصراع السوري.
الموقف التركي من إيران
الموقف التركي من إيران هو تاريخي متطور بحيث تدخل تركيا مع إيران في نزاع لكن كل منهما يعلم حدوده في هذا النزاع بحيث لا يمكن أن يتطور ويتخطى حد معين، وهو الأمر الذي ظهر في الصراع السوري الذي اختلفت فيه وجهتا نظر الدولتين تمامًا.
هذا الأمر أكده رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في زيارته الأخيرة للعاصمة الإيرانية طهران، حيث أشار إلى أهمية التاريخ والجغرافيا المشتركين بين تركيا وإيران، رغم اختلاف وجهات النظر حول بعض القضايا، وذلك خلال مؤتمر صحفي مع نائب الرئيس الإيراني إسحاق جيهانكيري.
وأضاف داوود أوغلو: “نسعى لتطوير العلاقات بيننا وبين إيران كدولة جارة وبارك للإيرانيين بالانتخابات التي تمت، ولدينا علاقات ممتدة منذ القدم وعلينا أن نضع خطة عمل مشتركة في شتى المجالات، حيث أن هناك دور استراتيجي كبير لكلا الدولتين لحل الأزمات وإنهاء الصراع في المنطقة”.
واستدرك داود أوغلو قائلا أيضًا: “لدينا وجهات نظر مختلفة في عدد من القضايا، إلا أن تطوير العلاقات بين تركيا وإيران سوف يؤدي لتحقيق السلام الشامل في منطقتنا”.
يمكن استخلاص الفلسفة التي تقوم عليها العلاقات بين تركيا وإيران من هذه التصريحات التي جاء قبل شهر من الآن لرئيس وزراء تركيا في طهران.
تقول صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” في هذا الصدد إنه رغم خلاف البلدين العميق حول ما يجري في سوريا، إلا أنهما نجحا بتحقيق تقارب، ولو جزئي، “فقبل عام كانت تركيا وإيران في تبادل حاد حول موافقهما المتضادة، بشأن الحرب السورية والنزاعات الطائفية التي تمزق الشرق الأوسط”.
وترى الصحيفة أنه بعيدًا عن الصدع في العلاقات بين البلدين، الذي تسببت به الحرب السورية، فإن القوتين الإقليميتين راغبتان بإحياء العلاقات التجارية المتعددة الجوانب والعلاقات الأخرى، والتخلص من العزلة التي يواجهها البلدان؛ حيث إيران فيما يتعلق بملفها النووي، وتركيا فيما يتعلق بخلافاتها مع جيرانها.
كما أن الزيارات المتبادلة بين الوفود التركية والإيرانية تنم عن رغبة متبادلة في تعافي العلاقات مرة أخرى بعد تبادل الاتهامات في السابق بسبب قضية سوريا المتجاوزة للدولتين، إذ رد وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الزيارة إلى تركيا، حيث وقع الطرفان خلالها على سلسلة من العقود، تشمل تخفيض التعرفة الجمركية بين البلدين والتعاملات المصرفية، وتخفيف حركة التجارة بين البلدين، وإنشاء خط ائتمان مصرفي بقيمة 350 مليون دولار، كما وقع البلدان عقودا في مجال التعاون في الأسواق المالية، وتحسين خدمات الطاقة الكهربائية من إيران، واستثمارات تركية في عقود الغاز والنفط، حيث ينتوي البلدان بشكل عام زيادة التعاملات التجارية بينهما إلى 30 مليار دولار في العام.
ويذكر أنه حينما كان يستقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الملك السعودي في الوقت نفسه كان وزير الاتصالات الإيراني يوقع مجموعة من الاتفاقيات مع الجانب التركي، أي أن تركيا تتعامل مع إيران بنفس أهمية تعاملها مع الجانب السعودي، تحت ضغط التاريخ والجغرافيا المشترك في المصير، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تذهب تركيا إلى الجانب السعودي على حساب مصالحها مع إيران مهما كانت المغريات السعودية.
وربما تجد تركيا نفسها في دور الوساطة بين إيران والسعودية خاصة أنها تتمتع بعلاقات قوية بين الطرفين، وهي الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تجمعهم تحت قبة واحدة حتى الآن.