لا يهتم عامة الناس بأخبار اجتماع كبار منتتجي النفط في العالم الذي يُعقد في العاصمة القطرية الدوحة في السابع عشر من نيسان/ أبريل. مع ذلك، هناك تفاصيل تتعلق بهذا الاجتماع قد تمسّ حياتنا واقتصادنا الشخصي.
دعونا نتعرف قليلاً إلى الأمر بعين فضولية ومن زاوية المصلحة الشخصية.
ما هي القصة؟
تابع جميعنا الأسهم الحمراء على شاشات الأخبار وهي تخبرنا أن النفط أصيب بوعكة صحية، أعراضها تخمة المعروض “الإنتاج فائض عن الطلب” وانخفاض الأسعار.
ويُعدّ هذا الانخفاض من أسوأ الصدمات وأكبرها في صناعة النفط العالمية على الإطلاق، فقد تراجع سعر الذهب الأسود من مستويات 110 $ إلى 27 $، أي بنحو 60 في المئة من قيمته، وهو ما لم تشهده الأسواق النفطية العالمية منذ عام 2004 على الرغم من الاضطرابات السياسية والحروب التي عصفت بالشرق الأوسط الذي يستحوذ على ثلثي الاحتياطيات النفطية في العالم.
ما أسباب تهاوي أسعار النفط؟
– ارتفاع المخزونات النفطية العالمية إلى أعلى مستوى لها في تاريخ النفط مسجلة نحو ثلاثة مليارات برميل.
– ثورة النفط الصخري في شمال داكوتا وتكساس في أميركا جعلت من الولايات المتحدة مصدراً للنفط للمرة الأولى منذ أربعين عاماً وبمخزونات نفط تقدر بنحو 536 مليون برميل.
– ضعف نمو الاقتصاد العالمي، وتراجع اقتصاد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
– صعود سعر صرف الدولار المسعر الوحيد لسلعة النفط مقابل بقية العملات الرئيسية.
– تراجع حصة أوبك إلى نحو ثلث الإنتاج النفطي العالمي.
من هم الخاسرون من جراء انخفاض أسعار النفط؟
ألقى تهاوي أسعار النفط بآلامه على نشاط اقتصادات الدول المنتجة له، وكبدها خسائر كبرى طالت كل شخص في منزله في منطقة الخليج العربي، بدءًا من إنهاء بعض عقود العمل، وليس انتهاءًا بفرض ضرائب القيم المضافة على السلع الأساسية.
وبلغة الأرقام، خسرت الدول العربية النفطية أكثر من ثلث تريليون دولار من عائدات النفط خلال العام الماضي من جراء تهاوي أسعار النفط في العالم، وأصبحت بذلك بعض الدول الخليجية مهدّدة بعجز في موازناتها قد يصل إلى 13 في المئة، إضافة إلى فقدان احتياطياتها المالية الاستراتيجية خلال أقل من خمس سنوات بحسب صندوق النقد الدولي، ويتبع ذلك بشكل محتّم خسارة التصنيف الائتماني الممتاز الذي كثيراً ما اعتادت دول الخليج أن تحظى به لجدارتها الإئتمانية وفوائضها المالية.
كما خسرت الجزائر، والتي تعتمد على النفط كمورد دخل أساسي للبلاد، خمسة وثلاثين مليار دولار من احتياطياتها، وأصيبت بعجز تجاري بلغت قيمته أربعة عشر مليار دولار، إضافة إلى اضطرارها إلى تطبيق سياسات تقشفية لانخفاض إيرادات صادراتها النفطية، شملت تجميد مشروعات كبيرة ورفع الدعم عن بعض السلع المدعومة.
هل من مستفيد من انخفاض أسعار النفط؟
اقتنصت الدول المستوردة للنفط بعض المكاسب من الصدمة النفطية السعرية أبرزها الأردن ومصر، إذ أفضى تراجع أسعار النفط إلى تقليص فاتورة مستوردات الطاقة، وبالتالي هبطت فاتورة الوقود بأكثر من أربعين في المئة بشكل عام. ولكن انخفاض الأسعار كان سيفاً ذا حدين، فسرعان ما نال من تراجع الاستثمارات والمساعدات المالية الخليجية.
ما الحلول التي تسعى لها الدول النفطية المنتجة؟
تسعى كل من فنزويلا ونيجيريا والجزائر ودول نفطية أخرى إلى الاتفاق مع منظمة أوبك على تقليص إنتاجها النفطي، وبالتالي خفض تخمة المعروض في السوق، ومن ثم إعادة توازن الأسعار لتصل إلى مستوى الـ 50 دولاراً كحد أدنى.
لماذا تتمسك منظمة أوبك بموقف عدم خفض إنتاجها النفطي؟
في الحقيقة، تواجه منظمة أوبك موقفاً صعباً إزاء مطالبة المنتجين المستقلين لها بخفض إنتاجها النفطي، فإن هي أقدمت على خفض الإنتاج فسيكون مصير هذا الخيار خسارة جزءٍ من حصتها في السوق لمصلحة المنتجين خارج المنظمة، وأبرزهم روسيا، كما حدث مع أوبك في حقبة الثمانينيات.
أما الخيار الثاني الذي تعتمده المنظمة في الوقت الراهن كاستراتيجية نفطية، وهو الإحجام عن خفض الإنتاج الذي يهدف إلى دعوة جميع منتجي النفط في العالم إلى المشاركة في تقليص إنتاجهم النفطي بدلاً من تحمل عواقب ذلك بمفردها. هذه الاستراتيجية قد يكون ثمنها غالياً من حيث تراجع عائداتها من وارادات النفط، وبالتالي إصابة موازناتها ومشاريعها بالعجز، إلا أن ذلك لن يكون مدوياً إلا على المديين القصير والمتوسط، وسيصيب النفط الصخري الأميركي في مقتل على المدى الطويل، وبالتالي عودة نفط منظمة أوبك لتكون في مرتبة أولى وثانية.
اجتماع أوبك والمنتجين المستقلين في الدوحة
سيعقد للمرة الأولى أهم قمة لكبار منتجي النفط في العالم منذ ستة عشر عاماً في العاصمة القطرية الدوحة، وستبحث خفض الإنتاج النفطي العالمي وتثبيته عند مستوى إنتاج كانون الثاني/ يناير 2016 وذلك سعياً من الدول المنتجة لرفع سعر برميل النفط، وبالتالي زيادة عوائد دخل بلادهم، ولا سيّما أن أغلبها يعتمد على واردات النفط.
وينبغي أن ندرك أن التقارب في مصالح الدول المجتمعة هو الفاصل والمحدد في التوصل إلى اتفاق، وفي الواقع هو أمر لم يتحقق بعد.
مواقف أبرز منتجي النفط من خطة تثبيت الإنتاج
إيران:
أكدت إيران أنها لن تجمد إنتاجها إلا بعد بلوغه أربعة ملايين برميل يومياً مع عودتها إلى السوق بعد رفع العقوبات, إذ تنتج حالياً نحو مليونين ونصف مليون برميل يومياً. كما ارتفع مستوى الإنتاج الشهري بنسبة 13% مقارنة بالإنتاج في حزيران/ يونيو 2014.
روسيا:
تعد روسيا أكبر منتج للنفط في العالم، وتشكل عائدات النفط نصف ميزانيتها تقريباً، ولذلك أدّت أزمة تهاوي الأسعار إلى تكبيدها خسائر اقتصادية كبيرة انعكست في غلاء أسعار السلع وانخفاض مستوى معيشة المواطن الروسي.
ولذلك تسعى موسكو لتبديل سياسات المنافسة مع منظمة أوبك التي امتدّت خمسين عاماً، والسعي اليوم من خلال اجتماع الدوحة لعقد اتفاقيات ربما تستطيع أن تؤثر على أسعار النفط وتدفعَها إلى صعود طال انتظاره.
أميركا:
أظهرت إحصائيات أميركية أن خمساً وأربعين شركة على الأقل أعلنت إفلاسها، وسرحت مئة ألف عامل بسبب انخفاض أسعار النفط، وهو ما يمثل نكسة للاقتصاد الأميركي منذ انهيار أسعار العقارات قبل ثماني سنوات، ولا سيّما أن تكلفة استخراج النفط الصخري تفوق بكثير ثمن بيعه في الأسواق، ما يعني وجود مصلحة أميركية في دعم خطة رفع أسعار النفط.
العراق:
يسعى العراق لتنفيذ خطة تجميد حجم الإنتاج عند مستوى يناير لتجاوز أزمة انخفاض أسعار النفط التي نالت من موازنة البلاد .
ما السيناريوهات المتوقعة في قمة الدوحة حسب تقديرات بنك ساسكو الاستثماري؟
1- عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق:
هذا السيناريو محتمل جداً تبعاً لمزاج المنتجين والساسة. وإن حدث هذا السيناريو فسيتبعه هبوط في سعر برميل النفط بسرعة كبيرة ليتراوح بين 30-33 دولاراً على المدى القصير، ليعاود الارتفاع بالتدريج على المدى المتوسط إلى نطاق تداوله على مدى الأسابيع القليلة الماضية بين 35-40 دولاراً.
2- اتفاق بالحدود الأدنى:
يتمثل هذا السناريو بتجميد الإنتاج من جانب بعض الدول المنتجة عند مستوى إنتاج كانون الثاني/ يناير الماضي، ولكن ذلك لن يسهم في حل مشكلة العرض في السوق، فضلاً عن أنه سيكون في منزلة فتح الأبواب لإيران لاسترداد أسهمها في السوق.
3- التوصل إلى اتفاق عالمي يشمل إيران:
وهو السيناريو الوحيد الضامن لرفع أسعار النفط إلى القيمة المستهدفة، أي 50 دولاراً للبرميل، ولكنه في الوقت ذاته صعب تماماً نظراً لعدم تقارب المصالح في الوقت الراهن إضافة لذلك موقف إيران من خطة تثبيت الإنتاج النفطي الذي سيعرِّضها حتماً لتأخير وصوصلها إلى مستوى الإنتاج الذي تخطط له بعد رفع العقوبات.
يتطلب تنفيذ هذا السيناريو رقابة صارمة على أسعار السوق من جانب هيئات طاقة دولية ، وفي الحقيقة لا يمكن لأوبك أن تتحمل عودة الأسعار إلى 50-60 دولاراً للبرميل، لأنه في مثل هذا المستوى سيستفيد منتجو النفط الصخري في أمريكا مرة أخرى، ويمكنهم إغراق السوق بإمداداتهم وبذلك تخسر المنظمة حصصها.
لو تم التوصل إلى اتفاق عالمي في قمة الدوحة ستواجه أوبك تهديدات الإنتاج العراقي وإنتاج النفط الصخري اللذين تنخفض تكاليفهما التشغيلية بشكل سريع بفضل التقنيات المبتكرة.