في ميدان رابعة العدوية أعتصم منذ بداية الإنقلاب ، أخرج في المسيرات التي تنادي ضد حكم العسكر وضد السيسي ، ولا انتمي للإخوان المسلمين ، هل سيفيدك هذا في عدم تصنيفي قبل أروي لك ما رأيت؟.
خرجت يوم أمس في مسيرة من ميدان رابعة العدوية والتي كان من المفترض لها أن تقابل مسيرة أخرى تأتي من اتجاه طريق النصر حيث كوبري 6 أكتوبر قريب من النصب التذكاري الذي قتل عنده السادات قبل أعوام طويلة.
خرجنا لنستقبل مسيرة صار لها ساعات تدور والعارف بالمسيرات سيعلم أن المسيرة تأتي في آخرها ويبدأ التعب يحل بالمتظاهرين فيها فتبدأ في التفكك إلى مجموعات أصغر من الحشد الأكبر الذي تخرج فيه فيسهل وقتها التعامل معها أمنيا فكانت دعوة المنصة في ميدان رابعة بالخروج في حشد كبير لمقابلة المسيرة حتى لا تفقد زخمها العددي والإعلامي.
وبالفعل خرجنا وسرنا حتى وصلنا والتحمنا بها
وقت قليل أقل من ربع ساعة محت إحدى الدراجات البخارية تحمل أحد المتظاهرين وهو يكاد يفقد الوعي
ومن إحدى سيارات الإذاعة التي تصاحب المسيرات سمعت قائدها يقول نحن نعلم كل شئ اثبتوا في أماكنكم
فتقدمت حتى بدأ أعي أن هناك هجوم ما يحدث في آخر المسيرة !
وكلما تقدمت نحو مكان الضرب كلما بدأت عيني تدمع من رائحة الغاز المسيل للدموع التي بدأت تعبّق الجو
كلما تقدمت قابلني أحد الشباب يطلب مني العودة فالضرب في الأمام سيشتد !
وقد لمحنا قناص فوق “جامعة الأزهر” وأنتِ وعدستكِ مستهدفين .. دقائق قليلة وقفت وقلت له لو لم ننقل نحن الحقيقة فستضيع الرب واحد والعمر واحد فأفسح لي الطريق لأمضي للأمام ..
حولي يحرق الشباب بعض اغصان الاشجار فدخانها وسيلة جيدة لمواجهة الغاز ، وعلى اليسار البعض الاخر يدق على الأبواب بطريقة شبه منتظمة لتنبيه البقية بوجود هجوم في اششارة متفق عليها منذ يناير 2011
أتقدم وأحاول أن أوثق بالعدسة ما أرى حتى وصلت إلى خط المواجهة الأول
سيارات الأمن تقف منتظمة والجنود أوقفوا كوبري اكتوبر ووقفوا صفا يغلقه
والضرب غاز وخرطوش ، والغاز هذه المرة مختلف عن كل مرة !
كنت في يناير 25 وفي محمد محمود وفي مجلس الوزراء وفي العباسية وقد آلفت أنفي الغاز وكنا في كل مرة نميزه ونعلم ان كان اختلف او زاد تأثيره عن أول مرة في يناير ..
هذه المرة لا أشك أبدا أن غاز للأعصاب أطلق علينا يوم أمس .. رجفة يدي وثقل لسان صديقتي والتشنجات التي رأيتها بعيني تقول أن الغاز هذا المرة شديد الأثر .. قوي العزيمة على شباب مصر!
يطلقون حقدهم مغلفا بغاز قاتل ، لا يهم أين ستسقط القنبلة المهم هنا ان تؤدي غرضها ، وغرضها موت !
أتت بجوار قدمي اليمنى فلم أدري حقيقة ما حدث ، عيني تؤلمني وصدري يختنق وكأنه علبة مياه غازية يحطمها شمشمون بين يديه
تخرجك من لحظة الموت يد أحد الشباب المحيطين يدفعك بقوة “إرجعي كادت تصيب راسك القنبلة !لله عودي ! “
لم يكن هناك اشتباكات كان هناك أمن غادر يطلق بوحشية الخرطوش القاتل والغاز المسيل للدموع ، عدت أدراجي وبدأت ألتقط الصور للمصابين الذين كانوا في البداية مختنقين من الغاز ومصابين خرطوش فقط
عدت إلى الميدان وتركت المعركة ولم أدرِ أنها دقائق قليلة ليبدأ الموت يحصد الأرواح التي تركتها خلفي تؤمن مدخل الميدان لكي أكون أنا ومن هم مثلي بأمان داخله دون أذى
والأخبار تتواتر إلينا أن يسرع الكل إلى الداخل فالشرطة بدأت بتطويق الميدان من اتجاهاته الأربعة ..
هو الحصار مع الموت إذا ..!
تحركت بعدها إلى المستشفى الميداني لأرى هناك الموت كما يجب أن يكون !
الموت يحلق في المكان وتزكم رائحته المستشفى الميداني ، الدم متناثر هنا وهناك والرصاص الغادر لا يفرق بين شيخ أو طفل
رصاص في القلب والرأس والعين والصدر ..
أحد الشهداء رأيت مخه يخرج من رأسه ووقفت بجانبه وهو يسلم الروح يتقطع نفسه رويدا رويدا حتى سكن !
شاب صغير السن يحاولون إنعاشه علمت فيما بعد ان اسمه عمر واباه كان ذلك الرجل الذي يجلس على الأرض بجواره يخبر أخاه أن عمر استشهد
هل هناك أشد قسوة من بكاء الرجال !
أدخل حجرة تابعة للمستشفى خصصوها لجثامين الشهداء لإخلاء مكان للجرحى بدأوا أربعة ومن فرط العقد لم أعد أستطيع عد من دخلوا إليها وقد سلموا أرواحهم لله !
أقف أمام المستشفى لاهثة عاجزة عن ملاحقة الموت المخيم على المكان لأقابل إحدى صديقاتي تقول لي أخو فلانة استشهد كان وحيدا على خمسة بنات !
وأصادف وجه أم تسأل على وليدها إن كان جريحا لأعلم فيما بعد أنه كان أحد الشهداء الذي قابلتهم في تلك الحجرة المعبقة برائحة الياسمين.
أغادر المكان محملة بأقسى المشاعر الإنسانية على النفس ، حزن وغضب وذهول من هول ما عشنا ، حصار وموت ، ولا يتردد على لساني إلا اللهم أخرجني من هذه البلدة الظالم أهلها عاجلا غير آجل يا الله.