“رفقاء ثورة، فرقاء ما بعدها” هذا هو عنوان قصة الإخوان والقوى الثورية .
ما كانت ثورة يناير إلا بهما معًا، ولو كانت بأحدهما فقط لما كتب لها النجاح أبدًا، وقد وزعت الأقدار الأدوار بينهما على غير ترتيب منهما، فكان الإخوان جسدًا قويًا للثورة، وكانت القوى الثورية والشبابية وجهًا مقبولاً لها.
ما كانت القوى الثورية والشبابية لتحشد في الخامس والعشرين من يناير، وما كانت لتصمد في وجه البطش الأمني، لولا وجود الإخوان جسدًا قويًا فتيًا في القلب منها، وموقعة الجمل تشهد بذلك، وقد أقر بهذا أكبر أعداء الإخوان.
وما كان العالم ليقبل بثورة الخامس والعشرين من يناير ولا أن يمررها إلا بظهور القوى الثورية والشبابية كوجه لهذه الثورة، ولولا وجود هذه القوى في المشهد لمارس النظام كل ما يستطيعه من ألوان البطش والقمع دون أن يقول له العالم كفى، وهذا هو ما حدث من بعد ذلك في رابعة والنهضة، يوم أن كانت الثورة ثورة للإخوان فقط.
لولا وجود الإخوان لفض النظام الثورة في يوم أو يومين، ولولا وجود القوى الثورية والشبابية لما قبل العالم بنجاح هذه الثورة ولو استمرت لألف عام؛ هما ذراعا الثورة إذن، لا تقوم الثورة إلا بهما، ولا تبطش إلا بهما، وما آل إليه الحال من بعد انقلاب الثلاثين من يونيه يؤكد ذلك تأكيدًا جليًا.
ثلاث سنوات من ثورة الإخوان على الانقلاب ولا نهاية، وبطش من قِبل النظام فيهم لم تشهده مصر من قَبل وكل ذلك على نظر العالم وسمعه، وتشتت للقوى الثورية وذهاب شأنها وقوتها هباء، وهزلية وجودها الثوري على الأرض في بعض المناسبات الثورية.
الوضع كله يصرخ فيهما، أيها الفرقاء، أما آن لكم أن تعودوا رفقاء، نادى الكثيرون بعودة اللحمة الثورية بين الإخوان والقوى الثورية حتى تعود روح يناير من جديد، لكن كل هذه الدعوات تحطمت على صخور الكبر والعند من الطرفين، وعدم الإدراك اليقيني منهما أن لا قيمة لأحدهما من دون الآخر.
ثم جاءت اللحظة، لحظة أن فُضح النظام الانقلابي ببيع للأرض عيانًا من أجل حفنة من المال، وإن كان لي وجهة نظر مختلفة في تكييف هذه القضية.
ورأيي أن الجزيرتين (تيران وصنافير) هما جزيرتان متنازع عليهما بالفعل بين الطرفين (السعودية ومصر)، وهذا التنازع قائم منذ زمان، ووارد أن يكون الحق للسعودية فيهما، ويبقى الجرم الكبير للسيسي أنه فرط في أرض متنازع عليها بهذه السهولة من أجل حفنة من المال من السعوديين، وهذا هو عين الخيانة وعدم الأهلية للحكم.
كما أنه لو افترضنا أن هذه الجزر للسعوديين، فإنه ما كان ينبغي أن يتنازل عنها المصريون بعد طول إدارة لها وسيادة عليها، وذلك لأهميتها الاستراتيجية، فهي عنق زجاجة لإسرائيل، ولها أهمية بالغة في أي حرب محتملة معها، وقد كان منتظرًا ألا تنازع السعودية في ملكيتها من أجل ذلك، وهما جزيرتان صغيرتان جدًا، ولا تحتاج السعودية مترامية الأطراف لهما.
هي لحظة تاريخية على كل حال، وما رأينا ذلك الرفض الشعبي مثلما رأيناه في هذه القضية، وقد اجتمع على هذا الجميع، بما فيهم الإخوان والقوى الثورية، ودعت القوى الثورية للنزول في جمعة الأرض، وأكدت جماعة الإخوان على المشاركة، ثم كانت المهزلة حين رفض بعض ممن يحسبون على القوى الثورية نزول الإخوان، في موقف غبائي كبير، أما زال هؤلاء في غيهم وغبائهم، أما باتوا يدركون أن لا قيمة لهم من غير التلاحم والاتفاق.
خرج يوم الجمعة يومًا ثوريًا يبعث على الأمل ويصرخ في الجميع “هي لحظة تاريخية فاغتنموها ولا تضيعوها بغبائكم التاريخي”، تداعى الجميع إلى يوم ثوري آخر قريب، على الجميع الآن أن يدركوا مدى تاريخية اللحظة، الآن يجب على الجميع أن يرجع خطوة إلى الوراء من أجل المصالحة والاصطفاف.
وغير مقبول بأي حال أن يدعو طرف الطرف الآخر للتنازل عن كل شيء، هما طرفان لا قيمة لأحدهما من دون الآخر، والتنازل مطلوب من كليهما معًا، فإن لم يكن فالتاريخ سيكتب خيبتهم الجديدة التي سترافق خيباتهم السابقة.
والحلول التوافقية كثيرة لو خلصت النوايا، ومن الممكن أن يكون أحد أفضل هذه الحلول أن يتفق الجميع على كسر النظام القائم وعودة الرئيس مرسي كنظام شرعي سابق للانقلاب، على أن يدعو مرسي فورًا لانتخابات رئاسية وتشريعية.
يجب أن نتحد ونتوافق، وإلا فإن اللحظة ستضيع منا، ولو لم تضع، وقدر الله سقوطًا للنظام على حالنا هذا من التشرذم والتعادي، فإننا ننتظر حالاً من بعد كسر النظام لا يقل سوءًا عن الحال الذي نعيشه الآن في ظله.