“العيد يا يما لما بلادنا بتعــــود… وارجع عأرض الوطن وأبوس ترابـه”، يغني يونس وعدي في زنزانة الاحتجاز قبل دخول قاعة المحكمة ليتسلل نداء من الخارج، “يونس يما”، يشك فيما سمعه ويسأل من حوله: “اسكتوا.. سمعت أمي بتنادي”، ليتأكد فيما بعد أنه لم يتوه بنداء والدته الذي لطالما اعتاد عليه.
الـ18 من آذار الماضي، أخذ يونس مزهر 15 شيقلاً من والدته ليحضر لها الخبز بعد عودته من صلاة الجمعة، فيما طلب عدي مزهر من أمه أن تحضِّر له معجنات بالزعتر والجبنة، ثم خرج الصديقان معًا إلى جامع مخيم قلنديا شمال القدس.
أكثر من ساعتين مضت، لم يعد يونس (17 عامًا) وعدي (14 عامًا) إلى منزليهما، ليغلي قلبا أميهما ويفوران، فهما لا يتأخران بالعادة بعد أداء صلاة الجمعة ويعودان فورًا لتناول طعام الغداء مع الأسرة المجتمعة.
“راحوا الأولاد”
محاولات للاتصال بهما، إلا أن هاتفيهما مغلقان، فيما خرج أفراد العائلة إلى المخيم للبحث عنهما، “نظرت إلى الساعة كانت الواحدة والنصف، فقلقت على يونس لأنه لا يتأخر بالعادة، بدأت بالاتصال عليه لأجد هاتفه مغلق”، تقول والدة يونس، وتضيف، “شعرت أنه حل بيونس شيء ولكني لم أكن قادرة على إبلاغ أحد، اتصلت على والده فوجدته أيضا قلِقًا عليه”، كما اتصلت على شقيقها لتسأله عن ابنه عدي ويخبرها أنه يبحث عنه أيضًا.
“أولادنا راحوا” صرخت أم يونس وأغلقت الهاتف لتجد نفسها تفقد أعصابها تدريجيًا، فيما تواصل شقيقة يونس بحثها على الفيسبوك عسى أن تجد ما يصلها بشقيقها، “بعد قليل نشر جيش الاحتلال صورة لاعتقال شابين على فيسبوك واستطاعا فورًا التعرف عليهما، إنهما عدي ويونس”.
فعند مدخل المنطقة الصناعية في مستوطنة شاعر بنيامين في القدس، اعتقلت قوات الاحتلال عدي ويونس مدعية أنها أحبطت تنفيذ عملية من قبل فتيين أرادا استهداف حرس المستوطنة، تقول أم يونس: “أول ما تبادر لذهني أن يونس وعدي استشهدا ولكن ما إن رأيت الصورة حتى اطمأن قلبي أنهما بخير، أنا من حضر له ملابسه فعندما رأيت الصورة تأكدت أنه هو”.
في المحكمة: غناء واستهزاء بالجنود
منذ اندلاع الانتفاضة الحالية، وارتقاء الشهيد تلو الشهيد في المخيم، باتت العائلة تخشى على نجلها يونس خاصة أن عددًا من أصدقائه ارتقوا مؤخرًا، تضيف أم يونس، “تأثر يونس بالشهداء كثيرًا، وخاصة بالشهيدين ليث مناصرة وحسين أبو غوش واللذان كانا صديقيه”، مشيرة إلى أنه كان يتأثر بكل شهيد يرتقي ويحزن كثيرًا، ويحرص أن يشارك في التشييع ويبقى قرب قبر الشهيد.
ورغم ما في قلبه من حزن على أصدقائه الشهداء، إلا أنه لا يتوقف عن المزاح والضحك ساعيًا لإسعاد من حوله، ظهر ذلك حتى في قاعة المحكمة، وفقًا لأم يونس التي قالت، “جاء الجندي وسأله عن اسم محاميه، فقال له ساخرا شعبان عبد الرحيم، فبدأ الجندي بالمناداة وكلنا صرنا نضحك”.
وتتابع، “خلال انتظاره جلسة المحكمة، أسمع صوته وهو يغني أغاني أبو عرب، فرغم صغر سنه إلا أن معنوياته مرتفعة”.
لم تستطع أم يونس زيارة نجلها حتى الآن، إلا أنها استطاعت التهامس معه قبل بدء جلسة المحكمة، “سألته إذا اعترف بالتهم التي نسبت إليه، فأخبرني انه اعترف من كثر الضرب الذي تعرض له”، وأكد يونس لوالدته أن المحققيين تعمدوا عدم ضربه على أماكن تظهر أمام القاضي والمحامي.
ونقل يونس وعدي لأهاليهم أن المحققين هددوهم خلال التحقيق مستخدمين أداة حادة، وهو ما أجبرهما على الاعتراف، كما توضح والدة يونس أن المحققين ادعوا في لائحة الاتهام أنهما حاولا تنفيذ العملية ثأرًا للشهدين حسين أبو غوش وناهد امطير.
عدي.. الحُسن خلقًا وعلمًا
الكثير من الأحلام والطموحات سعى إليها عدي، فتبين والدته أنه يحلم بالدراسة الجامعية ويسعى دائما لتطوير نفسه، “شخصيته قوية، ومحبوب في مدرسته، فهو من الطلبة المتفوقين”، مبينة أنه رغم سنه وقلة تجربته إلا أنه يملك معنويات عالية “أتحدث إليه كأنني أتحدث لشاب كبير وواع وهذا ما يطمئنني عليه”.
عدي في الصف التاسع، طالب نشيط ومجتهد، يصفه أساتذته دائمًا بأنه من “يشفي غليلهم” بمثابرته، “سيفرج عنه قريبًا وسيعود لصفه ومدرسته وتحقيق أحلامه”.
“في ذلك اليوم طلب مني أن أعمل له معجنات، وأحضر لي الفرن من جدته، ثم ذهب للصلاة، وهو خارج وقف على الدرج نظر إلي ثم ذهب مسرعًا”، تقول أم عدي التي لم تتوقع يومًا أن يخوض طفلها تجربة الاعتقال.
تسترجع، “لم يكن قد مضى الكثير من الوقت حتى بدأ والد عدي بالسؤال عنه، أخبرته أنه سيعود بعد لحظات، صبرت قليلاً ثم بدأت أشعر بالقلق والخوف”، بدأت العائلة بمحاولات الاتصال على نجلها إلا أن هاتفه مغلق، “جلست أمام التلفاز وبدأت بانتظار خبر عن عدي… ولم أجد شيئًا”.
شاهد أشقاء عدي صورته على الفيسبوك وبدأوا بالبكاء على شقيقهم، فيما انهارت الوالدة قبل أن ترى صورة طفلها، حتى يأتيها من يطمئنها أنه تم اعتقاله دون إطلاق النار عليه.
وتروي أم عدي نقلاً عن والدة الشهيد بلال زايد الذي ارتقى في كانون أول الماضي، أنه في أحد الأيام وخلال اندلاع مواجهات في المخيم، أبعد بلال عدي من مرمى رصاص الاحتلال ليصاب هو في وجهه ويرتقي شهيدًا، فيما كانت هذه المرة الأولى التي أفلت فيها عدي من الموت، لتكون الثانية لاحقًا يوم اعتقاله.
تقول أم عدي، “صدمت كثيرًا من اعتقاله ولكن ما هون علي، السمعة التي تركها لنا، وصيته الذي يلمع في المخيم”، مضيفة “الكل يزورنا ويحدثنا عن عدي.. اليوم يخرج والده إلى المخيم وكل بضع خطوات يوقفه شخص ما ويسأل عن عدي”.
ونقل عدي لوالدته بعد أن ألحت عليها ليخبرها عن التحقيق معه، أنه تعرض للتهديد والتخويف بعد رفع أداة حادة تجاهه، كما اعتدوا عليه بالضرب أثناء اعتقاله.
ذِكر عدي ويونس لا يغيب عن بيتهما، فما إن تأتي أم أحدهما وتنادي على واحد من أطفالها حتى تناديه باسم نجلها المعتقل، السالب لعقلها وتفكيرها طول الوقت، “هل يضربوه؟ هل أكل؟ متى سآراه وأقبله؟ وهل سيصدر حكمًا ظالمًا بحقه؟”.
المصدر: قدس الإخبارية