خلال أول زيارة رسمية للعاهل السعودي الملك سلمان إلى القاهرة مؤخرًا، أعلن هو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي نيتهم لإحياء الخطط التي نوقشت في كثير من الأحيان لبناء الجسر الذي من شأنه أن يخلق طريقًا مباشرًا بين البلدين، وفي حين أن خطط الجسر تبدو غامضة إلى حد ما، فقد وقع الزعيمان اتفاقًا ملموسًا يعيد رسم الحدود البحرية بين البلدين قامت مصر بموجبه بإعادة اثنين من الجزر الاستراتيجية التي تقع عند مدخل خليج العقبة، تيران وصنافير، إلى المملكة العربية السعودية.
من ناحية أخرى، خلقت مسألة نقل الجزيرتين قدرًا من الغضب السياسي في مصر.
تحليل
اقتراح إنشاء الجسر الذي صدر في 8 أبريل حصل على الكثير من اهتمام وسائل الإعلام، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها طرح خطة طموحة لربط المملكة العربية السعودية ومصر، خلال قمة عام 1988، أعلن العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز والرئيس المصري حسني مبارك، خططًا لبناء مثل هذا الجسر، وفي عام 2012، أحيا الرئيس المصري محمد مرسي الفكرة، لكن لم يحدث أي تقدم فعلي تجاه تطبيق الأمر.
وقد دعت الخطط السابقة إلى إنشاء جسر يمتد ما بين 25 إلى 50 كيلومتر طولاً وبارتفاع حوالي 100 متر مرورًا على جزيرة تيران، المشروع الجديد يفتقر إلى تصميم الجسر والجدول الزمني التفصيلي، ولكن التكلفة التقديرية للخطط قدرت بما بين 3 إلى 4 ملايين مليارات دولار و7 سنوات كوقت مقدر للبناء.
وفي غضون ذلك، فقد جاء نقل جزيرتي تيران وصنافير التي تطل على مضيق تيران الاستراتيجي على خليج العقبة تتويجًا لأحد عشر اجتماعًا دبلوماسيًا أمتدوا لمدة ست سنوات، وقد بدأ الحديث حول النقل في الظاهر من خلال الطلب السعودي باستعادة السيطرة على الجزر في عام 1988.
قبل تأسيس المملكة العربية السعودية الحديثة عام 1932 وقبل أن تستقل مصر عن الإمبراطورية العثمانية عام 1922، كانت الجزر والممرات المائية المحيطة بها خاضعة لسيطرة الدولة العثمانية، وبعد تأسيس دولة “إسرائيل” في عام 1948، فقد جرى الاتفاق بين مصر والسعودية على تمركز وحدة صغيرة من القوات المصرية في الجزر لحمايتها من عدوان إسرائيلي محتمل، بعد حرب الأيام الستة في عام 1967، احتلت إسرائيل جزيرة تيران وسيطرت على مضيق تيران، وقد استمر هذا الوضع حتى توقيع اتفاق كامب ديفيد في 1978، وكانت قوة حفظ السلام الصغيرة متعددة الجنسيات، ومعظمها من القوات الأمريكية مع بعض القوات المصرية، تتمركز على الجزر منذ عام 1982.
الممر الاستراتيجي
وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية للجزر، فإن بناء الجسر سوف يكون له أثر محدود على ميزان القوى العسكري بين مصر والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الإسرائيلية في السنوات الماضية قد أثارت القلق من أن مثل هذا الجسر يمكن أن ينتهك اتفاقية كامب ديفيد، فإن المسؤولين الإسرائيلين لم يصدر عنهم أي اعتراض على خطط الجسر الجديدة أو نقل الجزر، وفقًا لصحيفة الأهرام المصرية، وعد نائب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان» أن بلاده ستواصل احترام وجود القوة المتعددة الجنسيات في الجزيرة وضمان المرور الآمن للسفن من البحر الأحمر إلى خليج العقبة، حيث يقع الميناء الأردني الوحيد على البحر الأحمر، وهو ميناء العقبة إضافة إلى الميناء الإسرائيلي الوحيد وهو ميناء إيلات.
إذا كان مشروع الجسر الحالي هو متابعة للمشاريع السابقة، فإنه لن ينتهك أحكام اتفاقية كامب ديفيد بشأن الملاحة في المضيق، عندما تخلى مبارك عن خطط لبناء الجسر في عام 2005، محتجًا بالأضرار التي ستلحق بالشعاب المرجانية فقد تم تعيين ارتفاع الجسر على أنه مائة متر، ومن شأن ذلك أن يترك مجالاً واسعًا للسفن العسكرية والبضائع من جميع الأنواع للمرور، وعلى سبيل المقارنة، فإن جسر “جولدن جيت” في سان سان فرانسيسكو يبلغ ارتفاعه حوالي 67 مترًا.
هناك بعض المخاوف الاستراتيجية العسكرية الأخرى يمكن أن تنشأ في حالة طلب أي دولة نشر المزيد من القوات، يمكن لجسر بين مصر والمملكة العربية السعودية أن يقلل وقت العبور، وتكاليف نقل الأفراد والعتاد بين البلدين، وقد تعهدت مصر بحماية المملكة العربية السعودية في حالة حدوث خرق إقليمي، ورغم عدم وجود مثل هذا الصراع في الأفق، فإن المملكة العربية السعودية تسعى بعناية إلى حشد أكبر قدر من الدعم كي تتأكد أنها محاطة بأصدقاء يمتلكون قوة عسكرية، أما بالنسبة إلى الشق العسكري، فقد كانت السعودية بالفعل بنشر قوات المدفعية على البر الرئيسي حتى يمكنها حماية المضيق.
الفوائد الاقتصادية لبناء الجسر
الغرض المزعوم لبناء هذا الجسر الاقتصادي هو تحفيز التجارة وتغذية نمو الوظائف، وقد قال رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري في تصريحات يوم 12 أبريل في القاهرة إن المملكة العربية السعودية ترغب في خلق 320 ألف وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة، مع التركيز على منطقة شمال سيناء، في خطاب ألقاه أمام البرلمان المصري عدد خلاله الفوائد من خلق الجسر، فقد دعا الملك سلمان لإنشاء منطقة للتجارة الحرة في الإقليم.
وقد كان تسهيل تسليم البضائع المصرية إلى المملكة العربية السعودية دائمًا جزءًا من خطة الجسر، ولكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكن للمشروع أن يسهم في زيادة تدفقها، مجرد وصول البضائع إلى الجسر يعني أن عليها أن تقطع رحلة طويلة نسبيًا على الطرق السيئة خلال التضاريس الصحراوية الجبلية، يمكن للمسلحين في سيناء أيضًا أن يستهدفوا بعض هذه القوافل مما يقلل من فوائد الممر تجاريًا.
الفائدة المحملة مع ذلك سوف تكون في ذلك العدد المتزايد من الحجاج الذين سيسافرون برًا من مصر إلى المملكة العربية السعودية، حيث ينقل معظم الحجاج جوًا إلى الآن، ولكن البعض قد يختار الطريق البري على الرغم من أن التوفير النقدي قد يكون ضئيلاً للغاية.
السيسي يدفع الثمن
استعداد مصر لتحمل التكلفة لسياسية للتنازل عن السيطرة على الجزر لجارتها يبين إلى أي مدى نجحت السعودية في سحب مصر إلى تكتلها من الدول السنية، في مصر، ركز النقاد على ما وصفوه بأنه استسلام السيسي لراعيه الأكثر ثراءً وتفريطه في الأراضي المصرية.
يقول البعض إن التخلي عن الجزر هو خرق للدستور المصري الذي يحظر بيع الأراضي العامة، وهو ما أثار موجة من الاحتجاجات في القاهرة، وهناك دعوى لإبطال الاتفاق سوف يتم النظر فيها في المحكمة الإدارية في 17 مايو.
تأتي تلك الاحتجاجات، والدعوى القضائية وانتقادات وسائل الإعلام في وقت يواجه فيه السيسي خسارة شعبية واسعة، في مصر وفقًا لمصادر ستراتفور، نصح المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، السيسي، بالامتناع عن نقل هذه الجزر، حيث قال إن هذه الخطوة يمكن أن تضر الكبرياء الوطني وأن تحبط الجماهير.
توقيت الاتفاق، بالتزامن مع الإعلان عن استثمارات سعودية كبيرة في مصر، قد أدى إلى النظر إليه على أنه أشبه بعملية بيع.
وقد أشار المدافعون عن الاتفاق إلى العملية لم تتضمن بيعًا للجزر وأن الجزر كانت تعتبر أرضًا سعوديًا منذ ما قبل عام 1950، المصاعب الاقتصادية الحالية التي تواجهها مصر يجعلها أكثر اعتمادًا على ما يجود به رعاتها من البقاء وتعطيها خيارات أقل مقارنة بإذا ما كانت أكثر ثراء وتتمتع بالاكتفاء الذاتي.
خطة الجسر الحالية يمكنها أن تنضم إلى سابقاتها حتى مع افتراض أفضل النوايا، المالية في المملكة العربية السعودية، بعد كل شيء، ليست كما كانت عليه والفوائد الاقتصادية التي ستجنيها من هذا الجسر تبدو بعيدة المنال في أفضل الأحوال، ولكن التكلفة السياسية للحكومة المصرية عن قرارها بشأن الجزر سيستمر في مطاردتها خلال الأشهر المقبلة في الوقت الذي يرى فيه المصريون أن حكومتهم قد ارتكبت خيانة في حق السيادة الوطنية.
المصدر: ستراتفور / ترجمة: الخليج الجديد