بعد قيامها بنشر تفاصيل نسخة مسربة من “الكتاب الأسود” الذي أعدته رئاسة الجمهورية التونسية حول ماكينة الدعاية الخاصة ببن علي المعروفة باسم “الوكالة التونسية للاتصال الخارجي”، والإعلاميين والمثقفين المتورطين معها في الترويج لبن علي وتبييض صورته داخل تونس وخارجها، نجحت قناة المتوسط في تسليط الأضواء، من جديد، على شخصيات إعلامية كثيرة كان تونسيون يعلمون أنهم عملوا لسنوات مع بن علي، قبل أن يخدعهم خطابهم الثوري الجديد، من أمثال سفيان بن فرحات وسفيان بن حميدة والصغير اولاد أحمد والياس الغربي وكذلك نور الدين بوطار مدير إذاعة موزاييك اف ام.
وجاءت كبرى مفاجآت الكتاب حول “المفكرة” التونسية، ألفة يوسف، التي أكد الكتاب أنها كلفت من قبل الرئيس بن علي بالمشاركة في ثلاث مؤتمرات دولية في جنيف ولاهاي والقاهرة، حيث يقول الكتاب بأن ألفة يوسف كانت قبل كل مرة تخضع لدورة تدريبية لدى وكالة الاتصال الخارجي التونسية حتى يتم “تلقينها على كيفية الدفاع على بن علي”، وكذلك على كيفية مواجهة تدخلات المعارضين لبن علي في هذه المؤتمرات.
ويضم الكتاب قائمة طويلة بأسماء عشرات الصحفيين الذين عملوا بصفة مباشرة وغير مباشرة مع بن علي بمقابل مادي شهري لمن يكتبون تقارير أسبوعية تصل مباشرة إلى بن علي حول الأوضاع في تونس أو عبر تحرير و”تأليف” تقارير حول مكافحة الإرهاب كان النظام السابق يستخدمها للترويج لدوره في مكافحة الإرهاب لدى المجتمع الدولي، في حين كان صحفيون آخرون يكتبون مقالات تمجيد لبن علي للصحافة التونسية والغربية مقابل الحصول على امتيازات وهبات كانت غالبا تتمثل في تمليكهم لقطع أراضي في المناطق الراقية بأثمان زهيدة.
في سنة 2009 مثلا، تقدر المبالغ التي أنفقتها الوكالة على الصحفيين المتعاونين معها، بأكثر من نصف مليار دولار، كانت توزع عليهم حسب عدد المقالات وحسب الموضوع الذي يكتبون عنه والجهة الناشرة لمقالاتهم، حيث تتضاعف الهبات التي يحصلون عليها إذا ما نشر المقال على صحف أوروبية أو إذا تعلق الأمر بترجمة المقالات المدافعة عن بن علي إلى لغات أجنبية، وتظهر هذه القائمة الأجور التي حصل عليها بعض الصحفيين من عند الوكالة في سنة 2009:
وضع بن علي لملاحظاته على المقالات التي تنشر في الصحافة التونسية، ووضعه لعلامة “+” أمام المقالات التي يجب مكافئة كاتبها ماليا:
ومن بين مفاجآت الكتاب، تعاون الصحفي سفيان الأسود مع الوكالة، وكتابته لتقارير سرية تصل مباشرة إلى رئيس الجمهورية، ونقله لأسرار اجتماعات الاتحاد العام التونسي للشغل، بالإضافة إلى قبوله إلى أن يتم نشر مقالات صادرة عن الوكالة تحت اسمه، مع العلم بأن سفيان الأسود يعتبر الآن من أكثر الصحفيين دفاعا عن الاتحاد العام التونسي للشغل.
وإن كان تعاون الفضائيات التونسية مع الوكالة أمرا طبيعيا وغير جالب للاهتمام بالنسبة للتونسيين خاصة، فإن اللافت للانتباه في قائمة الفضائيات التي روجت لبن علي هو وجود فضائيات دولية مثل بي بي سي البريطانية وكذلك أل بي سي اللبنانية، والذين قاموا في سنة 2006 وبمناسبة كأس العالم لكرة القدم، بنشر ومضات إعلانية أنتجتها الوكالة تحت عنوان “تونس ترفع تحديات المستقبل” وهو الشعار المشابه للشعار الذي استخدمه بن علي في آخر حملة انتخابية قبل الإطاحة به.
يتساءل أحدهم قائلا: “إذا كانوا كلهم يكذبون المعلومات التي وردت في الكتاب الأسود، لماذا لم يعلن أحد عن مقاضاته لرئاسة الجمهورية، لمطالبتها إما بالدلائل المادية وإما بالاعتذار والتعويض على الضرر المعنوي الذي لحقهم؟”، مع العلم بأن الكتاب لم ينشر رسميا بعد، ولم تعلن رئاسة الجمهورية عن موقفها منه، في حين أكدت مصادر خاصة لنون بوست، أن رئاسة الجمهورية أصدرت 300 نسخة من الكتاب حتى تتم مناقشته مع عدد من الشخصيات قبل الحسم في مسألة نشره من عدمه.
وحسب وكالة الأناضول، يشير الكتاب في مقدّمته إلى أن جزء من أرشيف رئاسة الجمهورية تعرض للاعتداء بعد ثورة 14 يناير / كانون الثاني 2011 مباشرة وقبل وصول الرئيس السابق المنصف المرزوقي إلى قصر الرئاسة بعد انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، دون أن يحدد الجهة المسؤولة عن هذا الاعتداء.