لا يتم ذكر التبرع بالأعضاء إلا وتتجه دفة الحديث إلى موضوعين، الأول هو تجارة البشر من أجل سرقة الأعضاء بالإجبار، أو ممانعة الدين لفكرة التبرع بالأعضاء، ليس هذا وفقط، بل يتم التشويش على المبدأ بحقائق وهمية عن التبرع بالأعضاء تجعل من لديهم رغبة في التبرع بأعضائهم سواء وهم على قيد الحياة أو بعد الممات يعزفون عن تلك الفكرة، ليصبح الطلب على الأعضاء أقل بكثير من العرض، ولتزيد أسماء المرضى على قوائم الانتظار لأسابيع بدون وجود مُتبرع.
كيف يفكر العامة في التبرع بالأعضاء؟
لا يمكنني التبرع بأعضائي لأنني أؤمن بالحياة مرة أخرى في الآخرة ولا يجب علي تشويه جسدي من أجل إنقاذ حياة أخرى، أو بأن الله هو خالق تلك الأعضاء وهو من يشيفيها وليس البشر، أو أن المتبرع يخشى فقدان حياته جراء العملية إذا ما قرر التبرع بأحد أعضائه وهو على قيد الحياة، أو الخوف من إهانة الجسد وعدم احترامه إذا ما قرر المتبرع التبرع بعد وفاته، أو ببساطة يشكل الخوف من التبرع إعاقة أمام الكثير من المتبرعين، وكذلك المعلومات المغلوطة التي يتم استخدامها في الترويج عن التبرع بالأعضاء والتي منها:
1– يتم التبرع بالأعضاء بعد سن الثامنة عشر
هذه إحدى المعلومات المغلوطة المنتشرة عند الحديث عن التبرع بالأعضاء، فالتبرع يتم في أي عمر، إذا ما توافقت الشروط الصحية وتوفرت ظروف التبرع الطبية، كما أن الحالة الصحية لأعضاء المتبرع إن كان ميتًا تحدد ما إن كان أهلًا للتبرع أم لا.
2– على المتبرع أن يدفع جزءًا من التكلفة
في أغلب المراكز الطبية التي تقوم بعمليات زرع ونقل الأعضاء لا تطلب أي تدخل مادي من قِبل المتبرع أو عائلته، حيث تتم العملية للمتبرع والمريض في ظروف صحية متكافئة.
3– الدين ضد عمليات التبرع بالأعضاء
دعنا نلقي نظرة سريعة على رأي الدين في عملية التبرع بالأعضاء:
يرى الكثير من علماء المسلمين أن التبرع بالأعضاء هو باب من أبواب إحياء النفس، ولا يعتقدون أن الإسلام يحرمه، بل يراه وسيلة من وسائل البر والتراحم، إلا أنه يحرمه إذا استخدمه الإنسان كوسيلة للانتحار مثل التبرع بعضو رئيسي في حياة المتبرع، كالقلب على سبيل المثال، أو لا يحبذه الإسلام إذا تم التبرع بما يساعد الإنسان على كسب رزقه، مثل الأنسجة الرئيسية في اليدين أو الرجلين، أو العظام.
إذا ما ثبت عدم تضرر المتبرع من تبرعه بأحد أعضائه، من حيث عدم تأثير التبرع على تشويه خلقته أو التأثير على حياته العملية، ونفعه للمتبرع إليه، فيحبذ الإسلام ذلك بل ويستحسنه.
بالنسبة للتبرع في حالة الموت، ثبت في الشريعة الإسلامية أن مصالح الأحياء مقدمة على مصلحة المحافظة على حرمة الأموات، ولذا فيجوز التبرع بالأعضاء بعد الموت من باب تفريج الكرب.
هناك آراء لعلماء آخرين تفيد بأن المسلم ليس حرًا في جسده، بل هناك ضوابط لذلك، وضعها الله المالك الحقيقي للجسد، لذا يعارض البعض التبرع بالأعضاء ورفض ترك الأمر برمته لقرار شخصي يتحمل الفرد نتائجه، واعتبره بعض العلماء بأنه نوع من أنواع المُثلة “التمثيل بالجسد”، كما أنه في حالة التبرع والمتبرع على قيد الحياة، فذلك قد يُعرضه للمرض والهلاك بعد عملية التبرع، وهو يعد إيذاءً مُتعمّدًا للجسد من قِبل الفرد
البوذية: تحترم البوذية اختيار الفرد للتبرع بأعضائه ولا تراه فعلًا مُحرمًا في البوذية.
الأورثوذكس: التبرع بالأعضاء مقبول عند الأرثوذكس، كما يعتبر وسيلة من وسائل التراحم والمسامحة، ويعتبره الأرثوذكس مفتاح لحياة أفضل بين البشرية.
الهندوسية: لا تعتبر الهندوسية التبرع بالأعضاء ممنوع من قبل القانون الديني، ولكنه يعتبره قرار شخصي يتحمل الفرد أعباءه.
اليهودية: تعتبره عمل مقبول بشرط ألا يتم إهانة جسد المتبرع.
لا يتم تغيير المعلومات المغلوطة السابقة عند الناس إلا بإقناعهم بعملية التبرع بالأعضاء عن طريق ما يسمى بالـ ” Community Leaders” وهم من رجال الدين سواء كانوا قساوسة أم شيوخ، أو من كل شخص موثوق برأيه في المجتمع، حيث إن التبرع بالأعضاء هو أمر مستحدث على المجتمع وكذلك على الطب، لذا الخوف هو العقبة الأولى أمام المتبرعين، لعدم معرفتهم الجيدة بعملية التبرع وجهلهم بنتائجها الصحية والدينية.
يمكن التبرع بالكلية، الكبد، القلب، العين، القرنية، الجلد، وكذلك البنكرياس، ولكن على الرغم من أن الأمر لا يتطلب سوى توقيع واحد من قِبل المتبرع نفسه أو من قِبل أهله في حالات الوفاة لنقل العضو إلى المريض، إلا أن هناك ما يقرب من حوالي 120.000 مريض سنويًا في قائمة الانتظار، يموت منهم 20 مريضًا يوميًا بسبب عدم توفر متبرع.
نسبة المتبرعين بالأعضاء في الدول الغربية2012
خريطة من الصحيفة الألمانية ” دير شبيجل” عن البلاد المتبرعة بالكلية والبلاد المستقبل.
تجارة الأعضاء
كان المصطلح يستخدم من قبل من وجهة نظر تجارية، وكان غير قانونيًا في الكثير من البلاد منها إيران، إلى أن تم تعديله إلى “التبرع بالأعضاء” بدلًا من تجارة الأعضاء، وأول من استخدم مصطلح التبرع بالأعضاء كانت أستراليا وسنغافورة، الأمر هنا ليس إشكالية المصطلحات، بل في إشكالية هل تقنين تجارة الأعضاء حل أمام وقف تجارة الأعضاء غير القانوني في السوق السوداء، ومواجهة النقص الحاد في الأعضاء اللازمة لإنقاذ حياة الآلاف.
إيران هي الدولة الوحيدة الآن التي قننت بيع وشراء الأعضاء، ولكن لا يُطبق هذا القانون على الأجانب، فغير مسموح لأجنبي شراء أعضاء مواطنين إيرانيين، ولكن هذا لا يسير على بقية البلدان، فشراء وبيع الأعضاء ممنوع بالقانون في الولايات المتحدة، ولكن منذ عام 2004 فالولايات المتحدة تتجه إلى تقنين بعض عمليات التبرع ومنح هدايا مالية أو مادية للمتبرعين.
في إيران حيث البيع والشراء قانوني: تبلغ قيمة الكلية على سبيل المثال ما بين 2000 -4000 دولار في السوق السوداء، بينما يرتفع السعرالأصلي إلى 160.000 دولار.
حاولت الصين من قبل تقنين عملية التبرع بالأعضاء، حتى توصلت إلى تقنين استخدام أنسجة من تم إعدامهم في السجن في عمليات التبرع بالأعضاء.
استطاعت الهند تقنين عملية تجارة الأعضاء، حيث تعتبر من أكثر الأسواق الغنية بالأعضاء بالإضافة إلى انخفاض التكلفة، كما تحتوي على أكبر مركز لزراعة الكلية.
أتاحت الفلبين تجارة الأعضاء عام 2008، كما كانت وجهة مشهورة للسياحة العلاجية من أجل زراعة الأعضاء، وبلغت فيمة الكلية فيها 25.000 دولار حين ذاك، قبل أن تمنع الحكومة تجارة الأعضاء نهائيًا.
طبقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الفائدة المالية من تجارة الأعضاء تبلغ 1.2 بليون دولار سنويًا، ومن ثم، نشأت تجارة الأعضاء غير القانونية، أو في سياق آخر السوق السوداء، الذي نشأ منه تجارة البشر كذلك، من أجل سرقة الأعضاء وبيعها فيه من أجل الربح المادي.