لن تنسحب إسرائيل أبدًا من كافة الأراضي التي احتلتها من سوريا أثناء حرب الأيام الستة عام 1967، هذا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالأمس، أثناء انعقاد اجتماع لمجلس الوزراء لأول مرة في هضبة الجولان، والتي احتلتها إسرائيل عام 1967، وقررت تطبيق كافة التشريعات الإسرائيلية عليها عام 1981، وإن ظلت تعتبرها قابلة للتفاوض في إطار اتفاق سلام مع سوريا حتى عام 2010.
تبدلت الحسابات بطبيعة الحال مع تهاوي نظام الأسد عن موقعه السابق كحاكم سوريا المُطلق وواحد من القوى العسكرية المهمة في المشرق بتحالفه مع إيران، فالنظام قد فقد سيطرته على أكثر من نصف الأراضي السورية، كما أن قوته العسكرية المستنزفة تمامًا موجهة الآن لأعدائه في الداخل من مقاتلي الثورة والنصرة وداعش وغيرها، بشكل يعطي إسرائيل فرصة تاريخية واضحة لترسيخ “إسرائيلية” الجولان.
“لقد قررت عقد هذا الاجتماع الخاص للحكومة في هضبة الجولان لأرسل رسالة واضحة، وهي أن الجولان سيظل في أيدي إسرائيل للأبد،” هكذا قال نتنياهو، متحدثًا بصراحة عن سكان الهضبة الإسرائيليين، والذين قال أنهم يبلغون خمسين ألفًا، وأنهم في انتظار المزيد من العائلات المتجهة للجولان في إطار جهود الاستيطان الماضية على قدم وساق تحت حكم نتنياهو وحكومته المؤيدة بقوة لسياسات الاستيطان بشكل عام، “كثير من البلدان تقُر بحكمنا للجولان، وبالنظر للتوترات الحاصلة الآن، فإن إسرائيل تصبح مصدرًا للاستقرار، وبالتالي جزءًا من الحل لا المشكلة، وحاجزًا قويًا بوجه قوى التطرف الإسلامي التي تريد الهيمنة على سوريا.”
نتنياهو في اجتماعه مع حكومته بالجولان
التطرف الإسلامي هي الكلمة التي استخدمها نتنياهو بشكل عام هنا، ولعله بالطبع يقصد بها جزئيًا أطراف مثل داعش والنُصرة، ولكن العالمين بخبايا صنع القرار الإسرائيلي يعلمون أن جزءًا من اتجاه إسرائيل لترسيخ الاحتفاظ بالجولان هو الحفاظ على تمركز عسكري قوي بالهضبة لمواجهة نفوذ إيران المتزايد عبر نظام الأسد المتمركز بجنوب سوريا، والذي يعتمد الآن على ميليشيات إيرانية بشكل واضح، بالإضافة لحزب الله والذي تعززت خبراته العسكرية وترسانته بخوضه الحرب السورية، وتمددت قواته لجنوب سوريا بشكل جعله قريبًا من الجولان ومصدر قلق لإسرائيل، وهو ما يضع الجولان كجزء من المعادلة الآن في الصراع مع حزب الله.
“لقد تحدثت مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وقلت له أنني أشك تمامًا بعودة سوريا كما كانت، فهناك أقليات كثيرة تصارع من أجل حصولها على الأمن فقط كالمسيحيين والأكراد والدروز.. ولذا فقد حان الوقت ليعترف المجتمع الدولي بحقيقتين، أولهما أن الحدود لن تتغير، وثانيهما أن الجولان ستظل تحت سيادة إسرائيل للأبد بعد خمسين عامًا من خضوعها لإسرائيل.”
هو واقع قديم ربما ذلك الذي قرر نتنياهو أن يؤكد عليه في إعلانه بالأمس، وقد فرضته حسابات القوة المائلة بوضوح لصالح إسرائيل، والتي ما كانت لتقبل على أي حال في أي اتفاق سلام قبل 2011 بأكثر من سحب مواطنيها من الجولان، وعودة الأراضي بشكل رسمي لسوريا، مع الاحتفاظ بخلوها تمامًا من السلاح، لا سيما مع ارتفاعها وتشكيلها الواضح لخطر على العُمق الإسرائيلي، وكذلك متاخمتها لبحيرة طبرية من الجهة الشرقية، والتي تُطل عليه بقية الأراضي الإسرائيلية من الغرب، وهي مصدر إسرائيل الرئيسي للماء العذب، أما وقد فاتت فرصة السلام السوري، وتفككت سوريا تمامًا، فإن إسرائيل تريد الأرض كلها، لتصبح البحيرة بذلك بحيرة إسرائيلية خالصة، مع تمتعها بحرية حركة عسكرية تستطيع منها التأثير على الوضع في سوريا حال صدر تهديد منها، فالعاصمة دمشق وهي معقل النظام تقع على بعد 60 كيلومترًا من الهضبة، ويمكن رؤيتها من هناك.
الذهب الأسود في الجولان
في هذا الاجتماع الخاص، والذي وافق للمفارقة عيد الجلاء السوري، عرض نتنياهو مختلف الأنشطة الإسرائيلية الجارية في الجولان، من سياحة وزراعة ومشاريع اقتصادية، ولكن لم يذكر ربما السبب الاقتصادي الأبرز لاهتمام إسرائيل بالجولان في السنوات الأخيرة، وهو عمليات التنقيب عن النفط الجارية فيها، والتي قد تضيف إلى ثروة إسرائيل من الغاز الموجود في شرق المتوسط، لتعزز من وضعها كلاعب مهم في مجال الطاقة بالمنطقة.
التنقيب الإسرائيلي عن النفط في الجولان
في نوفمبر الماضي، نشرت مجلة الإيكونوميست مقالًا بعنوان “ذهب أسود تحت الجولان” تحدثت فيه عن أنشطة التنقيب عن النفط الجارية من جانب شركات إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، والتي يُعتقَد الآن وجود ثروة نفطية فيها قد يصل الاحتياطي بها لمليارات من براميل النفط، كما صرح يوفال بارتوف الجيولوجي الرئيسي لشركة جيني أويل الأمريكية، والناشطة في هضبة الجولان، والتي يملكها يهودي أمريكي ويدير عملياتها في إسرائيل مستوطن إسرائيل في الجولان، ويضم مجلس إدارتها نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني وعملاق الإعلام روبرت مردوخ.
“لقد وجدنا طبقة نفط يبلغ سُمكها 350 مترًا في جنوب الجولان، وهو ما يشي بكميات كبيرة لأن متوسط سُمك طبقات النفط عالميًا هو 20 أو 30 مترًا، مما يعني أن اكتشافنا يبلغ عشر أضعاف المتوسط العالمي،” هكذا صرح بارتوف، والذي تتمتع شركته الآن بسيطرة إسرائيلية فعلية، ولكنها ستضطر لمواجهة نشطاء العرب الموجودين بالجولان والمعارضين لتلك النشاطات، علاوة على بعض المعارضين الإسرائيليين من أنصار البيئة، والذين يخشون تدمير الطبيعة الجميلة للهضبة، والذين نجحوا سابقًا في الحقيقة في وقف مشروع لإنتاج نفط شيل في إحدى المناطق بإسرائيل.
حتى الآن لا توجد تقديرات واضحة لكمية النفط التي يمكن استخراجها سنويًا من الجولان من جانب الشركات الناشطة في مجال التنقيب منذ أشهر الآن، غير أن احتمالية وجود النفط مع وقوع ثلث مصادر الماء الإسرائيلي في الجولان وأهميتها العسكرية لمراقبة الوضع السوري عن كثب وخلق حاجز يبعد حروب المشرق عن العُمق الإسرائيلي، علاوة على التدخل بالفعل لضرب حلفاء إيران بجنوب سوريا حال اشتعلت الحرب من جديد مع حزب الله الممتدة قواته بين لبنان وسوريا، تشير كلها إلى أهمية الجولان الإستراتيجية والاقتصادية أكثر من أي وقت مضى.
الجولان المُحتل وموقعه بين دولة إسرائيل وبقية سوريا، مع المنطقة الرمادية الفاصلة بين الطرفين، التي تخضع لرقابة الأمم المتحدة
كل ذلك يُضاف بالطبع للأهمية الكلاسيكية المعروفة لأي منطقة تحتلها إسرائيل: خلق متنفس جديد للمستوطنين واليهود المُستجلبين من الخارج ليعيشوا في إسرائيل، وهو ما يفسر النشاط الجاري الآن بالفعل، فـالسلطات الإسرائيلية تستثمر بوضوح في المنطقة بتشجيع السياحة الداخلية أولًا، مما يخلق ترابطًا بين بقية الإسرائيلين والهضبة المليئة بالمناطق الطبيعية الفريدة وربما يدفع من يستطيع منهم إلى تملك الأراضي والمنازل فيها، وثانيًا عبر المستوطنات بطبيعة الحال لخلق شريحة سكانية إسرائيلية دائمة في الجولان، وثالثًا باستغلال إمكانيات الجولان الزراعية عبر خطة لتأسيس 750 منطقة زراعية باستثمار يبلغ 100 مليون دولار، وتعزيز البنية التحتية وإزالة كافة الألغام بالهضبة على مدار السنوات الأربع القادمة، وأخيرًا عبر بناء الحدائق والمتاحف والمراكز الدينية.
كل تلك الأنشطة ترصدها المجموعات الحقوقية العربية والسورية بالجولان، والتي ترفع تقاريرها لكافة منظمات حقوق الإنسان المعنية، وكذلك للمؤسسات الدولية المفترض أنها لا تعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، وهي جهود لا تتعدى كما نعلم الرصد والشجب وربما التظاهر ليس أكثر، خاصة في منطقة تشهد انهيارًا للمنظومة الإقليمية بالكامل، وتخضع تمامًا لحسابات القوة العسكرية الصرفة بينما يُعاد تشكيلها، وهي مرحلة تنظر إسرائيل هي الأخرى إلى فرض واقعها العسكري في أثنائها، لتخرج بحدود دولية جديدة تضم الجولان “للأبد” كما قال نتنياهو.