أشارت صحيفة الجارديان في تقرير نشرته اليوم إلى تعرّض الرئيسة البرازيلية، ديلما روسيف، لهزيمة ساحقة يوم الأحد بعد تصويت مجلس النواب بالأغلبية لعزلها ومساءلتها؛ ففي جلسة صاخبة لمجلس النواب ترأسها عدو روسيف اللدود، رئيس مجلس النواب إدواردو كونها، انتهى التصويت في وقت متأخر من مساء الأحد بتصويت 367 نائبًا من أصل 513 نائبًا لصالح عزل روسيف، وهو مجموع يفوق بشكل مريح أغلبية الثلثين، البالغة 342 صوتًا، والمطلوبة لعرض القضية على مجلس الشيوخ.
من جهته، اعترف رئيس كتلة حزب العمال البرازيلي الحاكم في مجلس النواب، جوزيه غيمارايس، والذي توعد سابقًا بالمحاربة ضمن البرلمان لتبرئة روسيف، بالهزيمة التي تلقاها الحزب، موضحًا بأن الحزب سيستمر بحربه التي انتقلت الآن إلى المحاكم والشوارع ومجلس الشيوخ.بمجرد صدور الصوت الحاسم رقم 342، اندلعت الهتافات العاطفية لتملأ قبة البرلمان بالشعارات المناهضة للحكومة، وغرق المعارضون وهم يهتفون بحماس “انقلاب، انقلاب، انقلاب”، وفي خضم هذا المشهد الصاخب كان الشخص الأكثر صمتًا تحت القبة هو مهندس هذه الحركة السياسية، كونها.
جانب من هتافات المعارضين بعد ضمان قرار المساءلة في البرلمان البرازيلي
فساد يصوّت ضد فساد
شهدت عملية التصويت، التي راقبها عشرات الملايين في منازلهم وفي الشوارع، استحصال المعارضة على أغلبية آمنة ومريحة للإطاحة برئيسة الدولة المنتخبة بعد مرور أقل من نصف ولايتها، حيث امتنع سبعة نواب عن التصويت، وتغيّب نائبان آخران عن حضور الجلسة، وصوّت 137 نائبًا بمعارضتهم لهذه الخطوة.
تمت دعوة النواب واحدًا تلو الآخر إلى الميكروفون للإدلاء بتصويتهم، من قِبل محرّض عملية العزل، كونها، وهو محافظ إنجيلي متهم بشهادة الزور والفساد، حيث صوّت باولو معلوف، المدرج على قائمة الإنتربول الحمراء للمؤامرة، بنعم، وبنعم أيضًا صوّت نيلتون كابيكسيبا، المتهم بغسل الأموال، وسيلاس كامارا، الذي يخضع للتحقيق بتهمة تزوير وثائق واختلاس الأموال العامة، وبالمجمل، صوتت بنعم الغالبية العظمى من أكثر من 150 نائبًا المتورطين في جرائم مختلفة والمحميين من المساءلة باعتبارهم أعضاء بالبرلمان.
اعترف رئيس كتلة حزب العمال البرازيلي الحاكم في مجلس النواب بالهزيمة، وتوعد بنقل المعركة إلى المحاكم والشوارع ومجلس الشيوخ
تشير الغارديان في تقريرها بأن الجلسة النيابية ذاتها تبيّن الجانب الهزلي من الديمقراطية البرازيلية؛ فمثلًا، حزب المرأة في البرازيل لا يمثله في البرلمان سوى النواب الذكور، كما يعد الحزب التقدمي الاشتراكي أحد أكثر الجماعات اليمينية في الكونجرس البرازيلي.
وعلى صعيد متصل، أشار رئيس مكتب روسيف، جاك واغنر، بأن حكومة روسيف واثقة بأن مجلس الشيوخ سيرفض قرار العزل، مصرًا على أن التصويت في مجلس النواب كان نكسة للديمقراطية، ومؤامرة حيكت لروسيف من قِبل معارضيها الذين لم يتقبلوا إعادة انتخابها في عام 2014.
من القمة إلى الحضيض
فرص روسيف بالنجاة من هذا الموقف تبدو ضئيلة للغاية، حيث انقلبت البلاد ضد أول رئيسة للبلاد بشكل كبير، بعد أن كانت أحد أكثر الزعماء شعبية في العالم بنسبة تأييد تصل إلى 92%، ولكن شعبية روسف تضاءلت نتيجة للركود الاقتصادي، الاضطراب السياسي، وفضيحة فساد لافا جاتو في شركة بتروبراس، التي تورطت بها جميع الأحزاب الرئيسية في البلاد تقريبًا.
شهدت تداعيات قضية لافا جاتو إلقاء القبض على عدد من كبار المسؤولين في حزب العمال لتورطهم بالفضيحة، حيث يخضع الرئيس السابق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، للتحقيقات فيما يتعلق بدوره في القضية، ويشير النقاد، بأن روسيف، وباعتبارها وزيرة الطاقة السابقة وقائدة حزبها، كان ينبغي لها أن تعلم بهذه الفضيحة، ولكن مع ذلك لم يتم توجيه أي اتهام لها حتى الآن.
تم التصويت على قرار إقالة روسيف في برلمان يُتهم حوالي ثلث أعضاؤه بارتكاب الجرائم أو يخضعون فعلًا لتحقيقات جارية بها
تشير استطلاعات الرأي الأخيرة بأن 10٪ فقط من الجمهور يعتقدون بأن الرئيسة تؤدي عملًا جيدًا في منصبها، و 60% يؤيدون إقالتها من الحكم.
ولكن العديد من الأشخاص يشككون في أسس مساءلة الرئيسة المتهمة بفتح حسابات وهمية للحكومة ونقل الأموال بشكل مؤقت من بنوك الدولة قبيل الانتخابات الماضية، حيث يقول أنصارها بأن هذه المخالفة البسيطة والشائعة يتم استغلالها كذريعة للانقلاب بغية الاستيلاء على السلطة من قِبل الطبقة السياسية التي تشتهر بجرائمها الأكثر خطورة؛ فحوالي ثلث نواب مجلس النواب إما قيد التحقيق أو متهمين بارتكاب الجرائم.
الانقسام الشعبي
بثت قنوات التلفزيون البرازيلية يوم الأحد مشاهدًا لفيضان الشوارع بالمتظاهرين المؤيدين لقرار عزل ومساءلة روسيف، حيث ظهر الكثيرون منهم وهم يرقصون محتفلين وملتحفين براية العلم الوطني البرازيلي، ومع كل تصويت في مجلس النواب، كان الحشد يهلل ويطلق صيحات الاستهجان كما لو كانوا يشجعون في مباراة لكرة القدم.
الحشود التي ركبت الشوراع لإظهار دعمها أو معارضتها لروسيف، هم أكثر أهلية من ممثليهم المنتخبين الذين اتخذوا قرارًا بعزلها، حيث خرج مئات الآلاف إلى الشوارع في أكثر من عشر مدن برازيلية، الغالبية العظمى منهم معارضون للحكومة، واضطرت الشرطة خارج مبنى الكونجرس في برازيليا، إلى تفرقة الجانبين بحاجز فولاذي.
في الجانب المناهض للحكومة، كان الجمهور مبتهجًا لاحتمالات التغيير، حيث تقول المدرّسة البرازيلية راكيل روساس، لصحيفة الغارديان: “ديلما سرقت الشعب بالفساد والتضخم، يجب علينا أن نتخلص منها، ولكن التخلص منها يجب أن يكون البداية فقط، فعلينا التخلص أيضًا من تامر وكونها”.
على الجانب الآخر من الحاجز، كان الحشد أصغر حجمًا وأقل ابتهاجًا، حيث حمل البعض لافتات تقول “دافعوا عن الديمقراطية” و”احتراموا تصويتي”، في إشارة إلى عشرات الملايين من الأصوات التي صوتت لصالح روسيف في الانتخابات الأخيرة، والتي يهدد قرار مجلس النواب بإبطالها.
الحشود التي ركبت الشوراع لإظهار دعمها أو معارضتها لروسيف، هم أكثر أهلية من ممثليهم المنتخبين الذين اتخذوا قرارًا بعزلها
وفي هذا السياق، أشار فابيو مورا، محام من ساو باولو، لصحيفة الغارديان بشعوره بالاشمئزاز من المعارضة لأن العديد منهم متورطون بتحقيقات لافا جاتو، موضحًا بأن المعارضة تحاول إقالة ديلما لتتمكن من إيقاف التحقيق، وأردف قائلًا: “خسارتنا اليوم ليست كارثة، لأنها ستضطر المعارضة لإجراء تخفيضات لا تتمتع بشعبية على الإنفاق، وهذا النهج سيساعدنا في الانتخابات المقبلة، ولكن بجميع الأحوال يبدو هذا اليوم سيئًا على الديمقراطية”.
المتظاهرون المؤيدون للحكومة أثناء مشاهدتهم لعملية التصويت في مجلس النواب.
ماذا بعد؟
هل يمكن لنا أن نقول بأن تصويّت مجلس النواب البرازيلي لصالح وضع اقتراح عزل ومساءلة روسيف أمام مجلس الشيوخ قد أنهى المعركة؟ لا يبدو الأمر كذلك، فالطريق ما زال مليئًا بالعقابات، التي توضحها الغارديان في تقرير آخر نشرته عن ذات الموضوع.
بحلول منتصف مايو، يجب على مجلس الشيوخ أن يقرر ما إذا كان سيقبل اقتراح مساءلة روسيف خلال عشر جلسات، وفي حال موافقة الأغلبية المطلقة، 41 من أصل 81 عضوًا في مجلس الشيوخ، وهو ما سيحصل على الأرجح، يجب على روسيف أن تتنحى لمدة 180 يومًا ريثما يتم التحقيق في الاتهامات الموجهة لها ضمن لجنة مجلس الشيوخ، وخلال هذا الوقت، ستبقى روسيف في مقر الرئاسة، ولكن نائبها، ميشال تامر، سيتولى شؤون السلطة لفترة مؤقتة.
في غضون 180 يومًا، سيجتمع مجلس الشيوخ بكامل هيئته، ويترأسه رئيس المحكمة العليا، للحكم في قضية روسيف، وفي حال توافق الثلثين على إدانتها، وهو أمر غير مؤكد، ستطرد من منصبها، وسيحل تامر محلها كرئيس حتى الانتخابات القادمة في عام 2018.
أوراق رابحة
يمكن أن تخضع العملية، في أي مرحلة من مراحلها، للطعن أمام المحكمة العليا، رغم أن هذه الهيئة القضائية لم تظهر حتى الآن ميلًا كبيرًا لحماية روسيف.
في ذات الوقت، قد تجري أيضًا عملية تصويت لعزل ومساءلة تامر، ولكن من غير المرجح أن ينجح هذا المسعى، نظرًا للدعم القوي الذي يتمتع به الأخير في مجلس النواب، ولكن إن حصل، فسيصبح كونها رئيسًا للبلاد.
يدعو بعض السياسيين أيضًا لإجراء انتخابات مبكرة في حال تصديق التهم بحق روسيف، ولكن اللجوء إلى ذلك يتطلب سن تشريعات جديدة، وربما إعادة النظر في الدستور، وهي أمور إشكالية يستبعد أن تتم.
أخيرًا، وعلى اعتبار أن المحكمة الانتخابية لا زالت تحقق في الانتهاكات المزعومة المرتكبة في تمويل الحملات الانتخابية في انتخابات 2014، وفي حال وصولها لأدلة على ارتكاب مخالفات، يمكن للمحكمة إبطال نتيجة انتخابات عام 2014، وهو ما يعني تجريد كل من روسيف وتامر من منصبهما، والدعوة لإجراء انتخابات جديدة.