أطباق ساخنة من الشعرية الغارقة في الحساء، مع قطع صغيرة من البصل الأخضر، وحبات الذرة الصفراء المبهجة.
في اليابان.. من لا يحب “الرامن”!
يعود أصل ابتكار “الرامن” إلى الصين، لكنه انتقل إلى اليابان وأصبح واحدًا من أكثر الأكلات الشعبية اليابانية. وتستطيع أن تجد محلات الرامن في كل مكان باليابان، يقدمون أطباق سريعة وشهية ومختلفة، لكن هذا الرامن يختلف عن الرامن “سريع التحضير” كالإندومي الذي تم اختراعه في اليابان منذ أكثر من 50 سنة، وأصبح الآن من أكثر المنتجات المتداولة حول العالم.
يعمل طباخو الرامن على اختراع العديد من النكهات، وإضافة الكثير من اللمسات الجديدة لأطباق الرامن، على سبيل التجديد أو من باب المنافسة؛ حيث إننا نجد في اليابان ما يقرب من ألفي مطعم للرامن! وإذا نظرنا إلى طبق حساء الرامن سنجد أنه يتكلف من 500 إلى 1000 ين، ويُعتبر وجبة لكل الأعمار، كما أن هناك من يأكل الرامن كل يوم ولا يمل منه.
مكونات الرامن
الرامن وجبة بسيطة للغاية، تتكون من ثلاثة عناصر أساسية: الحساء، الشعرية، الإضافات.
الحساء هو ما يشكل النكهة الأساسية، ويأتي بشكلين: الأول: حساء شفاف شهي ورقراق، ويتم صنعه من عدة أشياء مثل: عظام الدجاج، فواكة البحر، الخضروات.
الثاني: حساء سميك قليلًا يميل إلى بياض اللبن، يعرف بـ”تونكوتسو” Tonkotsu، ويتم صنعه عن طريق غلي العظام لفترة طويلة جدًا، وهذه الطريقة البطيئة في طهيه تسبب ذلك اللون الأبيض.
ما إن يجهز الحساء حتى يتم وضع القليل من الصوص كطبقة أولى في طبق الرامن، وهذا الصوص الابتدائي يكون في ثلاثة أشكال أساسية:
– صوص الصويا.
– صوص الشيو: وهو عبارة عن ملح.
– صوص الميزو: والميزو نوع من التوابل اليابانية، يحضر من تخمير الصويا أو الأزر أو الشعير، ويمتاز بنكهته القوية.
ثم تأتي خطوة وضع الشعرية، والشعرية تأتي أيضًا في شكلين أساسيين: مموجة أو مستقيمة.
الشعرية المستقيمة تنزلق داخل الفم بخفة ورشاقة، سريعة في الأكل، ولا تكلفك الكثير من الوقت، أما الشعرية المموجة، فتمتزج بشكل أكبر بالحساء، وتعطي لك وقت أكبر في التذوق والمضغ، لكن في الحالتين ستتمكن من تناول الشعرية بشكل سميك قليلًا، وقد امتصت نكهة الحساء الطيبة.
بعدما ننتهي من وضع الشعرية يكون الوقت قد حان لوضع “الإضافات الأخيرة”، والتي تختلف حسب الذوق الخاص؛ فالبعض يحب إضافة عُشب البحر أو الـ “نوري”، والبعض يحب إضافة البيض المسلوق، أو أنواع من الأسماك المجففة كالسردين، والخضروات الطازجة كالذرة والبصل الأخضر والسبانخ والكرنب، أوChashu Pork الذي يعتبر من أشهر الإضافات اليابانية.
كيف تتم صناعة الرامن؟
نجد محلات الرامن في كل ركن في اليابان، لكل مطعم وصفته الخاصة، الرامن يتكون في الأساس من الشعرية، البعض كان يشتريها جاهزة، لكن الآن معظم المطاعم تقوم بعمل الشعرية الخاصة بها، معتمدة على الدقيق كمكون أساسي.
أما بالنسبة للحساء، فالبعض يستخدم عظام الدجاج، وأحيانًا يخلطه بأحد أنواع الحساء الأخرى كالسمك، حيث إن عظام الدجاج تنتج حساءً شهيًا، عالي الجودة، مع وجود كمية أقل من الدهون، كذلك يتم إضافة الخضروات كالبصل للحصول على مذاق حلو قليلًا.
لكن العامل الأساسي في كل هذا هو “السرعة”، كيف يستطيع الشيف سلق الشعرية، في الوقت الذي يكون قد قام بتحضير الحساء، ثم يضع الإضافات بشكل سريع دون أن يفقد الحساء مذاقه الشهي، وتبدأ الشعرية في الانتفاخ.
الشعرية تستغرق فقط دقيقتين في النضج، في هذا الوقت يجب ن يكون الشيف قد قام بإعداد الإضافة، من تقطيع الخضروات اللازمة، أو اللحوم أو تجهيز السمك، وما إلى ذلك كي تظل النكهة طازجة بقدر الإمكان، يبدأ بوضع الصوص، ثم يصب الحساء ببطء، ينتشل الشعرية من المياه المغلية، يصفيها جيدًا قبل وضعها في الحساء، حتى لا تُذهب مياهها نكهة الحساء المضافة إليه، وبشكل سريع يضع بأناقة الإضافات المطلوبة، ولا بد أن تقدم الشعرية بشكل سريع ما إن يضع الشيف الإضافة، قبل أن تبرد الشوربة، أو تبدأ الشعرية في الانتفاخ والتحول إلى عجين.
لهذا نجد كل مكان يقدم الرامن في اليابان لديه خاصية مميزة لا توجد في غيره، يحاولون التنافس للحصول على أفضل مذاق للرامن، لذلك ومن أجل إبراز تاريخ الرامن، تم إنشاء “متحف للرامن” في “يوكوهاما”، يوجد به منطقة مخصصة لمحلات الرامن من كل أنحاء اليابان، تم ابتكارها لتبدو مثل مشهد من الشارع الياباني في الستينات.
نشأة الرامن
إذا عدنا للنظر لجذور الرامن؛ سنجدها تعود إلى الصين في النصف الثاني من القرن الـ17.
الشعرية الصينية تختلف عن اليابانية، حيث يتم تشكيلها ومطها باليد، كذلك تُسمى “لاميون”، وكان لها الفضل في اشتقاق لفظ “رامن”، كانت أطباق الشعرية مشهورة في اليابان في ذلك الوقت، كالـ”أودون” و”السوبا”، لكن الرامن كان “نسيج وحده”.
أول شخص قام بتذوق هذا النوع من الشعرية الصينية كان توكوجاوا ميتسوكوني، وقد كان في زيارة إلى “جوجي يو” وهو باحث في كونفوشيوسية، وقد قدم له “الرامن” للمرة الأولى.
ورُغم قرب طبق الرامن أو “اللاميون” الصيني من شعرية “الأودون” اليابانية إلا أنه فشل فشلًا ذريعًا في اليابان بهذا الوقت، رُبما لاعتماده على مكونات لا تناسب الذوق الياباني.
تطور الرامن
في أواخر القرن الـ 18 بدأت اليابان في الانفتاح على العالم، وبدأ الرامن ينتشر انتشارًا كبيرًا، وقد أعاد اليابانيون تكوين هذه الوصفة لتتناسب مع الذوق الياباني، لكن الرامن لم يتوقف فقط على تطوير الشيفات له، بل عام 1958 قام المخترع “موموفوكو آندو” بابتكار أكياس “سريعة التحضير” من الرامن، فقط القليل من الماء المغلي وصحن، وتكون وجبتك جاهزة.
فهو يتكون من شعرية مقلية مخلوطة بنكهة الحساء، تستطيع حتى أكلها دون مياه مغلية، وبسبب سهولته أصبح من الأكلات اليومية المعتادة في اليابان، ثم قاموا بعد ذلك في عام 1971 بابتكار أكواب “الرامن”، التي بدأت اليابان في تصديرها إلى باقية الدول الآسيوية، ثم انتشرت بعد ذلك في أوروبا وأمريكا والعالم العربي.
انتقل الرامن من اليابان وأصبح عالميًّا، حتى إنه وصل إلى الفضاء! لقد قام بأكله رائد الفضاء الياباني “سوتشي نوجوتشي” في اليوم الثاني له بالفضاء، حيث تم تطويره ليناسب الفضاء، وانعدام الجاذبية، فالشعرية لا تفقد شكلها، كما تم توفيره بأربعة نكهات لرواد الفضاء!
وهكذا نرى أنه رُبما يكون للرامن أصول صينية، لكن مع دخوله إلى اليابان أصبح يابانيًّا خالصًا، يضع الشيفات أرواحهم في طهيه؛ فهو بالنسبة إليهم “كون كامل” مليء بالاحتمالات.