ترجمة وتحرير نون بوست
في كثير من الأحيان، سوف تسمع الناس وهم يقولون “ثق بحدسك”، عند اتخاذ القرارات، لكن هل حدسك الأول هو الأفضل دائمًا؟
أظهرت الأبحاث النفسية أنه لا، ففي بعض الأحيان الحدس الأول ليس أفضل -وأحيانًا أسوأ – من المراجعة والتغيير، وبالرغم من الاعتقاد الشائع بأن الحدس الأول أمر مميز، إلا أن عشرات التجارب قد وجدت العكس.
ربما من الجيد طرح هذا الأمر للنقاش أكاديميًا، لكن بدون شك سوف يكون رد أي شخص اتخذ قرارًا في الحياة: “لكنني أتذكر أنني بعض المرات عندما اتخذت قرارًا صحيحًا ثم قمت بتغييره وكنت مخطئًا”.
يحدث هذا الأمر لسببين: أولًا، البشر لديهم بشكل طبيعي ما يُسمى بـ “تحيز الموهبة” حيث يشعرون بالارتباط القوي بالأشياء التي يمتلكونها بالفعل (وهو الحدس الأول في هذه الحالة)، نحن لا نرغب في التخلي عنه، ونشعر بالسوء خاصة عندما نتخلى عنه ويتضح أنه كان صحيحًا، فنحن نتذكر هذه الحالات بشكل واضح، مما يجعلها تبدو شائعة، بالرغم من أن جميع الأبحاث أوضحت أنها أقل شيوعًا.
السبب الثاني يبدو أكثر وضوحًا؛ ففي بعض الأحيان يكون الحدس الأول هو الصحيح بالفعل، والمشكلة هي معرفة متى تثق بنفسك ومتى تغير طريقك.
الحل قد يكمن في “عالم ما وراء المعرفة”، والقدرة على “التفكير في التفكير” واستخدام هذه الأفكار في رصد السلوك والتحكم به.
لقد بدأت في اكتشاف “ما وراء المعرفة” بالأساس في القرود الهندية، فقد قمت بإعطائهم عدة أسئلة، بعضها سهل وبعضها صعب، ويجب عليهم أن يجيبوا أو يعلنوا أنهم لا يعرفون الإجابة، لقد كنت مندهشًا من قدرتهم القوية على النظر في عقولهم، “ومعرفة متى لا يعرفون الإجابة الصحيحة”، لقد كانت لديهم القدرة على الحكم بدقة، إذا كانوا يعرفون الإجابة الصحيحة أم لا.
لقد كنت مندهشًا أيضًا من أن طلابي (البشريين) في الجامعة كانوا يفتقرون إلى تلك القدرة، فقد كانوا دائمًا مندهشين من نتائج اختباراتهم، فبعضهم يبالغ في تقدير أدائه والبعض الآخر يقلل منه، كما أنهم يؤمنون بأن الحدس الأول مميز حتى لو أظهرت مراجعة الإجابات عكس ذلك.
بالتأكيد، يعرف طلابي كيف كان أداؤهم في كل سؤال، وبالتالي يعرفون كيف كان أداؤهم في الامتحان، أليس كذلك؟ مؤخرًا، قمت أنا وزملائي باختبار هذا الأمر بدراسة “ما رواء المعرفة” بالنسبة للطلاب أثناء أدائهم بعض الاختبارات.
التجربة
سألنا الطلاب أن يقوموا برصد ثقتهم على كل إجابة في سؤال الاختيار من متعدد بامتحان علم نفس حقيقي، حيث يقومون بتحديد إذا كانت الإجابة “تخمين” أم “معرفة” لكي نكتشف مدى ثقتهم في إجابتهم الأصلية، طلبنا منهم أيضًا أن يحددوا إذا كانوا قد قاموا بمراجعة إجابتهم أم لا.
في أغلب الأحيان، كانت مراجعة الطلاب وتغيير الحدس الأول لاختيار إجابة أخرى، تؤدي إلى اختيار إجابة صحيحة، أما في الأسئلة التي لم يكونوا متيقنين من إجابتها فالإصرار على الحدس الأول كان فكرة سيئة، فقد كان خاطئًا في أكثر من نصف المرات.
كان “ما وراء المعرفة” الخاص بهم والذي يصوغ تقييم ثقتهم بكل سؤال، قد أعطى مؤشرًا ممتازًا إذا ما كانوا يتخذون القرار الصحيح وبالتالي ما إذا كان ينبغي عليهم تغيير إجابتهم أم لا، بعبارة أخرى، لقد كانوا قادرين في تلك اللحظة على معرفة هل سيكتبون الإجابة الصحيحة أم لا، وبسبب تسجيلهم تلك الأحكام الدقيقة، كان يمكنهم استخدامها فيما بعد عندما يقررون تغيير إجابتهم من عدمها.
في تجربة ثانية، عندما قمنا بالنظر للمتمسكين بإجابتهم الأصلية، وباستخدام مقياس ثقة “ما وراء المعرفة” مرة أخرى، في هذه المرة كان على الطلاب أن يحددوا ما اذا كانت إجابتهم صحيحة أم خاطئة على مقياس من واحد إلى خمسة، وباستخدام هذا المقياس كدليل، وجدنا أن هؤلاء المتمسكين بحدسهم الأصلي كانوا على صواب أكثر من الآخرين، لذلك كانت إجابات الحدس الأول والإجابات التي تمت مراجعتها صحيحة في معظم الأحيان.
تتبع الشعور بالثقة
للوهلة الأولى، ربما يبدو هذا تناقضًا، وهو فعلًا كذلك إذا كانت الأدوات الوحيدة التي يمتلكها الطلاب هي “ثق بحدسك دائمًا” أو “غيّر رأيك دائمًا”.
لكننا منحناهم أداة أكثر حساسية، سجل مكتوب يوثّق ثقتهم بـ”ما وراء المعرفة” الخاصة بهم، والذي يسمح لهم بالاختيار عندما يرغبون بمراجعة الإجابة أو التمسك بإجابتهم، فجميعنا قادرين على أن نشعر بمستوى ثقتنا عندما نتخذ قرارًا، لكن المشكلة هي أننا ننسى سريعًا هذه المعلومات عندما ننتقل إلى القرار التالي.
لأنهم يقومون بتقدير ثقتهم بكل سؤال على الورق، فيمكنهم استخدام تلك التقديرات بدلًا من الذاكرة (التي تخطئ غالبًا)، وباستخدام تلك الأداة، كانت خياراتهم أكثر وعيًا، وساعدتهم على الأداء بشكل أفضل.
لكن لماذا نستهلك الوقت في تسجيل مستوى الثقة لكل سؤال بمفرده؟ فإذا كانوا يعرفون أداءهم في كل سؤال، ألا يعرفون مدى نجاحهم في نهاية الاختبار؟ كما تبين، لا.
بالرغم من كونها أداة ممتازة في التنبؤ بأداء الطلاب في كل سؤال أثناء الامتحان، فعندما قمنا بسؤالهم بعد الاختبار، كانوا سيئين جدًا في الحكم على أدائهم.
سأعطيكم مثالًا مثيرًا ومربكًا، لقد قمنا بسؤالهم في نهاية التجربة الأولى، إذا ما كانوا يعتقدون بأن مراجعة اختيارهم أكثر صوابًا من اتباع الحدس الأول.
بالرغم من حقيقة أن اختيارهم وتقييمهم، الذي كانوا قد قاموا به قبل لحظات، قد أظهر بوضوح أن المراجعة أفضل، إلا أن غالبية الطلاب كانوا يعتقدون بشكل خاطئ أن اختيارهم الأصلي قد يكون الأفضل، وهذا هو الجزء المثير.
الجزء المثير للقلق هو أن غالبيتهم قالوا إن معلمهم – الذي يبدو جاهلًا بالكم الهائل من الملفات التي تناقض ذلك – قد أخبرهم أن الخيار الأول غالبًا ما يكون الخيار الصحيح.
وبالتالي، فمفتاح معرفة متى نتمسك بالحدس الأول ومتى نغير رأينا، هو تتبع الشعور بالثقة خلال لحظة اتخاذ القرار، ففي اختبارات الكلية، كانت المراجعة والتمسك بالإجابة الأولى يؤديان إلى اختيار إجابات صحيحة أكثر من الإجابات الخاطئة.
التتبع الذاتي لمستويات الثقة هو وحده القادر على أن يتنبأ متى يكون كل خيار مناسبًا أكثر، وباستخدام هذا الشكل البسيط من “ما وراء المعرفة” يستطيع الطلاب المعرفة بشكل أفضل أي الأسئلة يراجعونها وأيها من الأفضل أن يتركوها كما هي.
اتخاذ قرارات واعية
بالطبع، هذه الممارسة في تتبع المشاعر تفيد في أكثر من مجرد استخدامها في الاختبارات، فالذاكرة لا يمكن الاعتماد عليها، ونحن معرضون لكم هائل من المغالطات والتحيزات.
وهذا يؤدي إلى مشكلات في معظم عمليات اتخاذ القرار، فمعظم المشاكل نابعة من حقيقة أن معتقداتنا عن أنفسنا وتاريخنا الشخصي تتشكل عادة قبل أو بعد فترات طويلة من اتخاذ القرار، وليس في حين اتخاذه، فعند التأمل، تبدو كثير من الأشياء مختلفة عما بدت عليه مسبقًا بالفعل.
إن تتبع شعورك في بداية اتخاذ القرار، قد يوفر لك معلومات قيمة فيما بعد، ويمكنه أن يساعدك في اتخاذ خيارات واعية، وسوف يجهزك بشكل أفضل لمراجعة قرارك الأول عند الضرورة.
وأود أن أشجع المعلمين على النظر إلى تلك النتائج بعين الاعتبار، أثناء إدارة الاختبارات وأثناء تشكيل معتقداتهم الخاصة حول كيفية تعليم الطلاب وإجراء الاختبارات، فهم مثل الطلاب، تختلف معتقداتهم الناتجة عن التأمل، عن التجربة الفعلية.
فالطلاب يستفيدون من النظام الذي يسمح لهم ببناء مهارات “ما وراء المعرفة”، وسوف يقومون باتخاذ قرارات أفضل بشكل عام إذا قاموا باستخدام معلومات تم إثباتها بالتجربة حول الثقة بدلًا من الاعتقادات الشعبية والمفاهيم الخاطئة، يمكنهم أيضًا القيام بذلك ببساطة نوعًا ما، أثناء الامتحانات الورقية أو الإلكترونية، حيث تصبح التكلفة أقل.
يجب أن يكون المعلمون حذرين بشكل كبير من إعطاء نصائح معتمدة على اعتقاداتهم الشخصية أو ذاكرتهم ، وبدلًا من ذلك يجب أن يكونوا قادرين على تشجيع وتعزيز المهارات المفيدة القائمة على الذاكرة والبحث في “ما وراء المعرفة”.
المصدر: كوارتز