لم يقتصر الوضع المالي المتأزم على الحكومات والدول بسبب انخفاض أسعار النفط أو بسبب تباطؤ الاقتصاد العالمي، فمن تطلق على نفسها “الدولة الإسلامية” في الأراضي التي تسيطر عليها في كل من سوريا والعراق هي الأخرى تعرضت لأزمات مالية وانتكاسات على نطاقات واسعة أجبرتها على تغيير سياساتها المالية، إذ هبط كل من دخلها وعدد سكانها والمساحة التي تسيطر عليها بواقع الثلث بحسب شركة التحليلات“آي إتش إس” الأمريكية.
فمن 80 مليون دولار كان يدخل إلى داعش كمدخول شهري منتصف العام الماضي 2015 هبط إلى 56 مليون دولار في شهر مارس/ آذار الماضي، حسب التقرير الأمريكي أيضًا أفاد أن إنتاج داعش من النفط انخفض إلى قرابة 21 ألف برميل من 33 ألف برميل خلال نفس الفترة الزمنية جراء إلحاق أضرار جسيمة بمنشآت الإنتاج بسبب الغارات التي يشنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
تواصل نون بوست مع أشخاص في مدينة الموصل العراقية حول هذا الموضوع، وأفادوا أن دخل داعش في الفترة الماضية تأثر كثيرًا لعدة عوامل أهمها ضربات التحالف الدولي التي استهدفت عدة مصارف في الموصل والتي يحتفظ التنظيم بأمواله فيها من قبيل مصرف الرافدين، كما أن الحكومة العراقية ومن خلال قرارها الصادر منذ تسعة أشهر حول إيقاف تحويل رواتب الموظفين إلى المناطق التي تسيطر عليها التنظيم، أثرت بشكل كبير على نقصان السيولة بيد السكان فتأثرت حركة الشراء والبيع في الأسواق؛ فأثر بالسلب على الضرائب والإتاوات التي تجمعها داعش من المبيعات وغيرها.
ضربات التحالف الدولي على بنوك ومصارف يحتفظ التنظيم بأمواله بها وقرار الحكومة العراقية إيقاف دفع الرواتب للموظفين في مناطق سيطرة داعش؛ أثر بشكل كبير على مدخولات داعش المالية
وأضاف مصدر نون حول وضع الأطباء وواقعهم الذي أضحى بين نار الحكومة التي أوقفت رواتبهم ونار داعش التي تعاني من أزمة مالية حادة أجبرتهم للعمل مرغمين بدون رواتب إلا من إعانات مالية كل 3 شهور، وتم معاقبة الأطباء الذين يحاولون الهرب إلى مناطق لا تسيطر عليها داعش بمصادرة أملاكهم وأموالهم المنقولة وغير المنقولة، كما أن داعش تستفيد من عملية تهريب الأشخاص إلى خارج حدودها بجزء من المبلغ الذي يُدفع للمهرب.
ولمواجهة الأزمة المالية فرضت داعش ضرائب وإتاوات على أشياء كثيرة لتعويض الخسائر التي تُمنى بها من مدخولاتها من النفط، مثل فرض ضريبة على عقود الشراء وبيع الأراضي وعقود الزواج والطبابة والخروج من مدينة إلى أخرى، حتى إنها تأخذ إتاوة عن صحن الستلايات المركب في البيوت.
وبحسب تقرير الشركة الأمريكية فإن عائدات التنظيم من الضرائب والمصادرة تقدر بنحو 50% وعائدات النفط تقدر بنحو 43% في حين تبقى النسبة الأخرى التي تتنوع بين التهريب والهبات وعوائد بيع المخدرات وغيرها.
منذ سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الرقة في سوريا وبسط نفوذه على حقول وآبار النفط في سوريا تأثرت خريطة القوى وطبيعة الصراع في سوريا وهذا أعطى مبررًا للتدخلات الدولية بذريعة الحرب على الإرهاب وداعش، فجاء التدخل الروسي ومن قبله التحالف الدولي، وبدأت مواقع وآبار النفط في الجزيرة السورية التي تسيطر عليها داعش تتلقى ضربات متتالية من طيران التحالف والطيران الروسي.
تقع آبار النفط في سوريا التي تسيطر عليها داعش في مدينة الزور لجهة البوكمال والميادين والرقة، وهذه الآبار كانت تنتج قبل الثورة نحو 140 ألف برميل نفط يوميًا، ويتقاسم مع التنظيمات الكردية المنطقة الأهم لإنتاج النفط الواقعة بمحافظة الحسكة والتي وصل إنتاجها قبل الثورة لنحو 200 ألف برميل يوميًا، في حين لا يزال النظام يسيطر على المنطقة في شرقي حمص والتي ينتج منها يوميًا قرابة 9 آلاف برميل.
يبلغ عدد الحقول التي تسيطر عليها داعش 60 من أصل 67 حقلاً في سوريا، فطالت الضربات حقل العمر وهو أكبر حقول النفط السورية وخزاناته الثلاثة وحقل الجفرة وبئر الملح ما أدى لدمار هائل في الخزانات والمعدات ومواقع تجميع الصهاريج بمنطقة عكاشات قرب مدينة البوكمال وبالتالي تراجع الإنتاج بهذه المواقع من نحو 50 ألف برميل إلى أقل من 20 ألف برميل يوميًا، بحسب خبراء في الشؤون لنفطية السورية.
ويؤكد من تحدث معهم نون بوست، الطرق البدائية التي تستخدمها داعش في الإنتاج والتكرير سواء في سوريا أو العراق؛ إذ يعتمد التنظيم على الاستخدام الجائر وغير الفني في الإنتاج والتكرير لا لشيء سوى للمحافظة على العائدات، وهذا له أثر بالغ على الثروة النفطية نفسها خصوصًا أن التنظيم يقوم بإحراق الآبار قبل الانسحاب من المنطقة كما حدث في بيجي أكبر مصافي العراق النفطية، فضلاً عن الآثار الصحية للعاملين من السكان في الإنتاج والتكرير.
وقد تراجعت الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم بنحو 22% منذ منتصف 2014 وتراجع عدد السكان من 9 مليون نسمة إلى نحو 6 مليون نسمة.
تراجعت الملاءة المالية لداعش مع تراجع مدخولاتها؛ ما أثر بشكل سلبي على رواتب المحاربين لديها.
داعش لم يعد لديها القدرة والملاءة المالية التي كانت تتمتع بها سابقًا؛ فشح الأموال سواء القادم من بيع النفط أو من الضرائب وغيرها أثر بشكل كبير على مصروفات داعش، فقد تم تخفيض الرواتب للجنود المنضمين لها لكل من المهاجرين والأنصار والمتطوعين، فالمتطوع الجديد صار يُعطى بعد التخفيض 150 دولارًا والمتطوع القديم من المهاجرين الذي كان يأخذ 800 دولار أصبح يتقاضى 400 دولار متساويًا بهذا مع الأنصار، أما الرواتب بالثابنة فقد تم تخفيضها إلى 600 دولار في كل المناطق التي يسيطر عليها داعش، بحسب من تواصل معهم نون بوست.