تعتبر موريتانيا، ذات الطبيعة الصحراوية، من أغنى دول الساحل الإفريقي بالثروات البحرية ، فهي تتمتع بأحد أكبر وأغنى شواطئ العالم بالأسماك، فتحت مياه المحيط الأطلسي في الجانب الموريتاني يوجد نحو ثلاثمائة نوع من الأسماك منها نحو 170 نوعًا قابلاً للتسويق، ورغم كل ذلك يعيش حوالي نصف سكان موريتانيا تحت خط الفقر وتجاوزت البطالة هناك أكثر من ثلث السكان.
يعتبر الأوروبيون من أكبر صيادي الأسماك في المياه الموريتانية يليهم اليابانيين ثم الصينيين، أما نصيب السكان المحليين فهو دون المطلوب.
وأكدت دراسة حديثة للبنك الدولي عن الثروة السمكية في الشمال الإفريقي، أن الثروة السمكية تشكل ربع ثروة موريتانيا الطبيعية، معتبرة أن الثروة السمكية هناك تتعرض للاستغلال المفرط من الشركات الأجنبية في غياب سياسات منهجية فعالة في الصفقات العمومية الموقعة من هذه الشركات الأجنبية.
وتستخرج موريتانيا نحو 840 مليون طن من الأسماك سنويًا ذات جودة تجارية عالمية، ما مكنها من امتلاك 18% من إنتاج الأسماك العربية لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد المغرب ومصر، وتعد موريتانيا أكبر مصدر عربي للأسماك بنحو 44%، وتصدر نحو 95% من مجموع ثروتها السمكية للاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر الشريك الاقتصادي الأول لموريتانيا في مجال الصيد يليه اليابان.
وتمثل الأسماك حوالي 58% من صادرات موريتانيا، كما أن عائدات بيعها تمثل 10% من الناتج المحلي القومي و29% من الميزانية ونحو نصف مصادر العملة الصعبة.
ولأن الكنوز كثيرة وإمكانيات استخراجها ضعيفة أبرمت نواكشوط مع الاتحاد الأوروبي عام 2001 اتفاقًا يسمح لمائتي سفينة صيد أوروبية باستخراج الأسماك من الشواطئ الموريتانية مقابل 430 مليون يورو سنويًا، ومع تجديد الاتفاقية قبل عامين وضعت موريتانيا شروطًا على الجانب الأوروبي تمنع الصيد الجائر، ومع ذلك فإن الأوروبيين غير مبالين ولا مكترثين بالجانب الموريتاني “صاحب الثروة” فسفن الصيد الأوروبية لا تشغل تقريبًا أي موريتانيين لتظل الاستفادة الأكبر لصالح الأجانب وليس لصالح أصحاب البلاد.
رغم أهمية الأرقام في مجال الصيد بموريتانيا، فإن المواطن ما زال يتساءل عن مدى نجاعة الاستراتيجيات المتبعة في هذا القطاع ومردوديتها على حياة المواطنين.
ويؤكد خبراء موريتانيون أن الثروة السمكية التي تمتلكها موريتانيا بفضل الوضع الجغرافي والمناخي المتميز لشواطئها مهددة بالنضوب بسبب ضعف الرقابة البحرية وجشع المستثمرين وملاك سفن الصيد الأوروبية والفساد المستشري في قطاع الصيد خاصة في مجال منح الرخص.
ويشير آخرون إلى أن الثروة السمكية في موريتانيا كانت ممكن أن تعود بالنفع أكثر على البلاد وسكانها لو توافرت بعض الشروط المعينة، من ذلك توفر أسطول وطني له القدرة الكافية على استغلال الثروات الموريتانية فلا سفن صيد كبيرة (بعض سفن صيد الصغيرة لا تبحر في المياه العميقة)، إضافة إلى ضرورة إنشاء موانئ وبنية تحتية لإنزال الكميات التي تصطاد في المياه الموريتانية أو مصانع لتحويل هذا المنتوج من أجل قيم مضافة أكثر.
يوفر الصيد التقليدي 90% من العمالة الكلية للقطاع، والتي تصل إلى حوالي 50 ألف وظيفة عمل، ويشكل قطاع الصيد أكبر مزود للعمالة في البلاد، حيث يلعب دورًا بارزًا في محاربة البطالة، كما يوفر ربع العائدات الضريبية للبلاد.
يقول الصيادون التقليديون في موريتانيا إنهم يعانون نقصًا حادًا في الإمكانيات إضافة إلى ما وصفوه بالمنافسة غير العادلة من البحارة الأجانب، الأمر الذي قد يدفعهم إلى التفكير في التخلي عن هذه المهنة والبحث عن مهن بديلة تدر عليهم رزقًا أكبر يعيلهم.
كما يحمل هؤلاء الصيادين، مسؤولية تدهور قطاع الصيد البحري في بلادهم إلى الدولة، مؤكدين غياب الدولة في مجال دعم الصيادين الموريتانيين، وتتهم المعارضة الموريتانية، السلطات الحاكمة بالفساد وتلقي أموال من أطراف أجنبية مقابل السماح لهم بالصيد في سواحل موريتانيا بطرق غير شرعية وخارج إطار الاتفاقيات التي أبرمتها الدولة، وتؤكد المعارضة أن الشواطئ باتت ساحة مفتوحة تعيث فيها الأمم الكبرى المهتمة بالصيد، فسادًا تحت غطاء المسؤولين الموريتانيين المنخرطين في سوق الفساد المالي الذي أنهك قطاع الصيد حسب تعبيرهم.
يعاني قطاع الصيد في موريتانيا من تهالك الأسطول البحري ومن الاستغلال المفرط من طرف الأساطيل الأجنبية، فضلاً عن التوجيه الخارجي المفرط للقطاع، حيث إن 95% من الأسماك الموريتانية تباع في الخارج.
في مقابل ذلك تؤكد الحكومة الحالية سعيها إلى تشديد الرقابة على سفن الصيد ووضع شروط قاسية في مجال الرقابة على الصيد السطحي والعينات الصغيرة حماية لمصالح الصيادين التقليديين الموريتانيين.
في هذا الشأن وضعت الحكومة استراتيجية جديدة في مجال الصيد والاقتصاد البحري تمتد حتى سنة 2019، تسعى من خلالها إلى استحداث نمط تسيير جديد غايته تقنين استغلال الثروة ضمانًا لاستدامتها، وتهيئة الظروف والأرضية الملائمة لتعظيم انعكاساتها على التنمية الاقتصادية وتعميم منافعها وعدالة توزيع المتاح منها.
وتعتبر الشواطئ الموريتانية الغنية بأنواع السمك، بيئة للتجدد البيولوجي بفعل التيارات المائية المغذية للأسماك؛ حيث يصل احتياطي البلاد إلى نحو مليون ونصف مليون سنويًا.