قبل الحديث عن مقومات المشروع الوطني الفلسطيني السليم لا بد من مسلمات يبنى عليها حتى يتمكن من الوصول إلى مرحلة النجاح والتمكين، فعدم الإيمان بهذه الأدبيات سيدفع بالمشروع إلى حافة الهاوية بغض النظر عن الإمكانات التي يمكن أن يتمتع بها لاحقًا، وقد ينهار لعدم قدرته على الصمود والقتال حتى النهاية، وهذه المسلمات عبارة عن الأدبيات الوجدانية أو النفسية التي تسبق المقومات التي تتبعها وهي المقومات السياسية والإعلامية والعسكرية والاجتماعية والمالية.
المسلمات الوجدانية
الشعب الذي يرزح تحت الاحتلال والاستعمار لا بد أن يعتقد أنه في سبيل نيله للحرية والكرامة واستعادة الأرض أن يؤمن بالضريبة التي سيقدمها لتحقيق مبتغاه، فعليه أن يقدم قوافل الشهداء التي ستكون وقودًا تحرك الجماهير الرافضة للذل، وأن يثبت أمام الضربات التي يتلقاها من تدمير البيوت واعتقال الكبير والصغير والقتل والتضييق بكافة أشكاله، وعدم الانجراف أمام المحاولات الالتفافية من قِبل ضعاف النفوس.
ويتميز الإنسان الفلسطيني بسعة مسلماته الوجدانية وهي تدور في رحاب إيمانياته بعالم الدنيا والآخرة، مستمدًا عمقه الوجداني من خطابات الوحي.
المقومات السياسية
المقومات السياسية تعني بأن يكون هناك استراتجية فلسطينية تشمل الدفاع على المستوى السياسي عن الأرض والإنسان، من خلال منظومة من الساسة أصحاب العقول الفذة والتي تتمتع بالحنكة في التعامل مع العدو الذي يتعنت ويتصلب في مواقفه لأن اللعبة السياسية هي لعبة مواقف، ومن يتمسك بمبدئه ويمتلك القدرة على القتال سياسيًا حتى النهاية هو المنتصر، ولكن هذه المواقف لا بد من مبادئ تحكمها وتدير أمورها وتكون بمثابة “محكمة دستورية”.
المقومات الإعلامية
وهي إن فقدت لن يستطيع السياسي الفلسطيني أن يقدم رؤيته للقضية ولا حتى أن يظهر رأيه في الأحداث ومزاحمة إعلام الاحتلال الذي قد ينفرد في الساحة الإعلامية وبالتالي يضلل ويكذب كما يشاء ولا معقب عليه جراء عدم وجود إعلام يقابله، إذًا المعادلة واضحة وهي أن الإعلام يتحرك وفق الرؤية السياسية وليس العكس لأن العكس يفتت الموقف السياسي ويدمره، فلا بد من منصات إعلامية يبنيها ساسة المشروع وفق رؤى التصورات الاستراتيجية للعمل السياسي.
المقومات العسكرية
العمل السياسي مع عدم وجود قوة على الأرض لا يمكن أن يحصل على صفر في المئة من الحقوق، فالعدو لا يبالي بما يقوله ويصرح به الساسة من الطرف الآخر، فالعمل العسكري فرض في مواجهة المحتل لأنه بمثابة شوكة في الحلق تعرقل عليه تلقي أنفاسه وتعتبر القوة العسكرية من صميم العمل السياسي فكلما كانت القوة العسكرية هائلة وضخمة تجعل من الإطار السياسي الفلسطيني صاحب قوة وبالتالي يكون صاحب جرأة في أخذ المواقف السياسية الحساسة بسبب اطمئنانه بأن لديه عملاً عسكريًا يجبر العدو على التراجع في تحقيق أهدافه.
المقومات الاجتماعية
بموازاة العمل السياسي والعسكري لا بد من هيئة اجتماعية مهمتها إغاثية، تؤمن الحاجات التي يحتاجها الشعب لتدعيم صموده وثباته في وجه ما يتعرض له من هجمات، وخاصة أهالي مدينة القدس وضواحيها، والغرض من ذلك إبقاء الناس في أماكنهم لأن رحيلهم بمثابة هزيمة استراتيجية وتقهقر للمشروع، ومن أبرز هذه المقومات بناء المدارس والمستشفيات والأندية.
المقومات المالية
وهي كلمة السر التي إن فقدت يصعب تنفيذ الأعمال السياسية والعسكرية والاجتماعية والإعلامية وبالتالي يبقى الحراك مقتصرًا على الجانب الشعبي، ومع أهميته إلا أن بقاءه بشكله الشعبي التقليدي سيؤدي إلى اليأس من مواصلة التصدي والمواجهة.