كشف التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود” لسنة 2016، احتلال تونس مرتبة متقدمة عربيًا في مجال حرية الصحافة، فيما واصلت فنلندا احتلالها المرتبة الأولى عالميًا منذ سنة 2010.
ولأول مرة تعلن مراسلون بلا حدود عن تصدر تونس قائمة الدول العربية في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، متقدمة بـ 30 رتبة عن السنة الماضية، ولكن المنظمة وضعت تونس في هذه المرتبة لعدم اعتماد موريتانيا وجزر القمر دولًا عربية لأسباب غير معروفة، هاتين الدولتين اللتين تقدمتا على تونس في التصنيف إلا أن المنظمة أصرت في إعلانها على اعتبار تونس المتصدرة عربيًا في حرية الصحافة.
وكشفت ياسمين كاشا مسؤولة مكتب شمال إفريقيا في منظمة مراسلون بلا حدود عن تراجع عدد الانتهاكات رغم تواصله من قِبل قوات الأمن ضد بعض الصحفيين، ولاحظت تراجع التتبعات ضد الصحفيين، وأضافت خلال ندوة صحفية عقدتها المنظمة اليوم بتونس: “المناخ التونسي مناسب لتعزيز حرية الصحافة ونأمل أن تشجع هذه المرتبة التي تحتلها تونس في التصنيف العالمي الجديد لمزيد من تعزيز هذه الحرية”.
واحتلت تونس المرتبة 164 في سنة 2010 قبل سقوط نظام بن علي والمرتبة 133 في 2012 و126 في 2015، وأخيرًا المرتبة الـ 96 من جملة 180 بلدًا في هذا التصنيف الجديد.
من جانبها سجلت مصر تراجعًا في نسخة 2016 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة واحتلت المرتبة 159 عالميًا.
وأكدت المنظمة أن الصحفيين في مصر يعملون وسط بيئة تتسم بعداء متزايد لمنتقدي نظام السيسي الذي يقمع الأصوات الناقدة تحت ذريعة الاستقرار والأمن القومي، وأوضحت ياسمين أن وسائل الإعلام في مصر أصبحت مرآة لمجتمع يئن تحت وطأة الاستقطاب بين مؤيدي السيسي ومعارضيه، حيث تخضع الصحافة لسيطرة نظام استبدادي يحكمها بيد من حديد.
وتُعد مصر، حسب مراسلون بلا حدود، واحدة من أكبر السجون بالنسبة للصحفيين على الصعيد العالمي، حيث لا يزال أكثر من 20 إعلاميًا قيد الاعتقال بذرائع زائفة، ويقضي بعض الصحفيين مدة طويلة للغاية وراء القضبان دون المثول أمام المحكمة، كما هو الحال بالنسبة للمصور الصحفي محمود أبو زيد، المعروف باسمه المستعار شوكان، الذي اعتُقل في أغسطس 2013 أثناء مشاركته في تغطية تفريق المتظاهرين المؤيدين لمرسي في ميدان رابعة العدوية، علمًا أن محاكمته تأجلت إلى شهر مارس/ آذار 2016 بعدما كان من المقرر أن تنطلق في ديسمبر/ كانون الأول 2015 جنبًا إلى جنب مع أكثر من 700 متهم آخرين، وفي هذا الصدد، يؤكد أقارب الصحفيين أن بعضهم تعرض للتعذيب الشديد داخل السجون، في حين أن المرضى منهم يُحرمون من تلقي العلاج الطبي اللازم، حسب نص التقرير.
وأوضح التقرير أنه في مصر، قد يشكل مجرد انتقاد الرئيس السيسي أو حكومته مصدر ضغوط متواصلة على الصحفيين، أو سببًا لطردهم من عملهم بل وقد يؤدي بهم إلى السجن أيضًا.
وتبنت الحكومة المصرية في أغسطس قانونًا جديدًا لمكافحة الإرهاب يستهدف الصحفيين مباشرة من خلال المادة 33 التي تُلزم وسائل الإعلام باعتماد الرواية الرسمية في تغطيتها للهجمات في سيناء، تحت طائلة الحكم على الصحفيين بدفع غرامة تفوق راتب سنة كاملة.
واحتل لبنان المرتبة 98 والكويت المرتبة 103، فيما احتلت الجزائر المرتبة 129 والمغرب 131 وتبقى حالة حرية الصحافة في الجزائر والمغرب غير مستقرة، بينما وضعت المنظمة البحرين والمملكة العربية السعودية وليبيا و اليمن وسوريا في المنطقة الخطيرة، وهم متواجدون بأسفل المراتب في تصنيف مراسلون بلا حدود.
أبرز الاتجاه العام للتقرير وجود مناخ يعمه الخوف والتوتر على نطاق واسع، إضافة إلى حالة تعكس وقوع المؤسسات الإعلامية في أيدي بعض الدول والمصالح الخاصة على نحو متزايد.
من جهة أخرى، حافظت فنلندا على موقعها في صدارة التصنيف العالمي منذ عام 2010، متبوعة بكل من هولندا في المرتبة الثانية والنرويج في المرتبة الثالثة، وفي المقابل، يتذيل جدول الترتيب الثلاثي الجهنمي المتكون من تركمانستان (178) وكوريا الشمالية (179) وإريتريا (180).
وبحسب كاشا فإن سنة 2015 شهدت مقتل 110 صحفيًا وتسجيل سجن 153 صحفيًا ورهن أكثر من 50 صحفيًا في العالم.
تُظهر نسخة 2016 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة مدى حدة الانتهاكات التي تئن تحتها حرية الإعلام واستقلالية الصحافة على أيدي بعض الدول أو بفعل النزوات الأيديولوجية والمصالح الخاصة.
يكشف هذا التصنيف المراتب التي يحتلها كل بلد على صعيد حرية عمل الصحفيين، حيث يشمل 180 دولة من جميع أنحاء العالم، وبالنظر إلى المؤشرات الإقليمية، يبدو أن أوروبا (19.8 نقطة) مازالت هي المنطقة حيث تنعم وسائل الإعلام بأكبر قدر من الحرية، بينما تليها – بفارق شاسع – إفريقيا (36.9) التي تمكنت على نحو غير مسبوق من تجاوز منطقة الأمريكتين (37.1)، حيث تشهد أمريكا اللاتينية عنفًا متزايدًا ضد الصحفيين، ثم تأتي آسيا (43.8) ثالثة، وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى (48.4) رابعة، أما شمال إفريقيا والشرق الأوسط (50.8) فإنها تظل المنطقة حيث يئن الصحفيون تحت وطأة الضغوط بجميع أنواعها وشتى أشكالها.
أرجع التقرير تراجع حرية الصحافة إلى عدة أسباب، تتراوح بين انسياق الحكومات في هاوية القمع والتخبط في سياسات سالبة للحرية، كما هو الحال في تركيا أو مصر، والسيطرة على وسائل الإعلام العامة حتى في دول أوروبية مثل بولندا على سبيل المثال، ناهيك عن الأوضاع الأمنية المتوترة على نحو متزايد، على غرار ليبيا وبوروندي، أو الحالات الكارثية التي تعيشها بلدان مثل اليمن.
يُنشر التصنيف العالمي لحرية الصحافة سنويًا منذ عام 2002 بمبادرة من منظمة مراسلون بلا حدود، ويساهم في قياس درجة الحرية التي يتمتع بها الصحفيون في 180 بلدًا، وذلك بالاستناد إلى سلسلة من المؤشرات (التعددية واستقلالية وسائل الإعلام وبيئة عملها والرقابة الذاتية والإطار القانوني والشفافية والبنية التحتية والانتهاكات).
يمكّن التصنيف العالمي لحرية الصحافة لمنظمة مراسلون بلا حدود من تحديد وضع 180 دولة نسبيًا وذلك بالنظر لأدائهم في مجال التعددية، استقلالية وسائل الإعلام واحترام سلامة وحرية الصحفيين.