مشروع القرن السعودي: الربع الخالي من صحراء جرداء إلى واحة خضراء

900x450_uploads20160419888e433d7e

لم تعد المشاريع الهندسية الجريئة تحتاج لعشرات السنين لتُدرس هندسيًا وتقر على أنها صحيحة وقابلة للتطبيق، وليست تركيا وحدها ستنشئ “القناة المجنونة” لتصل البحر الأسود ببحر مرمرة لتكون بديلاً عن مضيق البوسفور، فهناك أفكار في السعودية أيضًا تضاهي هذه القناة شكلاً وفائدةً؛ المشروع الذي أطلق عليه مهندسوه “مشروع القرن، النهضة الثانية للمملكة” الذي أكملت الحكومة السعودية الخطوات الإجرائية لدراسته وبانتظار إقراره والإيعاز بتنفيذه.

مشروع القرن

يُعد مشروع القناة المائية الصناعية الأكبر من نوعه في تاريخ القنوات المائية الصناعية الكبرى في العالم، وهو يربط الخليج العربي مرورًا بالسعودية إلى بحر العرب للالتفاف حول مضيق هرمز؛ ما يمكن المملكة من نقل نفطها عبر القناة المائية والاستغناء عن البحر الأحمر والمرور في مضيق هرمز، ويقع الجزء الأعظم منه داخل الأراضي السعودية، بمساحة 600 ألف كيلومتر مربع، وتمتد القناة 1000 كيلومتر طولاً، و500 كيلومتر عرضًا، ويبلغ عرض القناة 150 مترًا، والعمق 25 مترًا، وسيتم عمل قنوات بحرية متعددة داخل السعودية تنتهي كل قناة ببحيرة كبيرة وتُنشأ على كل بحيرة محطة نووية تكون بعيدة قدر الإمكان عن المدن الرئيسية، وتستطيع دول: قطر والإمارات والكويت، تصدير نفطها عبر هذه القناة إلى بحر العرب، بعيدًا عن مضيق هرمز.

إذا استمرت السعودية على وتيرة النمو الحالية، فإنها كما يتوقع الخبراء قد تضطر في العام 2030 إلى استيراد النفط لتغطية احتياجاتها المتنامية في الطاقة، وطبقًا لهذا كان لزامًا التفكير مليًا في تنويع مصادر الدخل والإيرادات والابتعاد عن دولة الاعتماد على النفط فقط والتوجه أكثر إلى الطاقة النظيفة، خصوصًا بعد انخفاض أسعار النفط العالمية إلى مستويات متدنية وانكشاف الاقتصاد السعودية على العالم بشكل كبير بدليل تأثر الإنفاق وفرض ضرائب جديدة والدخول في سياسات مالية حذرة أكثر من السابق.

أشرف المهندس عصمت الحكيم منذ سبع سنوات على مشروع القناة المائية الصناعية، الذي لم يكن أثناء الرسم والتخطيط له لنقل البترول إنما لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق محطات توليد نووية لتقليل الاعتماد على الطاقة بحرق الوقود الأحفوري وتقليل الانبعاثات الكربونية الناتجة من ذلك.

لماذا المشروع؟

بحسب ما نشرته مجلة المهندس في عددها الأخير عن الداعي لعمل قناة بحرية لربط الخليج العربي مع بحر العرب، إذا كانت الدراسات تشير إلى أنه في  العام 2030 ستقوم المملكة باستيراد النفط لتلبية متطلبات النمو، ففكرة المشروع كما اقترحه المهندس عصمت هو لإنتاج الطاقة الكهربائية أكثر منه لنقل البترول وأصبح بعد الانتهاء من دراسته مشروعًا ضخمًا ومتكاملاً يلبي احتياجات المملكة من الطاقة النظيفة ويكون ممرًا لنقل البترول للاستغناء عن المرور في مضيق هرمز ويخلق فرصًا ووظائف كثيرة في مختلف المجالات.

فوائد المشروع

يتيح المشروع إنتاج الطاقة الكهربائية بما لا يقل عن 50 جيغاوات، وينتج أيضًا مياه محلاة يستفاد منها لمشاريع الإسكان والرعي والزراعة في الربع الخالي، إذ بالإمكان إنشاء مدن حديثة عند أفرع هذه القنوات البحرية لإسكان العاملين في المشاريع التي سيتم إنشاؤها كمحطات التوليد ومشاريع الصناعة والزراعة والإنتاج الحيواني والري، كما سيتم أيضًا إنشاء مدن سياحية للاستجمام الشتوي، إذ ستضيف 1200 كيلومتر من السواحل النظيفة في منطقة الربع الخالي إلى السعودية.

ويمكن خلط المياه المحلاة مع مياه الآبار الجوفية في الربع الخالي مع مياه البحر بنسب معينة ومدروسة للاستخدام البشري والزراعي والحيواني، وبحسب الدراسة سيتم الاستفادة من القناة في عمل مشاريع زراعية ضخمة للإنتاج الزراعي في البيوت المحمية لزراعة الخضراوات والأزهار وغيرها، وعمل أحواض بحرية من القنوات وفروعها للاستفادة منها في تربية الأسماك المنتجة لللحوم، فضلاً عن عمل مشاريع لإنتاج أسماك المياه العذبة، وعمل حظائر لإنتاج وتربية الدواجن والحيوانات كالأبقار والأغنام للاستفادة منها في إنتاج البيض واللحم والألبان وغيرها.

زراعة أشجار لا تحتاج للمياه كثيرًا لتثبيت التربة بحكم أن المنطقة صحراوية، ومن أهم هذه الأشجار هي شجرة الخروع التي يتم استخراج الزيوت المستخدمة في إنتاج المراهم العلاجية ومنتجات حيوية أخرى منها.

بدائل الطاقة الأحفورية

سيتم إنشاء ما يقرب من 10 محطات نووية قدرة الواحدة منها إنتاج 5 – 50 جيغاوات وهو يماثل أحمال المملكة حاليًا، والتقليل من الاعتماد على المحطات التقليدية التي تعتمد على حرق وقود النفط بأنواعه لإنتاج الطاقة وما يخلفه من عوادم الدخان التي تضر بالبيئة في السعودية والتي تشهد قلة في الأمطار بصورة واضحة.

كما سيتم تغطية كافة أسطح المباني التي يتم إنشاؤها بالخلايا الشمسية لإنتاج الطاقة،  فضلاً عن إنشاء حقول لإنتاج الطاقة الشمسية في الأماكن الكبيرة الشاغرة بالربع الخالي لإنتاج طاقة لا تقل عن 50 جيغاوات.

فائدة المشروع في النهضة الصناعية؟

سيتم عمل مصانع للجرارات الصناعية والشاحنات والقطارات والسفن المتوسطة والقوارب السريعة والشراعية والسيارات والبطاريات ومصانع للمنتجات الخشبية والأثاث والكرتون والفلين الصناعي لاستخدامها في تعبئة المنتجات الزراعية، ومصانع لصناعة المنتجات الجلدية الناتجة عن نواتج الأبقار والأغنام مثل صناعة الأحذية، وإنشاء مصانع لإنتاج الخلايا الشمسية لتلبية الطلب على الخلايا الشمسية المزمع نشرها في الربع الخالي.

ماذا عن عملية النقل والمواصلات؟

سيتم إنشاء ما لا يقل عن مطارين لنقل الركاب والمنتجات من المشروع إلى المناطق الأخرى في المملكة، وعمل طرق برية للربط بين هذه المشاريع والمدن الرئيسية، وطرق سكك حديدية فائقة السرعة لنقل الركاب والبضائع والمنتجات والاستفادة من القنوات البحرية لتصل إلى قرب الرياض والدمام للنقل والسياحة.

من سيستفيد من هذا المشروع؟

المشروع هو عبارة عن نهضة متكاملة في كل المجالات، ينقل المملكة من دولة مستهلكة إلى دولة مصدرة ورائدة في المشاريع الزراعية والحيوانية والثروة السمكية والطاقة، والمستهدف في هذا المشورع كما يقول المهندس عصمت الحكيم في مخطط الدراسة المنشور في مجلة المهندس هم المهمشون حاليًا ممن لا يجدون عملاً حسب تخصصهم العلمي من مهندسين زراعيين وأطباء بيطريين وغيرهم، وكذلك مراكز الأبحاث في كل مجالاتها العلمية سيكون لها دور كبير في إنجاز هذا المشروع.

أضف أن المشروع سيشكل علامة فارقة ونقلة نوعية لصحراء الجزيرة العربية من خلال النهضة التي ستدعمها كمية المشاريع المنوي إنشائها، لذا ستتحول صحراء الربع الخالي بعد الانتهاء من المشروع من صحراء جرداء إلى روضة وجنة خضراء، فهل تبقي الحكومة السعودية هذا المشروع الضخم أسير المجلة العلمية وحلم يراود السعوديون أم تطبقه على أرض الواقع؟