الإخفاق!
مع تبقي 4 مراحل على ختام منافسات الموسم الحالي من الدوري الإنجليزي، وانحصار لقبه بين مفاجأتي الموسم ليستر سيتي وتوتنهام، يتسرب حلمٌ جديدٌ من أحلام نادي أرسنال العريق في تجديد وصاله المنقطع مع بطولة الدوري، والذي طال أمده ليصل إلى 12 عامًا قضاها المدفعجية بعيدًا عن حلاوة الفوز بالبريمر ليغ، لتضاف هذه الخيبة إلى سلسلة الخيبات الأوروبية المستمرة، والمتمثلة بعجز النادي اللندني الأشهر عن التتويج ببطولة دوري أبطال أوروبا، ولو لمرةٍ واحدةٍ عبر تاريخه الطويل الممتد زهاء 130 عامًا، حفلت بالكثير من الحُقب المضيئة والإنجازات، التي جعلت نادي المدفعجية يصنف كواحدٍ من أهم الأندية الإنجليزية والأوروبية.
تاريخ أرسنال في سطور
صورة أرشيفية لفريق أرسنال الفائز بلقب الدوري الإنجليزي عام 1948
يعود تأسيس نادي أرسنال إلى عام 1886، على يد مجموعة من عمال السكك الحديدية في العاصمة البريطانية لندن، حيث اتخذوا من قطعة أرض في منطقة (وولويتش) جنوب شرق العاصمة، كانت تستعمل كترسانة للأسلحة الحربية، مقرًا لناديهم الوليد، الذي حمل اسم (رويال أرسنال) أي (الترسانة الملكية)، ومن هنا جاء رمز النادي (المدفع) ولقبهم (الغانرز) أي (المدفعجية).
خاض رويال أرسنال أولى مبارياته تاريخيًا في 11 ديسمبر 1886، حيث حقق الفوز على نادي إيسترن وندرز المجاور بنتيجة 6-0، فيما جاءت أولى مشاركاته التنافسية عام 1889، من بوابة كأس الاتحاد الإنجليزي (FA Cup)، أما على صعيد بطولة الدوري، فقد استهل النادي مشاركاته في دوري الدرجة الثانية الإنجليزية عام 1893، تحت اسم (أرسنال وولويتش).
عام 1904 صعد الغانرز إلى دوري الدرجة الأولى (الدوري الممتاز حاليًا)، ولبثوا فيه حتى عام 1913 الذي شهد هبوطهم للدرجة الثانية، وتزامن ذلك مع انتقال مقر النادي إلى شمال لندن، حيث ملعبهم الجديد (الهايبري)، ليقتصر اسم النادي منذ ذلك الحين على (أرسنال) فقط، دون (وولويتش).
مكث أرسنال في الدرجة الثانية موسمين فقط، توقف على إثرهما النشاط الرياضي في إنجلترا 4 سنوات إبان الحرب العالمية الأولى، قبل أن يعود النادي إلى الدرجة الأولى اعتبارًا من عام 1919، حيث لم يهبط بعد ذلك إطلاقًا.
شهد عام 1930 إحراز أرسنال أول ألقابه عبر تاريخه بفوزه بكأس الاتحاد الإنجليزي، وفي العام التالي نجح النادي في إحراز أول ألقابه في بطولة الدوري عام 1931، قبل أن يُتبعه بلقب آخر عام 1933، وذلك على يد مجموعة من النجوم ككليف باستن، إيدي هايجود، ودافيد جاك، تحت قيادة المدرب الأسطوري هيربرت تشابمان، الذي وافته المنية مطلع عام 1934.
تابع المدرب جورج أليسون ما بدأ به سلفه الراحل، فقاد المدفعجية لتحقيق 3 ألقاب في الدوري أعوام 1934، 1935 و1938، ولقب في الكأس عام 1936، قبل أن يتوقف النشاط الرياضي مدة 6 أعوام بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، ليعود النادي بعدها إلى حصد الألقاب، من خلال فوزه بلقب جديد في الدوري عام 1948، على يد المدرب توم وايتكر، الذي شهد عهده فوز النادي بلقب الكأس عام 1950، والدوري مجددًا عام 1953.
عام 1970، شهد إحراز أرسنال لقبهم الأول خارج إنجلترا، من خلال الفوز بنهائي كأس المعارض الأوروبية على حساب أندرلخت البلجيكي بنتيجة 4-3، وذلك بفضل المدرب بيرتي مي، الذي قاد النادي إلى تحقيق ثنائية الدوري والكأس عام 1971، مع نجوم كجون رادفورد، فرانك ماكلنتوك، وراي كينيدي، ومن ثم دافيد أوليري، الذي يعد اللاعب الأكثر مشاركةً في تاريخ المدفعجية بـ 722 مباراة.
خلا العقدان التاليان في تاريخ أرسنال من أية ألقاب، باستثناء لقب وحيد في الكأس المحلي عام 1979، حتى جاء المدرب الاسكتلندي جورج غراهام، واستطاع عبر تشكيلة غنية بالمواهب الرائعة، كتوني أدامس، أيان رايت، لي ديكسون، راي بارلور، والحارس دافيد سيمان، إعادة المدفعجية إلى سكة البطولات، من خلال إحراز لقبين في الدوري عامي 1989 و1991، ولقب في الكأس عام 1993، ولقبين في كأس الرابطة عامي 1987 و1993، إضافةً إلى كأس أبطال الكؤوس الأوروبية، الذي أحرزه النادي اللندني عام 1994، بفوزه في النهائي على بارما الإيطالي بنتيجة 1-0.
أرسين فينغر والعصر الذهبي
فينغر في آخر تتويجٍ لفريقه بلقب الدوري الإنجليزي عام 2004
في سبتمبر 1996، وصل الفرنسي أرسين فينغر إلى العاصمة لندن ليتولى دفة تدريب أرسنال، خلفًا للاسكتلندي بروس ريوش الذي أقيل بعد موسمٍ واحدٍ فشل خلاله بتكرار نجاحات سلفه غراهام، فأخذ المدرب ذو الـ 47 عامًا على عاتقه مهمة إعادة بريق المدفعجية، من خلال استخدامه تكتيكات لعبٍ مبتكرةٍ وجديدةٍ على الكرة الإنجليزية، استقاها من تجربته السابقة في تدريب نادي موناكو، الذي قاده لإحراز لقبي الدوري والكأس الفرنسيين.
ولم يدم انتظار محبي الغانرز طويلًا، حيث عاد الفريق إلى اعتلاء منصات التتويج في الموسم الثاني لفينغر معهم، من خلال الفوز بلقبي الدوري والكأس المحليين عام 1998، لتكون فاتحة حقبةٍ ذهبيةٍ في تاريخ النادي امتدت زهاء 6 أعوام، أدمن خلالها المدفعجية على المنافسة بقوةٍ في البريمير ليغ، ولم يحرمهم من إحراز لقبه في المواسم الـ 3 التالية سوى تألق فريق الشياطين الحمر مانشستر يونايتد تحت قيادة عراب أمجادهم السير أليكس فيرغسون، ومع ذلك كرر أبناء فينغر فوزهم بثنائية الدوري والكأس عام 2002، والكأس عام 2003، قبل أن يبلغ الفريق ذروة مجده موسم 2003-2004، حين أحرز لقب الدوري بعد أن أنهى مبارياته الـ 38 دون تلقي أية هزيمة، في إنجازٍ يُسطر للمرة الأولى في تاريخ الدوري الإنجليزي والدوريات الأوروبية الكبرى.
وفي الموسمين التاليين، ورغم إحرازه لقب الكأس عام 2005، وبلوغه نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2006، حين خسر أمام برشلونة بنتيجة 1-2، إلا أن بريق الغانرز بدأ يخفت، وعقد لآلئ جيله الذهبي بدأ ينفرط، فغادر نجوم صنعوا ربيع أرسنال، كباتريك فييرا، دينيس بيركامب، روبير بيرس، سول كامبل، فريدي ليونبيرغ، وأخيرًا الغزال الفرنسي الأسمر تيري هنري هداف الغانرز عبر العصور، الذي فضل الانتقال إلى برشلونة عام 2007.
لماذا يتكرر الفشل؟
من مباريات أرسنال مطلع الموسم الحالي
في العقد الأخير، لم ينجح أرسنال تحت قيادة فينغر في إحراز ما هو أفضل من لقب الكأس المحلي عامي 2014 و2015، دون أن يتمكن من تكرار نجاحاته في البريمير ليغ، حيث اكتفى بإنهاء المواسم الـ 10 الماضية مراوحًا بين المركزين الثالث والرابع، وهو ما يبدو قريبًا من تكراره هذا الموسم، وكذلك الأمر بالنسبة للشامبيونز ليغ، الذي فشل الفريق هذا العام في تجاوز دوره ثمن النهائي للمرة السادسة تواليًا، ليقفز إلى الأذهان من جديد، تساؤل أنصار الغانرز عن جدوى بقاء فينغر مدربًا للفريق رغم توالي الإخفاقات، والتي نلخص أسبابها بالنقاط الـ 5 التالية:
الفكر التدريبي:ليس لأحدٍ بأن يشكك في كفاءة فينغر وفكره التدريبي الرفيع، الذي غير بواسطته وجه البريمير ليغ على مدى عقدٍ من الزمان، ولكن كرة القدم تتسم بالتجدد، شأنها شأن جميع مفاصل الحياة، وما كان مبهرًا قبل 20 عامًا لم يعد كذلك الآن! وعليه فإن أرسنال بات بحاجةٍ ملحةٍ إلى فكرٍ تدريبيٍ عصريٍ يواكب مستجدات الكرة.
غياب عقلية الفوز:ألقت العقلية التجارية لمدراء النادي بظلالها على الفريق ككل، فأصبح تحقيق المكاسب المالية كافيًا للشعور بالرضى بغض النظر عن سُمعة الفريق الكروية! وانتقل ذلك الشعور إلى اللاعبين، فافتقدوا إلى الحماس وروح التحدي، واعتادوا على التراخي أواخر كل موسمٍ بمجرد بلوغ الحد الأدنى المطلوب من الإدارة، وهو إنهاء الموسم ضمن المراكز الـ 4 الأولى.
افتقاد اللاعب القائد: لا تكمن مشكلة الفريق الحالي في افتقاده إلى اللاعبين النجوم، فأسماء كمسعود أوزيل، أليكسيس سانشيز، سانتي كازورلا، بيتر تشيك، لوران كوسيلني، هيكتور بيليرين، آرون رامسي، تيو والكوت، وأوليفيه جيرو، كافيةٌ تمامًا لتحقيق البطولات، ولكن مع وجود قائدٍ مُلهمٍ في الملعب، يتحلى بروح المسؤولية ويحظى بالكلمة المسموعة، على غرار قادة الفريق السابقين: توني أدامس، باتريك فييرا، وتيري هنري.
قوة المنافسين: لا شك في أن تدفق الأموال ودخول كبار التُجار والمستثمرين عالم كرة القدم، غير وجه اللعبة في إنجلترا والعالم، فأتى بمنافسين جدد لم يكونوا بالحسبان، كمانشستر سيتي وتشيلسي الذين استطاعا اقتحام عالم البطولات من بابه الواسع، مستفيدين من ثروات مالكيهم الجدد، التي تسببت في ارتفاع أسعار انتقالات اللاعبين بشكلٍ جنوني، مما أثر بالسلب على بقية الأندية المنافسة.
أسبابٌ أخرى: كازدحام جدول المنافسات المحلية الذي اشتكى منه أغلب مدربي الفرق الكبرى في إنجلترا، وكثرة الإصابات المزمنة في صفوف الفريق والذي تجلى هذا الموسم في إصابتي كازورلا وويلشير المؤثرتين، وكذلك ضعف دكة البدلاء وعدم قدرتها على تعويض غيابات التشكيلة الأساسية، وآخر الأسباب تكمن في الأداء الدفاعي للفريق، والذي شكل صداعًا مزمنًا لأنصاره على مدى السنوات الماضية.