(… اكتملت أمامي الخلطة السحرية: غضب شعبي، وأموال، وسلاح، وأجنحة في السلطة، وأحاديث مرسلة عن إطاحة لنظام قوي يرتكز على مؤسسات أمنية راسخة..! لكن شيئًا ما يظل ناقصًا في هذه السيناريوهات المتداولة: من يجرؤ على هذا؟ وما هي الأجنحة التي يمكنها المشاركة في إطاحة رئيس من نسيج النظام المهيمن؟ وهل يمكن أن تتورط أجهزة الدولة أو رجال أعمالها في هذا التغيير (سواء كان اسمه ثورة أو انقلاب)؟ وهل هناك ترتيبات إقليمية أو دولية تساعد في تحقيق ذلك؟ وما حقيقة مصالح القوى الخارجية المستفيدة من هذا التغيير المحلي؟ وهل هذا التغيير هو الثمرة الطبيعية لتزايد الضغوط الدولية على نظام السيسي؟!)، بهذه القذائف الاستفهامية الموجهة صوب مرمى نظام السيسي استهل الكاتب الصحفي علي الجمل، مقاله بجريدة “المصري اليوم” والمعنون بـ “عن خطة الإطاحة بالسيسي” والذي طرح فيه على مائدة الحوار سيناريوهات إسقاط النظام، لاسيما بعدما تحولت مطالب المعارضين له من مجرد شعارات جوفاء لا تخرج عن كونها أحلام وأمنيات تداعب أخيلة من يرفعونها، إلى واقع ملموس تتسع أرضيته يومًا بعد يوم، في ظل خطاب سادي أنوي لا يبالي بأنّات المواطنين ولا همومهم المتناثرة على جسد الوطن المهلهلة، والتي باتت قصعة مستباحة للقاصي والداني.
“الشعب يريد إسقاط النظام” هذا الشعار الذي ولد من رحم الظلم والقهر وانسداد شرايين الأمل في قدرة النظام الحالي على إحداث التغيير المنشود، هاهو يظهر للنور من جديد خلال مظاهرات “جمعة الأرض” في منتصف الشهر الجاري، بعد غياب دام عدة شهور، لكن يبقى السؤال: هل من الممكن أن يتحول هذا الشعار إلى فرضية واقعية قابلة للتحقيق في ظل إحكام الدولة سيطرتها الأمنية على شتى منافذ التحرك الجماهيري؟ ثم يبقى السؤال الأكثر أهمية حسبما أشار علي الجمل في مقاله: من يجرؤ على هذا؟!
إسقاط النظام بين قلق المقربين وإرهاب المواطنين
من يتابع المشهد عن كثب خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، يجد أن هناك حالة من القلق والترقب من حدوث أمر ما، تسيطر على فريق المؤيدين للسيسي ونظامه، وهو ما تجسد في التصريحات التي خرجت عن عدد من المقربين لهذا النظام، والتي عزفت في معظمها على وتر “ترهيب” الشعب من الاقتراب من خط “إسقاط النظام” كونه المقوم الأخير لبناء الدولة، وفي سقوطه انهيار كامل لما تبقى من الوطن.
الإعلامي عماد أديب، في تصريحات له مؤخرًا طالب المؤسسة العسكرية بتوخي الحذر حيال اتساع رقعة الاحتجاج ضد نظام السيسي، مشيرًا أن توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية والتي حصلت بمقتضاها الرياض على جزيرتي تيران وصنافير، فضلاً عن عقد صفقة التسليح مع فرنسا مؤخرًا بالمليارات في الوقت الذي يعاني فيه المواطن جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد، دون الإعلان عنهما للشعب والتشاور معه وإشراكه في هذه الأمور، زاد من معدل السخط الشعبي، وباتت الاحتجاجات ظاهرة يومية على عكس المعتاد، فضلاً عن خروج شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” من جديد، وهو مؤشر خطير للغاية.
أما الدكتور فاروق الباز، عضو المجلس الاستشاري العلمي لرئاسة الجمهورية، فقد جدد رفضه للدعوات التي يطلقها بعض الشباب لإسقاط النظام الحالي، قائلاً: “البديل هو خراب وضياع مصر لمئات السنين”.
وأضاف الباز العازف دومًا على وتر كل الأنظمة “لا يجوز إسقاط النظام مهما كانت عيوبه؛ لأنه إذا حدث ذلك هنروح كلنا في ستين داهية”، موضحًا أن الموقف السليم هو محاولة نصح القائمين على السلطة، وتصحيح مسارهم والعمل على نقدهم بشكل موضوعي.
وشاركهما الرأي والترهيب، الدكتور سعيد عكاشة، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي أكد أن رد الفعل الجماهيري حيال جريمة تسليم تيران وصنافير للسعودية، هدفه إسقاط النظام، وأن بعض الخونة شاركوا في مظاهرات جمعة الأرض، ولكن ليس جميع معارضي تسليم الجزيرتين خونة.
وأوضح أن المشاركين في جمعة الأرض منهم من هو ضد أية سلطة، ويعشقون الفوضى، وهناك فئة أخرى من الاشتراكيين الثوريين نزلوا لإسقاط شرعية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهناك فئة ثالثة لديها خصومة مع السعودية، ويرون أن الوهابية غزت مصر، وفئة رابعة شاركت لرغبتها في إسقاط قانون التظاهر، ولديهم رغبة في التمرد على فكرة الحاكم.
وحين يذكر الترهيب والتخوين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغيب عن المشهد الإعلامي أحمد موسى، والذي سخّر كل ما أوتي به من حنجرة عالية وصوت أجش لتخوين المشاركين في التظاهرات الأخيرة والتي طالبت بإسقاط النظام، حيث نعتهم جميعا بعدد من الصفات، من عينة “الشذوذ” و “الخونة”، والتي لا تخرج إلا من شخص بحجم وقيمة موسى.
الإعلامي المرافق للرئيس في كل زياراته وتحركاته، حذر من أن أي محاولة لإسقاط النظام ستعيد مصر إلى الوراء مئات السنين، مؤكدًا أن الدولة كانت رحيمة بالمتظاهرين وفضلت عدم التعامل معهم بالرصاص الحي، مناشدًا الأمن بسرعة ضبط المشاركين في “جمعة الأرض”، وكل من ينتوي المشاركة في تظاهرات 25 أبريل القادمة.
تيران وصنافير.. والقشة التي ستقصم الظهر
بالرغم من انبعاث روائح السقوط المدوي لحكومة السيسي ونظامه من كل حدب وصوب، إلا أن البعض تعامل معها على أنها مؤامرات داخلية خارجية لتهديد الأمن والاستقرار المصري، وهو ما يتطلب الوقوف صفًا واحدًا وتحمل تبعات المرحلة الحالية لعبور هذه الأزمة، حتى بعد التوقيع بالموافقة على بناء سد النهضة وما يحمله من كارثة تهدد مصر بالجفاف، سخّر الإعلام كل أبواقه لتسكين الغضب الشعبي وإيهامه أن الاتفاقية تصب في صالح مصر وتضمن لها حصتها من مياه النيل، إلى أن جاءت الفضيحة المدوية.
تسليم جزيرتي تيران و صنافير المصريتين للسعودية بتوقيع عبدالفتاح السيسي فتحت النار على النظام الذي استقر في وجدانه أنه بمأمن عن أي غضب شعبي في ظل آلة إعلامية تعزف ليل نهار على أوتار الإنجازات المتتالية لدولة ما بعد 30 يونيو، فضلاً عن عبقرية النظام الحالي في تجنيب مصر الوقوع في المستنقع السوري أو الليبي أو العراقي واليمني.
العديد من الأصوات الرافضة لقرار تقسيم الحدود بين مصر والسعودية شنت حربًا شعواءً ضد السيسي، واتهمته بالتفريط في تراب الوطن، وهو ما ساهم في ارتفاع نبرة المعارضة القاسية – أحيانُا – ضد الرئيس وحكومته بسبب هذا القرار الذي نعته البعض بـ “الخطيئة الاستراتيجية”.
قطاع عريض من جناح المؤيدين للسيسي انقلب عليه جراء هذه الجريمة، إعلاميون وسياسيون ومثقفون، وفجأة خسر الفريق الموالي للنظام الحالي جزءًا كبيرًا من مؤيديه الأوفياء، ممن كانوا بالأمس يتغنون به وبوطنيته وحفاظه على كل ذرة من تراب هذا الوطن.
النظام الذي تهزه سهام المعارضة ولو كانت غير مسنونة، انتفض بكل ما لديه من أذرع لمحاربة كل من تسول له نفسه أن يتجرأ ويدافع عن أرضه وعرضه، ونجحت كتائب الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في الكشف عن المستور في ملف كل معارض لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وما حدث مع يوسف الحسيني أحد أبرز “الطبّالين” لنظام السيسي ليس ببعيد.
الحسيني المرشح لتولي منصب المحافظ بإحدى محافظات القناة، وأحد المقربين المدللين من قبل الرئيس، هاهو اليوم يتم الإطاحة به بعد نشر فيديو له على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف عن فضيحة جنسيه له مع شقيقتين، فضلاً عن فصله من قناة “أون تي في” التي كان يعمل بها والمملوكة لرجل الأعمال نجيب ساويرس.
التضحية بالحسيني لم تكن من قبيل الثأر للشرف أو الانتصار للضمير الأخلاقي لدى قناة ساويرس، لكنها “قرصة ودن” كما نعتها البعض بسبب تجاوزه للخطوط الحمراء في حديثه عن السيسي عقب توقيع الاتفاقية مع الرياض، حيث وصف السيسي بـ “العار” على الوطن.
الحسيني لم يكن الأول ولن يكون الأخير الذي يقلِم النظام أظافره جراء الخروج عن النص، فقد سبقه كوكبة من المخلصين لدولة 30 يونيو، وأشهر العازفين على وترها، في مقدمتهم، ريم ماجد، يسري فوده، محمود سعد وتوفيق عكاشة.
ثم جاء رد الفعل الأمريكي حيال تظاهرات “جمعة الأرض” لتضع العديد من علامات الاستفهام حول ما تحمله الأيام المقبلة في عمر نظام السيسي، حيث جاء بيان البيت الأبيض الذي أكد متابعة واشنطن لردود الفعل الشعبية الغاضبة في مصر، بما يعيد المشهد إلى أجواء 25 يناير 2011، فهل يعيد التاريخ نفسه؟ وكما كان التخلي عن الكرامة وحقوق المواطن المصري في سجون حبيب العادلي هي شرارة الثورة، هل يكون التنازل عن تراب الوطن القشة التي ستقصم ظهر البعير وتأذن بميلاد حالة ثورية جديدة؟
صراع الأجنحة في الدولة العميقة
تحت عنوان “الصراع على النفوذ”، أكد الكاتب الناصري عبد الله السناوي، في مقالة له على صدر صحيفة “الشروق”، أن صراعات النفوذ من طبيعة النظم السياسية بغض النظر عن مدى التزامها بالقواعد الحديثة، وطالما تعددت المؤسسات العامة والأجهزة الأمنية ومراكز صنع القرار فإنه لا يمكن استبعاد هذه الصراعات.
غير أن هناك فارقًا جوهريًا بين صراع منضبط على قواعد يصعب تجاوزها دون حساب وصراع مفتوح على كل تفلت بلا قيود، وما يجرى في مصر الآن ينتسب إلى النوع الأخير من صراعات النفوذ.
في غياب السياسة تقدم الأمن لملء الفراغ واكتسب نفوذًا يتجاوز مهمته وتحولت إدارات الدولة إلى ما يقارب إقطاعيات المماليك دون سياسات تحكم التصرفات، كما نشأت مراكز قوى جديدة تضم بعض الأمن وبعض الإعلام وبعض رجال الأعمال اتسع نفوذها بغير سند دستوري في صناعة القرار والتحكم في التوجهات العامة.
واختتم السناوي مقاله بـ “بيقين فإن مصر تشهد أسوأ أنواع صراعات النفوذ بالقياس على أية مراحل أخرى في التاريخ المصري الحديث”.
وبالرغم من التشكيك المتواصل والنفي المستمر لما يتردد من معلومات بشأن صراع الأجنحة داخل أجهزة الدولة، إلا أن الكثير من الشواهد الأخيرة أكدت أن هناك صراعًا بالفعل داخل المؤسسات السيادية وبين بعضها البعض، بما يعزز وجهة النظر التي تدعم جود انقسام في السلطة العليا بين السيسي والدائرة الأمنية القوية التي تحيط به من جهة، وبقية مؤسسات الدولة العميقة من جهة أخرى.
هذه المعلومات تعامل معها البعض كونها انعكاسًا لأحلام فرد أو جماعة صعبة التحقق في سيناريوهات ذهنية يقنعون أنفسهم بها، ويصدقونها، ثم يبدأون في ترديدها، وانتظار حصولها بالفعل، بينما اعتبرها البعض جرس إنذار دقته عدد من الأحداث المتتالية كان في مقدمتها إقالة أحمد الزند وزير العدل السابق، والذي تمت الإطاحة به بعدما شعر النظام أنه بات مركز قوى لا يمكن تحمله، لذا وجب التخلص منه، أما بخصوص تصريحاته المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلم تكن سوى مبررات ظاهرية جماهيرية لتبرير الإطاحة.
وفي السادس من مارس الماضي، خرج وزير الداخلية المصري “مجدي عبد الغفار” ليوجه اتهامًا صريحًا لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالتورط في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات في يونيو العام الماضي، وتوقع محللون أن تشهد الأيام التالية تصعيدًا مصريًا ضد حماس قد يصل إلى مستويات غير مسبوقة.
لكن بعد أقل من أسبوع، وصل وفد من حركة حماس إلى القاهرة للقاء مسؤولين في المخابرات العامة المصرية، وصدرت تصريحات تؤكد قوة العلاقة بين الطرفين والرغبة في فتح صفحة جديدة.
هذه الزيارة فتحت الباب واسعًا أمام الحديث عن وجود “صراع” بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في مصر، خاصة أن ذلك يتسق مع تصريحات محمود الزهار، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، التي قال فيها إن اتهام الحركة بالتورط في اغتيال النائب العام يقتصر على وزارة الداخلية، لكنه “ليس رأي كل الأجهزة الأمنية في مصر”، مثل جهاز المخابرات العامة والمخابرات الحربية.
ثم جاءت حادثة مقتل الطالب الإيطالي “جوليو ريجيني” بالقاهرة بعد تعرضه للتعذيب، لتكشف النقاب عن فحوى هذا الصراع داخل مؤسسات الدولة، لاسيما وأن ما حدث للطالب الإيطالي والكشف عن مقتله وتسريب بعض المقاطع الصوتية التي تؤكد تورط الأجهزة الأمنية في مقتله يقف وراءه صراع الأجهزة في مصر.
ويبقى السؤال: من يجرؤ؟
جسدت تلك الشواهد والأحداث المتلاحقة أن هناك شيء ما يحاك ويدبر ضد النظام الحالي، وأن الأرض باتت ممهدة لسقوطه بالرغم من السيطرة الأمنية المحكمة، لكن يبقى السؤال: من يجرؤ على القيام بهذه الخطوة؟ ومن يمتلك الكاريزما السياسية القادرة على تحريك المياه الراكدة من تحت أقدام دولة السيسي؟
شفيق…الحالم بالكرسي هل يعود للمشهد؟
يتصدر اسم الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسي الخاسر، والهارب إلى الإمارات منذ الإطاحة به في انتخابات 2012، قائمة الشخصيات البديلة المرشحة لقيادة الدفة حال الإطاحة بالسيسي، وبالرغم من انقسام الآراء حول شخصيته، حيث هناك من استبعده تمامًا، وهناك من أكد وجود دور قوي له، وهناك من وقف في المنتصف واعتبره مجرد ممثل لجناح في الدولة العميقة التي اتفقت على إطاحة الرئيس لامتصاص غضب الشارع، إلا أنه لا يمكن إسقاط اسمه من قائمة “دكة البدلاء”.
شفيق طالما لوح برغبته في تصدر المشهد، وعبر عن ذلك في مواقف كثيره كان أبرزها تصريحاته عقب الإطاحة بمرسي في 3 يوليو، والتي قال فيها: “أنا أول واحد دعم ثورة 30 يونيو، وخذلوني وتأثرت جدًا لما مقالوليش اتفضل في 3 يونيو، كان يجب أشارك في هذا المهرجان، وأجهزة المخابرات تعلم أنا عملت إيه طوال فترة حكم الإخوان، كل حاجة واضحة، وياريت لما نطلق الحريات تبقى للجميع دون تفرقة”.
بالرغم من تصريحات المرشح الرئاسي الخاسر والتي أيد فيها السيسي ونظامه، إلا أن الواقع يشير لعكس ذلك تمامًا، فلا زال الأمل في دخول قصر الاتحادية يداعب خيال الفريق، فهل يكون شفيق هو البديل، لاسيما ولديه قطاع عريض من المؤيدين من بقايا دولة مبارك، وحزمة رجال الأعمال التي لم تجد بينها وبين السيسي “عمار”؟
صباحي…حلم الزعامة الناصري
كما يأتي حمدين صباحي، المرشح الرئاسي الخاسر أيضًا، في قائمة الأسماء البديلة المطروحة على الساحة السياسية، لاسيما بعد تسويق نفسه من جديد كـ “ناصر” العصر، المدافع عن تراب أرضه وعرض بلاده، من خلال البلاغ المقدم منه والذي يختصم فيه السيسي ورئيس الحكومة بشأن التنازل عن الجزيرتين.
صباحي الذي أيد السيسي ودافع عنه – رغمًا عنه – نكاية في الإسلاميين وحفاظًا على حياته، هاهو اليوم يبحث لنفسه عن دور جديد، بعدما استشعر بالبساط يسحب من تحت أقدام النظام الحالي.
الصحفي والسياسي المعارض استغل خطيئة السيسي الاستراتيجية في اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية ليعيد اكتشاف ذاته مدعومًا بالناصريين الذين انقلبوا على النظام الحالي، وهو الذي قدم منذ أيام أطروحة “البديل” كأرضية مشتركة للجميع لبحث مرحلة ما بعد السيسي، حتى وإن لم يعلن عنها صراحة.
فهل يفقد السيسي – بتخلي الناصريين عنه – أحد أبرز دعائم نظامه، ويصبح الكرسي في مهب الريح؟ وهل يمتلك صباحي الأصابع الأطول لالتقاط الكرسي وتحقيق حلم الزعامة؟
خالد علي ..ثوب المناضل العمالي
2224 وقفة احتجاجية خلال عام 2014، و1117 احتجاجًا وفصل 1300 واعتقال 70 ومقتل 54 عاملاً و15 ألف قضية بالمحاكم خلال 2015، كفيلة بأن تجعل من خالد علي، المرشح الرئاسي السابق، مناضلاً قوميًا وبطلاً شعبيًا، وهو الذي دومًا ما دعم هذه الوقفات ودافع عن حقوق العمال المهدرة، فضلاً عن قيامه بالدفاع عن المئات من العمال المفصولين في المحاكم وساحات القضاء دون أن يتقاضى على ذلك أجرًا.
المناضل العمالي الذي رُفع على الأعناق في تظاهرات “جمعة الأرض” والذي اتهمته أجهزة الدولة بالتحريض على قلب نظام الحكم ومحاولة إثارة البلبلة والتظاهر بدون ترخيص، بات فيما بين غمضة عين وانتباهتها، أيقونة الثورة لدى قطاع العمال في محافظات مصر ومدنها.
لا يخفى على أحد أن حلم المحامي والحقوقي خالد علي والذي رفع شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” في جمعة الأرض، برئاسة الدولة لازال يداعب خياله وأحلامه، حتى وإن حصر نفسه مؤخرًا في بوتقة العمال ومشاكلهم وفقط.
خالد علي المدعوم بالعمال وهم قوة لا يستهان بها إذ تتجاوز أعدادهم الـ 6 ملايين، فضلاً عن تأييده من قِبل حركة “6 أبريل” و”الاشتراكيين الثوريين”، قد تكون فرصته في أن يكون “البديل” ضعيفة، لكنها تبقى قائمة في ظل كفر قطاع عريض من الشعب بحكم الأنظمة الثلاث السابقة، فضلاً عن كونه أحد الأسماء المطروحة على الساحة الدولية لخلافة السيسي وهو ما تجسد في اختياره ضمن الوفد الذي قابل الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة لمصر منذ يومين، فهل يكون “المناضل العمالي” قبلة الثوار الجديدة؟
هل يعي الإسلاميون الدرس؟
بعد فشل تجربة الإسلاميين في إدارة شؤون البلاد خلال عام حكمهم، وسواء كان الفشل من الداخل أو عبر مؤامرة نسجت خيوطها بدقة متناهية، فضلاً عن نجاح الآلة الإعلامية للثورة المضادة في إحداث الوقيعة بين الشعب والإسلاميين، يبدو أن فرص تصدرهم للمشهد ضعيفة حتى في حال سقوط نظام السيسي، وهو ما يجب أن يعيه الإسلاميون جيدًا.
الإسلاميون بحاجة إلى فترة نقاهة سياسية، يراجعون فيها العديد من الأفكار والاستراتيجيات والخطط الخاصة بهم، حتى يقدموا أنفسهم للشعب في ثوب جديد، من خلال فكر مختلف ومنظومة إعلامية فعّالة، أما لو اغتر الإسلاميون بفراغ المشهد كما كان الحال عقب الإطاحة بمبارك، وسارعوا من أجل استعادة حكمهم مرة أخرى، ربما تكون هي النهاية التي لا يمكن أن تستتبعها بداية قط.
على الإسلاميين أن يقرأوا المشهد جيدًا، وأن يرجعوا خطوة للوراء خارج الإطار حتى يتمكنوا من فك طلاسم الخريطة السياسية والمجتمعية الحالية، حتى إن عادوا، عادوا بقوة وشمولية تفتت أي مؤامرات تحاك ضدهم، داخلية كانت أو خارجية، فهل يعي الإسلاميون الدرس؟