“قتلوه كما لو كان مصريًا” بهذه الكلمات وصفت أم الطالب الإيطالي ريجيني الطريقة الوحشية التي قُتل بها فلذة كبدها على يد أجهزة المخابرات المصرية، ريجيني تم تعذيبه بقسوة من قِبل تلك الأجهزة قبل أن يفارق الحياة مطلع فبراير الماضي.
ليست مؤلمة فحسب هذه الجملة، لا يبعث على القهر فقط هذا التعبير، لا تدل على مستوى دونية المواطن المصري في نظر حاكميه فقط، ليست خانقة أو مؤلمة أو مقززة فقط، لا أبالغ إن قلت إنها الجملة الأسوأ على الإطلاق فيما يخص المشهد الحالي في العالم العربي، ليس لصدقها ودقيق وصفها فحسب، بل لأنها الأنسب في تعريف شعب يحكمه ديكتاتور، يبدو أن أم ريجيني تعلم جيدًا أن الديكتاتور لا يرى شعبه كغيره من الآدميين، باختصار هو لا يرى أن محكوميه بشر، هو على يقين أن “القطعان” الذين يحكمهم هم أناس أقل آدمية، بل منزوعي قدرًا كبيرًا من مواصفات الجبلَّة التي جبلهم الله تعالى عليها، إن لم يكونوا معدوميها.
قتلوه كما لو كان مصريًا، لأن الزعيم الملهم في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بالرئيس الفرنسي قبل يومين قال إن مبادئ الديمقراطية التي تناسب آدمية شعوبكم لا تناسب شعوبنا البتة، الشعوب التي أفقدناها آدميتها تحت حجج أمنية قهرية واهية، فتارة “البلد بتضيع” وتارة “مش أحسن ما نكون سوريا والعراق” وتارة أخرى “أنا معطيتش الإذن لحد إنه يتكلم” هذه العبارة التي كما قال أحد الكتاب إنها تختصر المشهد الحالي في مصر إلى حد كبير.
أي آدمية بقت في مصر بعد التصريح بوضوح “أنتوا مين” الذي جاء أكثر من مرة على لسان فرعون، كلاكيت القرن الواحد والعشرين، أي آدمية بقت في مصر بعد أن سجَن أربعين ألف معارض لمجرد أنهم رفعوا لافتة كتبوا عليها “لا”، أي آدمية بقت في مصر بعد أن دِيست براءة إسراء الطويل بالبساطير، أي آدمية بقت في مصر بعد أن تناثرت دماء المئات من “الورد اللي فتَّح في جناين مصر” في كل شوارعها، في شوارع مصر التي كانت محروسة.
قتلوه كما لو كان مصريًا، وكأن ثقافة الدم الرخيص صارت تلازمكم يا أبناء مصر كما لازمت الشعوب التي حكمها ستالين وبيونشيه وتشاوسيسكو وما زالت تحكمها عائلة الأسد، قتلوه كما لو كان مصريًا، وكأنها الدونية التي ما فتئت تطال شعوبنا العربية منذ منتصف القرن الماضي، بعد أن قطع مستعمرونا على أنفسهم عهدًا أنهم لن يخرجوا منها إلا إذا استأمنوا من يخلفونهم على مواصلة إلغاء آدميتنا، وكأن مفاهيم الآدمية والحرية والعدالة الاجتماعية قد خلقت لهم دون غيرهم، فهم في فسحة وراحة واستقرار ما دمنا تابعين مسحوقين، هم في رخاء ما دمنا لا آدميين، لم يقتلوه كما لو كان مصريًا فقط، بل قتلوه كما لو كان سوريًا، كما لو كان يمنيًا أو ليبيًا أو عراقيًا، باختصار قتلوه كما لو كان عربيًا.