في الأسبوع الماضي، خصص تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) 25 صفحة من مجلة “دابق” التي تنطق باسمه، وتعبر عن مواقفه، للتنديد بجماعة الإخوان المسلمين، وتكفيرها. في توصيف لـ”دين الإخوان المسلمين” على أنه مزيج من تعاليم وطقوس الديمقراطية والليبرالية واللاعنفية والاشتراكية “المستوردة من المشركين في الغرب والشرق”، قالت داعش عن الإخوان: “خلال العقود القليلة الماضية، ظهر سرطان مدمر أخذ في التكاثر والانتشار سعيا منه لإغراق الأمة بأسرها في الكفر”.
استند هجوم داعش على الإخوان المرتدين على أساسين: أما الأول فهو اللقاء بالطغاة من مثل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، والحفاظ على علاقة بالشيعة من خلال حركة حماس. وأما الثاني، وهو الأكثر إثارة للاهتمام، فهو اتهام الإخوان المسلمين بالوقوع في خطيئة الديمقراطية، التي تعتبرها داعش “دينا يهب السلطة العليا للشعب بدلا من الله”.
تقول دابق عن الديمقراطية: “فيها يتوزع حق التشريع بين البشر الذين يمكنون بذلك من تحديد أي القوانين هي الأنسب، لكي يحكم بها الناس في الأرض. فإذا قررت الأغلبية أن اللواط مشروع، فإنه يصبح مباحا، رغم أنه يناقض شريعة الله”.
في اليوم ذاته الذي صدر فيه ذلك العدد من مجلة “دابق”، أعلن الأردن إغلاق المقر الرئيس للإخوان المسلمين في عمّان، مع ستة مكاتب أخرى، ومنع الجماعة من إجراء انتخاباتها الداخلية.
وبذلك، يكون قد أعلن عن بدء موسم مفتوح لملاحقة الجماعة. وسواء كان المتربصون بها من الجهاديين السلفيين، أو كان ذلك ملك الأردن، أو رئيس مصر، أو حتى دافيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، فإن الأثر التي تخلفه جهود هؤلاء جميعا هو واحد.
إذا ما أخذنا بالاعتبار أن ثلث الناخبين العرب سيصوتون لمرشحين يمثلون الإسلام السياسي في أي انتخابات حرة ونزيهة تجري، فهذا يعني أن هذا الجهد المشترك إنما يستهدف إقصاء أكبر حركة سياسية في المنطقة.
الحجة التي تم اللجوء إليها لممارسة القمع ضد الجماعة في الأردن، هي وجود فئة منشقة مرخصة باسم جمعية الإخوان المسلمين، رغم أن الكيان الأكبر من الأعضاء مازال يتبع الجماعة القديمة.
بدلا من القيام بعمل فوضوي قذر مثل قتل ثلاثة آلاف متظاهر في شوارع القاهرة والإسكندرية، أو زج ما يزيد عن أربعين ألفا من السجناء السياسيين في المعتقلات، اختار الأردن إزهاق حياة الإخوان المسلمين من خلال تفتيت جماعتهم.
هذه خطوة جريئة، أخذا بالاعتبار أن الإخوان المسلمين هم أكبر حركة سياسية في الأردن. فالجماعة تقريبا من عمر الدولة نفسها. تقدم الحكومة بذلك على إبطال وضع قانوني يعود إلى قرار وزاري اتخذ في عام 1946.
تتوقع قناة اليرموك الفضائية، القريبة من الإخوان، أن تتوقف عن البث من عمّان، وأن تنتقل إلى الخارج. عملية إنهاء وجود الإخوان في الأردن تتم من خلال وضع أختام بالشمع الأحمر، تصب في أقفال الأبواب، بدلا من استخدام الرصاص، ومع ذلك، فالأثر حتى الآن لا يقل جسامة.
انقسم المراقبون إزاء التحركات الأردنية الأخيرة ضد الجماعة، فبعضهم يرى بأن الانشقاقات داخل الإخوان هي قضية داخلية، ويقولون إن تحركات الحكومة لها هدف واحد، هو إقناع الإخوان بالمشاركة في الانتخابات التشريعية، التي ستجرى في مطلع العام المقبل.
ويشير البعض إلى الأثر المتراكم لتزوير الانتخابات في الأردن على الإخوان، الذين لم يفوزوا في عام 2007 في الانتخابات النيابية إلا بستة مقاعد من أصل 110، وكان الرأي حينها أن الانتخابات تعرّضت لتزوير سافر. كان بعض المرشحين من خلال مراقبة عملية عد الأصوات على يقين تام بأنهم فازوا، ولكنهم صحوا في اليوم التالي من نومهم، ليكتشفوا بأنهم خسروا.
قبيل انتخابات نوفمبر 2010، كتب محمد أبو رمان يقول: “من المفارقة أن الدفع باتجاه المقاطعة هذا العام جاءت من قبل أولئك الذين يسمون الحمائم أو الإصلاحيون المعتدلون، الذين كانوا قد دفعوا باتجاه المشاركة في انتخابات 2007 (وذلك بالرغم من التزوير الذي حصل في الانتخابات البلدية التي أجريت في تلك السنة ذاتها) وشعرت بأن النتائج قد أحرقتها.
بالإضافة إلى ذلك، خابت آمال قيادات الإخوان بسبب قانون الانتخابات الجديد الذي كان قد أجيز في وقت مبكر من ذلك العام، الذي اعتبروه غير متوازن، ومنحازا لصالح الولاءات العشائرية، على حساب الأحزاب السياسية”.
والآن، نشهد عودة إلى النمط ذاته من التعامل. كلما ساير الإخوان لعبة الانتخابات في الأردن، انتهى الأمر إلى مجرد ديكور. ولكن هذا لا يعني أن الحركة ليست منقسمة بحدة بين الصقور والحمائم فيما يتعلق بقضية المقاطعة.
كتب الخبير في شؤون الإسلاميين في الأردن، حسن أبو هنية، يقول: “إن الدخول في العمل السياسي في بيئة سياسية شبه سلطوية، دفع جماعة الإخوان المسلمين إلى حالة من القلق والتوتر الداخلي والانقسام والصراع على الجماعة، فسياسات النظام تطالبها بمزيد من المشاركة السياسية وعدم المقاطعة، إلا أنها لا تضمن إجراءات نزيهة في الوصول إلى نتائج ديمقراطية، ولذلك، يتعالى الجدل بين المتشددين والمعتدلين حول جدوى العملية السياسية، وحدود الاعتدال والتشدد”.
ولربما كان هناك دافع آخر. فالأردن لطالما تصرف كما لو كان “صوتا لسيده”، الفرق الوحيد هذه المرة هو أن السيد لربما يكون قد تبدل.
تحركات الأردن ضد جماعة الإخوان المسلمين ترتبط بشكل وثيق بعلاقاته الأمنية مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
سجن الأردن مسؤولا رفيعا في الإخوان المسلمين هو زكي بني ارشيد، لمجرد أنه نشر في موقعه على “فيسبوك”، مقالا انتقد فيه الإمارات، لأنها صنفت الإخوان منظمة إرهابية. والجريمة التي ارتكبها هي “تعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية”.
جاءت التحركات ضد الإخوان المسلمين بعد اجتماع عقد في أبو ظبي بين الملك عبد الله وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان.
لا شك أن الدوافع تتباين. فتحت ضغط من محمد بن زايد، الذي هدد بإلغاء صفقة قيمتها ستة مليارات دولار لشراء طائرات مقاتلة من طراز “تايفون” من مؤسسة “بي إيه إي” البريطانية، وكذلك إلغاء صفقة نفطية مع شركة “بريتيش بيتروليام”، إذا لم تحظر بريطانيا جماعة الإخوان المسلمين، انصاع دافيد كاميرون له، وأمر بإجراء تحقيق سبب له على مدى ما يزيد من عامين الكثير من الصداع والاعتراضات القانونية.
أخفق التحقيق في إثبات أي علاقة بين جماعة الإخوان المسلمين في بريطانيا والأعمال التي يقوم بها مسلحون إسلاميون في مصر، وهو الأمر الذي كان جهاز المخابرات الخارجية MI6 قد استبعده من قبل، وانتهى المطاف بالمشروع كله أن يتمخض عن بيان مكتوب قدم لمجلس العموم، فيها ادعاء بأن العضوية في جماعة الإخوان أو الارتباط بها أو التأثر بها ينبغي أن يعدّ “مؤشرا محتملا على التطرف”.
واختتم بيان رئيس الوزراء بالادعاء أن “بعض جوانب الإخوان المسلمين.. تتناقض مع قيمنا، وتتناقض مع مصالحنا القومية، ومع أمننا القومي”.
تحت ضغط من اللوبي الخليجي ذاته، خطا أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأمريكي على الدرب ذاته أيضا. فقد أقرت في الشهر الماضي اللجنة القضائية التابعة للكونغرس، التي يهيمن عليها الجمهوريون، تشريعا يطالب الخارجية الأمريكية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين على أنها منظمة إرهابية.
داعش والدكتاتوريون العرب والغربيون الذين يساندونهم، أوجدوا معا نسختهم من دورة الوقود النووي المكتملة.
الإقصاء، والبطالة، وحكم العائلات الملكية الفاسدة، والنخب العسكرية التي تخدم ذاتها، كلها عوامل تغذي عملية التجنيد لصالح داعش.
وعود الثورة التي لم تتحقق، والوظائف في الحالة التونسية، دوافع لا تقل أهمية عن النظام البائد. وفي المقابل، يغذي إرهاب داعش الأنظمة السلطوية، ويعطيها ما تحتاج إليه من مبررات لكي تستمر في سلطويتها، التي تستمر بدورها في تلقي السلاح والمساعدات من القوى الغربية الداعمة لها.
وفي كل عام، يعلنون أن الشرق الأوسط بات أقل أهلية واستعدادا للديمقراطية، من العام الذي سبقه.
كل واحد من المتربصين بالإسلام السياسي لديه ما يخشاه منه، فعلى الرغم من أن الإسلام السياسي ليس القوة الوحيدة، إلا أنه بالتأكيد القوة الأمتن من الناحية العددية، وهو الأقدر على وقف هذه الرقصة المرحة ما بين الاضطهاد السياسي والإرهاب، ووضع حد لها.
في مواجهة جيل جديد من النشطاء السياسيين -إسلاميين وعلمانيين، تقذف بهم شوارع مصر إلى الصدارة- كان يجدر بالبراغماتيين داخل الجيش المصري، أن يدركوا بأن استمرارهم في حكم مصر لم يعد خيارا ممكنا على المدى البعيد، وأنه بالإمكان إيجاد مخرج من الكابوس.
إذا كنت ضحية، فهذا لا يعني بالضرورة أنك تتحلى بالحكمة السياسية. ما من شك في أن الإخوان، مثلهم مثل كل المعارضات في مصر، يعانون من انقسامات عميقة.
ولو حصل، وتغير الحاكم، فإن جماعة الإخوان هي الأخرى ستكون غير مستعدة على الإطلاق. والقضية هنا لا تتعلق بمصير حركة إسلامية واحدة، وإنما بالمعركة بين صناديق الاقتراع وصناديق الرصاص.
في هذه اللحظة يجري دفع مصر، وهي عصب الحياة في العالم العربي، نحو الهاوية من قبل رجل لا يقبل أي نوع من المعارضة، فهو يطلب من كل مواطن ألا يستمع إلا إليه، ولكنهم في الوقت ذاته ليسوا مواطنين في عينيه، وإنما رعايا غير مؤهلين بعد لهذا الشيء الذي يسمي ديمقراطية.
في مؤتمر صحفي مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي كان صدى كلمات التنديد الصادرة عن منظمة العفو الدولية يتردد في أذنيه، قرر المضيف المصري إلقاء محاضرة على مسامع ضيفه حول موضوع الديمقراطية.
نفى السيسي المزاعم بارتكاب مخالفات وإساءات أثناء حكمه -التي كان آخرها تعذيب وقتل طالب الدكتوراه الإيطالي- معتبرا، أن كل ما يقال في ذلك ما هو إلا مؤامرة تحيكها “قوة شريرة”.
ومضى السيسي يلقي محاضرته حول الديمقراطية، قائلا: “إن المنطقة التي نعيش فيها، يا سيادة الرئيس هولاند، في غاية الاضطراب”. ولا ينبغي أن تطبق “المعايير الأوروبية” لحقوق الإنسان على البلدان التي تعاني، مثل بلده هو.
هذا نموذج لا يمكن أن يدوم. لا يوجد في مصر سياسة سوى الخطابات المقطعة وغير المفهومة لرجل واحد ولمؤسسة واحدة هي الجيش المصري. ولا يبدو ثمة وجود لمؤسسة سواها على الإطلاق.
كل لديه حوافزه ودوافعه لتدمير الديمقراطية النيابية. تراها داعش عدوا لها، وتخشى منها، وتعتبرها أشد فتكا بها من أي قنبلة موجهة بإحكام. وهم محقون في اعتبارها كذلك. أما السلطويون العرب فهم يخافون جماعة الإخوان المسلمين لأنها تتحدى شرعيتهم.
وأما القوى الغربية، فلا ترغب بتاتا في التعامل مع حركة مستقلة عنهم فكريا وسياسيا، وتتحدى النظام القائم في الشرق الأوسط، الذي تأسس على مبدأ الحفاظ على وجود إسرائيل وحمايتها على حساب السلام الإقليمي.
وكل لديه أيضا أسبابه ودوافعه لتوسيع ساحة المعركة. بقدر ما هي صانعة للصراع الإقليمي، فإن داعش مجمعة له في الوقت ذاته، فهي تستوعب القضايا والمقاتلين رغم اختلافهم واختلاف قضاياهم، فهذا داغستاني قادم من شمال القوقاز وهؤلاء شباب خرجوا من أحدى ضواحي بروكسيل بحثا عن قضية يعيشون من أجلها أو يموتون في سبيلها. ولا يمكنك إيجاد نماذج أجل تباينا من هذين النموذجين.
لقد أثبتت داعش قدرة فائقة على الصمود في وجه الغارات الجوية، وفي مواجهة القوات التي تقاتلها على الأرض.
في ورقة له بعنوان: “لماذا تصمد الدولة الإسلامية وتتمدد”، يقول عمر عاشور، المحاضر في الدراسات الأمنية في جامعة إكستر، إن داعش تسود رغم أنها أقل عتادا وعددا. يتفوق عليها الجيش العراقي عدديا بمعدل ثمانية إلى واحد، وهذا دون الأخذ بالاعتبار أعداد المقاتلين من البيشمركة الكردية والمليشيات الشيعية، والتحالف المكون من ستين دولة، وما يزيد عن 44 ألف غارة جوية منذ أيلول/ سبتمبر 2014.
هناك أسباب كثيرة لقدرتها على الصمود والبقاء. بعض هذه الأسباب لا علاقة له بقوة السلاح، وإنما بقدرتها على تزويد الناس بالخبز بأسعار زهيدة. فعلا، قد يكون السبب في صمود داعش وفي قدرتها المستمرة على جذب المجندين من 120 بلدا سياسيا بالفعل، وليس دينيا أو اجتماعيا.
يقول عمر عاشور في ذلك: “بإمكان داعش بالتأكيد الصمود والاستمرار والتوسع ضمن السياق الإقليمي، حيث تستمر الرصاصات في إثبات أنها أكثر فعالية بكثير من صناديق الاقتراع، وحيث ترتكب بعض أشكال العنف السياسي الشديد من قبل الدول، وغير الدول على حد سواء، ثم تأتي مؤسسات دينية لتضفي عليها نوعا من الشرعية، وحيث يتشكل الانطباع بأن استئصال الآخر يمثل استراتيجية سياسية أكثر مشروعية من المساومات والتفاهمات”.
بعدّ أكثر من أربعة عشر عاما من قتال الجهاديين السلفيين، لا يزال الغرب بلا صورة واضحة عن عدوه.
تعمد الحكومات في أوروبا إلى تشويش صورة الهدف، وتزيد باستمرار قائمة المشتبه بهم، على افتراض أن جميع الإسلاميين إرهابيون. ولم التوقف عند هذا الحد؟ فهذا رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل فالس يشن حملة ضد ارتداء الحجاب في الجامعات الفرنسية.
إننا نغذي الوحش الذي نقاتله. ما فتئنا نفعل ذلك منذ خمسة عشر عاما، ويبدو أن الأمر سيستمر إلى مدة أطول بكثير.
المصدر: ميدل إيست آي / ترجمة: عربي 21