تنتشر تحليلات هذه الأيام مفادها أن هناك تعاونًا يجري تحت الطاولة بين إسرائيل وبعض دول الخليج أكثر من أي وقت مضى لمواجهة إيران، بل والسعودية تحديدًا التي طالما التزمت رسميًا برفض الاعتراف بدولة الاحتلال الإسرائيلي نظرًا لحساسية أي تعاون بينها كبلد الحرمين الشريفين وبين الدولة التي تحتل القدس منذ العام 1948، وقد انتشرت تلك التحليلات بالتحديد بعد قرار النظام المصري نقل جزيرتي تيران وصنافير من السيادة المصرية إلى السعودية، وما يعنيه ذلك من ضرورة التواصل المباشر بين السعودية وإسرائيل، بيد أن أيًا من تلك التحليلات ولو صدقت لن تغيّر أبدًا نظرة إسرائيل للعالم العربي ككُل، وإصرارها على حماية تفوقها العسكري في المنطقة.
تجلّى ذلك الموقف مؤخرًا فيما يخُص الجيل الخامس من الطائرات الحربية إف 35، والذي انتهت الولايات المتحدة من تطويره العام الماضي وبدأت برنامجًا للتدريب باستخدامه، وهو تدريب لم يضم أيًا من دول المنطقة باستثناء تركيا، كعضو بحلف الناتو، وإسرائيل، الحليف الإستراتيجي التقليدي لواشنطن في الشرق الأوسط، وبينما ازدادت مؤخرًا مشتريات السلاح الخليجية من الشركات الأمريكية، فإن إسرائيل عبّرت بشكل واضح عن رغبتها ألا تنتقل الإف 35 أبدًا إلى دول الخليج، وهي رغبة استجاب لها صناع القرار الأمريكيون.
فجوة “الجيل الواحد”
هكذا أكّد نائب وزير الدفاع الأمريكي بوب وورك، والذي نفى إمكانية إبرام صفقات تضم الطائرة الجديد مع دول الخليج خلال السنوات العشر المقبلة، مطمئنًا صحفيًا إسرائيليًا حين سأله عن الموضوع، وهو ما يعني أن أي صفقة بعد تلك المُدة الطويلة كافية لطمأنة إسرائيل، والتي تكون بحلول 2025 قد أدمجت الطائرة المقاتلة الجديدة بالكامل في ترسانتها وتدريبات قواتها الجوية، بشكل لا يسمح بمجرد نقلها للخليج أي تفوق عسكري للدول الخليجية، وبالتالي يحافظ على الفجوة بين الطرفين والتي تحرص إسرائيل ألا تقل عن جيل واحد من التكنولوجيا العسكرية.
في هذا السياق فتحت الولايات المتحدة الباب مؤخرًا أمام صفقات الجيل الرابع من الطائرات الحربية مع مختلف دول الخليج، والتي تنتظرها بشغف كل من قطر والكويت، فالتكهنات تشير إلى موافقة البيت الأبيض على تزويد القطريين بطائرات إف 15 “سايلنت إيجلز،” وتزويد الكويتيين بطائرات إف إيه 18، وهي طائرات طلبوها بالفعل منذ سنوات ولكن الموافقة على إبرام الصفقات الخاصة بها ظل معلقًا نتيجة الضغوط الإسرائيلية طوال العامين الماضيين لكيلا تنتقل تكنولوجيا الجيل الرابع المتطورة إلى الخليج.أما وقد انطلق الجيل الخامس الآن بعد برنامج تطويره في الولايات المتحدة والذي وصل لتريليون دولار، فإن البعض يعتقد بإبرام صفقات الجيل الرابع تلك بالفعل أثناء زيارة أوباما إلى السعودية حاليًا، والتي تستضيف قمة مجلس التعاون الخليجي، هذا بينما يجري برنامج طائرات الجيل الخامس على قدم وساق مع إسرائيل كحليف خارج الناتو، والتي أعلنت امتلاكها لخمسين طائرة إف 35، تكلفة كل منها مائة مليون دولار، بحلول عام 2021، في حين أعلنت تركيا أنها ستشتري مائة منها بحلول نفس العام.
“إننا نعرف أن الحفاظ عل تفوقنا العسكري، وعدم تزويد أية دولة أخرى بالمنطقة بطائرات إف 35 سياسة أمريكية واضحة ستستمر لبضعة سنوات قادمة، وإن كان أمرًا جيدًا أن نسمع ذلك وهو يُقال بشكل علني وصريح،” هكذا عقّب الجنرال يائير جولان، نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، على الموقف الذي أعلنه أوباما بنفسه في أغسطس من العام الماضي ردًا على مخاوف السيناتور الجمهوري جيرولد نادلر المؤيد بشدة لإسرائيل في الكونجرس الأمريكي.
إف 35 ليست مجرد طائرة
أول طائرة إف 35 لإسرائيل في مصانع لوكهيد مارتن الأمريكية
“نظام إف 35 هو نظام معقّد للغاية يتطلب الإلمام بمفهوم الطائرة الجديد بالكُلية، وصيانة من نوع جديد، وبالتالي فالطائرة تحتاج لمنظومة كاملة،” هكذا قال جولان في مؤتمر صحافي بالقدس، مشيرًا إلى اعتقاده بعدم جدوى انتقال تلك التكنولوجيا أصلًا إلى الخليج، والذي لا يمتلك قاعدة تكنولوجية عسكرية محلية تسمح له بتحقيق الاستفادة القصوى من الطائرة الجديدة، ومؤكدًا أن إسرائيل حريصة على المكاسب الضخمة التي تحققها الشركات الأمريكية من مبيعات السلاح للخليج، دون أن يُخِل ذلك بتفوقها العسكري، “نحن نمتلك نفس المصالح مع الولايات المتحدة فيما يخص دول الخليج في الحقيقة، ونحن على اتصال دائم للتأكد من أن الدور الأمريكي في الخليج لا يؤثر سلبًا علينا.”
كانت تلك إحدى الرسائل الواضحة أثناء زيارة نتنياهو الأخيرة للولايات المتحدة، كما أكد السيناتور الديمقراطي جو دونيللي، “أعتقد أن العلاقات بين إسرائيل والخليج الآن تسير بمنطق عدو عدوي هو صديقي، وبالتالي فهناك مصلحة مشتركة بالأساس الآن للتأكد من أن إيران لا تُحرز أية تطورات على صعيد التكنولوجيا العسكرية تتيح لها التفوق في المنطقة.. والكُل في الحقيقة يريد الطائرة الجديدة وقد ناقش نتنياهو تلك النقطة بالتحديد على هامش المناقشات للتيقن من عدم التفريط في التفوق العسكري لبلده.”
حتى الآن لا تبدو أية إشارات على تخلي إسرائيل إذن عن مبدأها ذلك حتى مع الاتفاق النووي الغربي مع إيران، والاتجاه الواضح لدى دول الخليج وإسرائيل على السواء باستلام زمام الأمور في المنطقة بأنفسهم في احتواء “الخطر الإيراني،” لا سيما وأن دول الخليج لا يمكنها حتى الآن تكبّد عناء الظهور في تعاون عسكري مع إسرائيل بشكل واضح قد يهز شرعيتها، خاصة السعودية، ويؤثر على شعبيتها في العالم العربي، وهو تعاون ستفرضه بالتحديد الطائرة إف 35، والتي ليست مجرد طائرة يمكن شراؤها بالمال وتكديس المئات منها في الأسطول الخليجي، بل هي منظومة كاملة تفرض، بل وفرضت بالفعل، التعاون بين الدول التي ستحصل عليها، كما يحدث بين تركيا وإسرائيل، واللتين كثفتا من التنسيق في تدريباتهما وعمليات الصيانة العسكرية الجارية بخصوص الطائرة الجديدة.
على صعيد آخر لا تزال روسيا ماضية في مشروع تطوير طائرة سوخوي تي 50، والصين في تطوير جيه 20، وهي الطائرات التي يُفترض أنها ستشكل المنافس الرئيسي لإف 35 الأمريكية، وأحدث ما سيتم طرحه من جانب البلدين الأكثر قوة عسكريًا في العالم بعد البنتاجون، وهي مشاريع لم تنتهي بعد، ولا نعرف إلى أية بلاد ستنتقل، بيد أن السوخوي تي 50 الروسية ستكون من نصيب الهند كأول مُشتري على الأرجح، ولربما تطلب منها إيران كذلك، في حين يرجح حصول باكستان على الجيه 20 باعتبارها الحليف الآسيوي الأهم للصين.
*المصدر: ديفِنس نيوز