“والله ما أدري” كلمة عراقية اشتهرت على لسان نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي، دلالة على أنه لا يعلم بماذا يتكلم الآخر، هذا هو لسان حال المتابعين للشأن العراقي اليوم بسبب تعقد المشهد والتجاذب السياسي من أطراف متعددة وتداخلات سياسية إقليمية ودولية ومحلية جعلت المتابع يشاهد وهو مرتبك، مشهد يكتنفه الغموض والتداخل والضبابية، في هذا المقال سنحاول عرض التداعيات بخط زمني سريع للأحداث منذ بداية الاحتجاجات وإلى اليوم.
فقد انطلقت الاحتجاجات العراقية في 31 يوليو/ تموز 2015 في ساحة التحرير في بغداد للمطالبة بتحسين واقع الخدمات وخصوصًا الكهرباء، حيث طالبوا بمحاسبة وزير الكهرباء قاسم الفهداوي أو إقالته، بالإضافة للمطالبة بتخفيض رواتب المسؤولين والوزراء والنواب والدرجات الخاصة، وقد قاد الاحتجاجات مجموعة من الشباب المحسوبين على التيار المدني والليبرالي في العراق، كتبت مقال عن الحراك الشعبي في ذلك الوقت وقلت إن ما يحدث هو ضربة شمس لا أكثر، ولن نصل لتغير حقيقي لأن المدخلات واحدة فلن يكون هناك مخرج مغاير للواقع الحالي.
مظاهرات التيار المدني في ساحة التحرير ببغداد
ثم صدر بيان من السستاني أعلى مرجع شيعي عراقي في7 آب 2015، مطالبًا العبادي بأن يكون أكثر جرأة وشجاعة في خطواته الإصلاحية، والضرب بيد من حديد لمن “يعبث” بأموال الشعب، كما طالبته بعدم التردد في إزاحة المسؤول غير المناسب وإن كان “مدعومًا”، وهذه الخطوة يراها مراقبون تمردًا من مرجعية النجف المتمثلة بالسستاني على مرجعية قم التي تتصدر المشهد، وهو دليل واضح على تملل المرجعية العراقية من تهميشها طوال الفترة الماضية وعدم إعطائها الصلاحيات المعقولة.
كلمة السستاني والضغط الشعبي جعلت العبادي يقدم على خطوة هي الأقوى في تاريخه السياسي في 9 آب 2015،حيث قرر إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فورًا، حيث كان يعتلي مناصب نواب لرئيس الجمهورية نوري كامل المالكي ونائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي ونائب رئيس الجمهورية لشؤون المصالحة الوطنية إياد علاوي، وفقًا لما صوت عليه مجلس النواب في الثامن من أيلول 2014، كما صوت مجلس النواب على ثلاثة نواب لرئيس مجلس الوزراء هم بهاء الأعرجي وصالح المطلك وروز نوري شاويس.
رغم الفرحة العارمة بهذا القرار إلا أن التغيير لم يحدث، فما يزال النواب الثلاثة لرئاسة الجهورية بنفس الحصانة وعدم الملاحقة، وكذلك بنفس القوة والتأثير في العملية السياسة العراقية والدولة العراقية بمفاصلها.
وتستمر المظاهرات بشكل متقطع لدعم العبادي في مواجهة الفساد، ورغم العدد المحدود الذي ينزل للشارع لكنها لم تنقطع.
مقتدى الصدر المرجع الشيعي يدعو التيار الصدري للنزول للشارع في جمعة مليونية ضد الفساد بتاريخ 26 شباط2016 ليظهر حجم التناقض في الشارع العراقي بين شعار “بسم الدين باكونا الحرامية” لنزول مئات الآلاف للشارع وفق دعوة من رجل دين معمم تجعل التيار الليبرالي بموقف لا يحسد عليه.
مليونية الصدر أمام المنطقة الخضراء
في 27 مارس 2016 يعلن الصدر اعتصامه داخل مجمع الحكومة العراقية المسمى “المنطقة الخضراء”، بينما يتجمهر المؤيدون له خارج المنطقة الخضراء ويقومون بنصب خيام للاعتصام، مطالبين العبادي بالرضوخ لمطالب الصدر المتمثلة بمحاربة الفساد وتقديم حكومة تكنوقراط يترأسها العبادي وسط تأيد شعبي للصدر حتى من أطراف سنية وكردية، حيث يعتبر الصدر هو التيار الأكثر شغبًا في ظل البيت الشيعي، ولطالما غرد خارج السرب ثم يعود للصف مرة ثانية بضغط ضابط الإيقاع الإيراني الذي لم يستطع إلى الآن أحد من مكونات البيت الشيعي أن يتجاوزه بقرار بشكل مستمر.
مقتدى الصدر في خيمة معتصمًا داخل المنطقة الخضراء
31 مارس 2016 العبادي يقدم تشكيلته الجديدة للبرلمان، والصدر يفض الاعتصام، فيما يرى مراقبون أن فض الاعتصام جاء بسببين رئيسسين هما الضغط الإيراني بعدم انقسام البيت الشيعي في الوقت الحالي الذي يشهد ضغط أمريكي وضغط إقليمي لإعادة رسم خطوط النفوذ الإيراني في العراق، والسبب الثاني هو سحب المالكي لقطع مقاتلة من الجيش والحشد الشعبي الموالية له من المعارك في الأنبار وشمال بغداد إلى الداخل والتهديد بخطر داعش القادم لبغداد إذا لم يرضخ الصدر بإنهاء الاعتصام وهذا ما حدث فعلاً.
بعدها أصبحت كرة الإصلاح في ملعب البرلمان العراقي، حيث صرح رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري أن المجلس تسلم أسماء الوزراء الجدد وسيشكل لجنة للنظر بسيرتهم الذاتية وكفاءتهم قبل التصويت عليهم في غضون عشرة أيام، وبيّن أن التصويت لا بد أن يكون مسبوقًا بإجراءات قانونية تتمثل بسحب الثقة من الوزراء الحاليين بالأغلبية المطلقة أو الإقالة بالنصف زائد واحد.
في 6 نيسان 2016 القضاء يجيز للبرلمان إقالة وزراء العبادي والتصويت على بدلاء عنهم في آن واحد.
توقيع “وثيقة الشرف” في 11 نيسان 2016 من قِبل الرؤساء الثلاثة وقادة الكتل السياسية، حيث وقعوا على وثيقة الإصلاح الوطني، الوثيقة تتضمن تطبيق الإصلاح الشامل على الأصعدة السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وإنشاء مجلس سياسي استشاري يضم قادة القوى السياسية وإغلاق ملف التعيينات بالوكالة.
“الموقعون على وثيقة الشرف”
المالكي يضرب الحلقة الأضعف في العملية السياسية، ففي 12 نيسان 2016 تتحول الاحتجاجات داخل قبة البرلمان لمجموعة من النواب الذين اعتصموا داخل البرلمان مانعين رئيس البرلمان من اعتلاء المنصة ومطالبين بإقرار تشكيلة جديدة للوزراء بعيدة عن مفهوم الشراكة والمحاصصة.
تبين فيما بعد أن الحراك داخل البرلمان كان بقيادة تيار نوري المالكي الذي يرى مراقبون أنه يمتلك الدولة العميقة في العراق وهو الأكثر قدرة على رسم سياسات إيران ونفوذها بالعراق بعيدًا عن الأمريكيين والقوى الإقليمية الأخرى لما عرف عنه من طبيعته الإقصائية.
النواب المعتصمون في البرلمان العراقي لمنع الجبوري من اعتلاء منصة الرئاسة
يعقد النواب المعتصمون جلسة بدون حضور رئيس مجلس النواب سليم الجبوري في 14 نيسان2016، ويتم إقالة رئاسة مجلس النواب المحسوب وفق المحاصصة على سنة العراق وهو المنصب الأكبر للمكون السني في العراق مما يعني ضرب التواجد السني داخل العملية السياسة العراقية، حيث حصل التصويت وفق ما تم إعلانه بواقع 171 نائبًا من أصل 328، بينما يقول مشككون بالعدد بأن عدد النواب لم يتجاوز 140؛ مما يعني عدم دستورية الخطوة المتخذة، ويرى مراقبون أن استهداف الشخصيات السنية سلسلة مستمرة بداية من طارق الهاشمي مرورًا برافع العساوي ونهاية مع سليم الجبوري وهو ناقوس خطر ينذر بانتهاء العملية السياسية الموجودة في العراق والعودة للمربع الأول.
16 نيسان 2016 سخط شعبي وتفاعل الناشطين على صفحات التواصل الاجتماعي تحت هاشتاج #الفاسدون_لا_يصلحون_العراق، وسط مطالبات بتنحية الوجوه القديمة بشكل عام، ومخاوف من عودة المالكي بشكل خاص.
20 نيسان 2016 أصدر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أمرًا بتجميد كتلته – الأحرار – في البرلمان لحين انعقاد جلسة للتصويت على تشكيل مجلس وزراء جديد من التكنوقراط، واتهم الصدر في البيان سياسيين بتحويل ما وصفه بالثورة الشعبية إلى نزاعات سياسية برلمانية من أجل الإبقاء على مكتسباتهم، أو من أجل الانتقام ممن أزالوا الولاية الثالثة، ويشير البيان بهذا إلى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
يفشل النواب المعتصمون بالوصول للنصاب في جلسة 21 نيسان 2016 ويقومون بتأجيل الجلسة إلى يوم الأحد 24 نيسان 2016 بعد تجميد الصدر لكتلته البرلمانية، فيما قدمت هيئة الرئاسة البرلمانية طعن بعدم دستورية إقالتهم التي تمت في الرابع عشر من نيسان الحالي؛ مما يجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه لجميع السيناريوهات في الأيام القادمة بين من يطالب بحل البرلمان والذهاب لعملية انتخابية مبكرة، ومن يطالب بإقالة الرئاسات الثلاث، وسط فوضى في المشهد السياسي العراق كان آخرها وأخطرها طلب مقتدى الصدر من الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بالتدخل والمشاركة فيما أسماه بتصحيح العملية السياسية؛ ليجعل الكرة في ملعب القوى الدولية والإقليمية لتتخذ موقفًا مما يحدث في العراق الذي أوشك على نقطة اللاعودة.