برئاسة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز والدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي وبحضور الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، اختتمت اليوم القمة الخليجية الأمريكية أعمالها.
أوباما وصفها بالقمة “الناجحة” مؤكدًا أنها تأتي استمرارًا لما تم الاتفاق عليه في قمة كامب ديفيد تلك القمة التي عقدت قبل نحو عام؛ لتعزيز التعاون الخليجي الأمريكي، وهذه هي القمة الثانية في عام واحد التي تجمع الرئيس الأمريكي بقادة دول مجلس التعاون الخليجي.
أعمال الجلسة الأولى لقمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في قصر الدرعية بالرياض، حيث ترأس أعمالها الملك السعودي.
فيما فرضت مسائل جهود هزيمة داعش، ومواجهة إيران وأنشطتها التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، والجهود التي تبذلها أمريكا في دعم العراق وقدرته على الصمود نفسها على القمة الخليجية الأمريكية.
فعلى صعيد مسألة التهديد الإيراني أكد وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، التزام بلاده بأمن شركائهم في دول الخليج، لافتًا أن بلاده تعمل مع دول الخليج على تطوير خطط للدفاع ضد التهديدات الباليستية الإيرانية.
وكذلك قال أوباما إن إيران تواصل دعمها للحوثيين عبر تسليحهم، معرجًا إلى أن واشنطن تتفهم المخاوف الخليجية من ممارسات إيران في المنطقة، وأضاف أن بلاده ستواصل العمل من أجل وقف تمويل طهران للمسلحين في اليمن.
وبين أوباما في السياق ذاته أن الولايات المتحدة حريصة على إيقاف تطوير إيران للسلاح النووي، مضيفا أن الهدف النهائي من الصفقة النووية مع طهران يتمثل في تخفيف التوتر بالمنطقة.
وأضاف قائلًا: “ندرك تهديدات إيران في المنطقة ومستعدون للقيام بما يلزم”، مشيرًا إلى أنه على إيران إثبات حسن نيتها في المنطقة العربية، مشددا على أن أمن دول الخليج أمر في غاية الأهمية.
تطييب للخواطر
جاء هذا الحديث الأمريكي بمثابة طمأنة للدول الخليجية من باب “تطييب الخاطر” كما يُطلق على الأمر في الأمثلة العربية، بعد أن استقبلت الرياض أوباما استقبال فاتر، حيث ذهب وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بصحبة أمير الرياض لاستقبال أوباما في غياب الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز.
كما خرجت تصريحات على ألسنة سعودية تقول أن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية لن تعود إلى الأيام الخوالي.
كل هذا النفور السعودي من جراء سياسة الرئيس الأمريكي أوباما الذي يعتقد السعوديون أنه أطلق العنان لإيران في المنطقة ولم يتخذ التدابير الكافية لحماية أمن الخليج كأحد مقتضيات الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والدول الخليجية.
أوباما مدرك لهذه الحالة من العتاب وشعور الخذلان الذي انتاب الخليجيون في آواخر ولايته، لذا عقدت قمتين بين أمريكا والخليج في أقل من عام واحد، في محاولة لطمأنة الجانب الخليجي من التخوفات بشأن السياسات الأمريكية الجديدة في المنطقة، وقد جاءت جل أحاديث أوباما ومساعديه للخليجيين بصيغة التعهدات والطمأنة وجبر الخواطر.
أوباما أكد أيضًا أن الولايات المتحدة تواصل العمل مع دول الخليج في مكافحة الإرهاب وإحلال السلم في المنطقة العربية، مشيرا إلى دور دول الخليج في الحرب على الإرهاب في المنطقة العربية، وهو حديث إطرائي واضح.
وبالانتقال إلى الأزمة السورية أحد مواطن الخلاف بين الولايات المتحدة والخليج وعلى وجه الخصوص السعودية، قال باراك أوباما إن الولايات المتحدة وحلفاءها في الدول العربية لا يزالون مقتنعين بضرورة استقالة الرئيس السوري بشار الأسد من منصبه.
وشدد الرئيس الأمريكي على أن بلاده والدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية تدعم تسوية الأزمة السورية بطريقة سلمية، لكنها تعتقد أن “عملية الانتقال السياسي ينبغي أن تجري من دون الأسد”.
وهذه هي وجهة النظر السعودية التي أصر أوباما على الحديث بها، لكن واقع السياسة الأمريكية تخالف كل هذا خاصة بعد كشف تقارير صحفية مؤخرًا عن رفض أوباما لأكثر من 50 مقترح لتنحية الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية، وهو ما يؤكد أن هذه الأحاديث الأمريكية في القمة مجرد دبلوماسية لخطب الود وإصلاح العلاقات ليس أكثر.
الوقائع في الشرق الأوسط تنفي هذا الكلام الدبلوماسي الأمريكي رغم سعى البيت الأبيض إلى إبراز أهمية العلاقة بين واشنطن والرياض التي تعود إلى 70 عامًا، مع نفي أن تكون الزيارة مجرد فرصة لالتقاط صورة تذكارية بين المسؤولين السعوديين والرئيس الأمريكي، إلا أن الواقع يجعلها كذلك، خاصة وأن السعوديين أدركوا أن أوباما يُلملم أوراقه ويغلق ملفاته استعدادًا للرحيل، وأن التعويل يجب أن يكون على الرئيس الأمريكي القادم وليس على أوباما.
كل ذلك أيضًا جاء لمحاولة كسر هذا الفتور الذي أصاب العلاقات بين الطرفين، وبالتحديد بعد تقديم أعضاء في الكونجرس الأمريكي مشروع قانون حول هجمات 11 من سبتمبر عام 2001، قد يسمح في حالة إقراره لعائلات ضحايا تلك الهجمات بمقاضاة السعودية والحصول على تعويضات منها.
ورغم تأكيد البيت الأبيض على أنه لن يسمح بمرور مثل هذا القانون، إلا أن السعودية شعرت بإهانة من جانبها وهددت بتصفية أصولها المالية التي تقدر بأكثر من 700 مليار دولار في أمريكا.
يؤكد هذه النظرة الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي يرى أن “أوباما قطعا لن يستطيع أن يصلح ما أفسدته سياسته، التي تركت دولة مثل إيران تعبث وتتدخل بأمن المنطقة دون وجود أي رد فعل أمريكي يكبح جماحها، لكنه سوف يحاول أن يشرح سياسته أو يقدم لها ما شاء من تفسيرات”.
ولا يتوقع، الإعلامي السعودي، أن يتمكن أوباما من إرضاء دول الخليج بالمشكل المطلوب، لأن ذلك سيحتاج إلى رد فعل أمريكي تجاه تدخلات طهران، وهذا غير وارد لأنه سيؤدي إلى إفساد الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة دول (5+1).
لذا يمكن القول أن خاشقجي يتفق في وجهة النظر التي تقول أن هذه القمة ما هي إلا محاولة لطمأنة دول الخليج وتطييب خاطرهم قبيل خروج أوباما من البيت الأبيض.