سجلات نارنيا هي ملحمة فانتازية من سبعة أجزاء، من تأليف الكاتب البريطاني سي اس لويس، وهي تعد من كلاسيكيات ادب الأطفال وقد ترجمت لعدة لغات وبيع منها مئات الملايين من النسخ. ومؤخرا تم تحويل عدة أجزاء منها إلى أفلام سينمائية.
وتدور أحداث الرواية في عالم سحري يسمى نارنيا، حيث يوجد السحر والسحرة والمخلوقات الخرافية، والحيوانات المتكلمة والقلاع والسيوف، فعالم نارنيا عالم ساحر لا شك واستطاع لويس غزله بمهارة، فمن لا يتمني أن يدخل خزانة ملابس ليجد نفس في عالم أخر مليء بالمخلوقات الاسطورية السحرية والحيوانات المتكلمة أو يشرب الشاي الساخن مع المخلوق الأسطوري الساطير في كوخ يتصاعد من مدخنته الدخان وهو يقص عليه الحكايات القديمة أو يكون جزء من معركة ملحمية في مواجه الشر.
عالم نارنيا الساحر
يتميز لويس بالأسلوب الجميل والسلس الذي يسحرك ببساطته ولعل السبب أن القصة موجهة في الأصل للأطفال ولكن يمكن للكبار أن يستمتعوا بها أيضا. وأكثر ما يتميز به أسلوب لويس هو قدرته على خلق التفاصيل، فعالم نارنيا ليس مجرد نسخة من الأرض في القرون الوسطى بأسماء مختلفة بل هي عالم خاص بلويس وحده، وخاصةً في “رحلة جوابة الفجر” حين وصف عجائب البحر الأخير والشلالات عند حافة العالم، وعالم ما تحت البحر بسكانه وعاداتهم وألعابهم الغريبة، وأيضا في “الكرسي الفضي” حين وصف المملكة الموجودة أسفل الأرض بوصف يخلب اللب ويجعل الانسان يتعجب من الخيال الذي يملكه لويس وجعله قادر على ابتكار كل ذلك.
ولكن ما يعيب لويس هو أنه سقط في فخ ثنائية الخير المطلق والشر المطلق، فهو لم يعطي تفسير لكون أبطاله خيرون ولكون أعدائهم أشرار، بل تشعر أنه خير من أجل الخير أو شر من أجل الشر، لا توجد تلك المنطقة الرمادية التي تشد القارئ وتعجله يتعاطف أكثر من الشخصيات وأهدافهم ودوافعهم.
تأثر لويس بفترة المستعمرات البريطانية
وثنائية الخير والشر، هي تيمة رمزية قد نتغاضى عنها في بعض كتابات الاطفال ولكنها أخطر هنا وخاصة عند مزجها بالرؤية الدينية والرؤية السياسية والعرقية للكاتب حيث تعلمهم أن “نحن” مقابل “هم“ فإن لويس كغيره من كتاب فترة المستعمرات البريطانية تعج كتبهم بالعنصرية تجاه الأجناس الأخرى، كمثال تقديمه لسكان كالورمين في السلسلة، وهم يمثلون من وجهة نظر لويس سكان الشرق الأوسط وبشكل خاص العرب والهند، فسكان كالورمين داكني البشرة ويرتدون عمامة ويقومون بتجارة العبيد و تزويج البنات في سن صغير وهم فوق ذلك بربريون متوحشون محبون للحرب، وفي رواية “الحصان وصبيه” يحلم شاستا ذو البشرة البيضاء بالهروب من كالرومين حيث يحاول أبيه المزيف “أرشيش” أن يبيعه كعبد، إلي نارنيا في الشمال حيث الحرية وذوي البشرة البيضاء مثله.
النقطة الأخرى هي عدم مقدرة لويس أن يضع نفسه في حذاء شخصياته، فكلها تعكس وجهة نظره هو وحده، حتى وان تعارضت مع الحبكة أو كانت شيء غير منطقي على الاطلاق، كمثال موت أصلان وإعادة احياءه في الجزء الأول هي رمز لموت واحياء المسيح عليه السلام ولكنها من ناحية الحبكة تجعل تضحية أصلان غير ذات معنى فهو يعرف أن لن يموت حقًا، وأيضا من ضمن الأشياء الغير منطقية في الحبكة تغير شخصية سوزان في “الأمير كاسبيان” لتحل محل إدموند لتصبح الشخصية الغير مصدقة لوجود أصلان، وأيضا المصير القاسي الذي انتظرها من أصلان في نهاية جزء “المعركة الأخيرة” فشخصيات لويس لا تتصرف كما تملي عليها ملامح شخصيتها بل كما يملي عليها لويس نفسه.
الإله من الآلة
ومن الأشياء التي تُعاب على لويس هو جعل أصلان “إله من الآلة” – وهي عند الإغريق عبارة عن الآلة التي بواسطتها يؤتى بإله إلى المشهد للإنقاذ عند المأزق- فيتدخل دوما لإصلاح كل مشكلة يواجهها الأبطال مما يفقد الاحداث إثارتها وحماستها، وهذا أيضا يجعل النبوءة في الجزء الأول غير ذات معنى، فلا يوجد سببًا منطقيًا لانتظار أصلان كل هذه السنوات الطويلة تاركا الساحرة البيضاء تعيث فسادا في نارنيا وتاركا الحيوانات المسكينة تعاني من الشتاء المستمر وتسلط الساحرة وأعوانها عليهم خاصةً وأن الأطفال الأربعة لم يكن لهم دورا حقيقيا في هزيمة الساحرة بل كان كل شيء بفعل من أصلان نفسه فلا يوجد بالفعل السبب الحقيقي لجعل الأطفال جديرين بالنبوءة.