ترجمة وتحرير نون بوست
شهد التمحور الأردني بصف المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في موقف الأخيرة المتشدد من إيران وتدخلها المزعوم في شؤون الدول العربية، قفزة كبيرة إلى الأمام في أعقاب لقاء نائب ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في 10 أبريل مع الملك عبد الله في ميناء العقبة، قادمًا من القاهرة حيث أنهى والده، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ما وُصف بأنه زيارة تاريخية لمصر.
أشرف الملك سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماعهما في القاهرة على توقيع اتفاقيات تعاون إستراتيجية تغطي المشاريع الاقتصادية ومشاريع التعاون العسكري بين البلدين بمليارات الدولارات.
وبعد الزيارة القصيرة للأمير محمد إلى الأردن، أصدر الديوان الملكي بيانًا مشتركًا أعلن فيه عن حزمة من الإجراءات التي تهدف إلى “تعزيز التعاون بين البلدين”، حيث أكدت الأردن والمملكة العربية السعودية “على أهمية التشاور السياسي بين البلدين حول القضايا والأزمات الإقليمية، مشددتان على أهمية الحل السياسي كأفضل خيار لوضع حد لهذه الأزمات، وعلى ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي وسيادة واستقرار دول المنطقة، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول”.
ولكن الأمر الأكثر أهمية هو إعلان الجانبين عن رفضهما “لسياسة التدخل الإيرانية في المنطقة، والتي تحرض على الطائفية وتزكي الإرهاب”، حيث حذّر البيان من استمرار إيران بنهجها الحالي، الأمر الذي يعمّق الخلافات والصراعات في المنطقة ويعرّض استقرارها للخطر.
تعد هذه المرة الأولى خلال السنوات الأخيرة التي يتخذ بها الأردن موقفًا واضحًا من السياسات الإيرانية في المنطقة العربية؛ فمن خلال تبنيها للموقف السعودي، لم تتخل الأردن عن إستراتيجيتها بإبقاء جميع الخيارات متاحة فحسب، بل أبدت استعدادها أيضًا لربط القول بالفعل.
في 18 أبريل، وبعد أسبوع تقريبًا من زيارة الأمير محمد، دعت عمان سفيرها في طهران للتشاور، وصرّح المتحدث باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، لوكالة الأنباء الأردنية بترا، بأن هذا القرار قد اُتخذ بعد تأييد الأردن للاتفاق النووي ما بين إيران والمجتمع الدولي، وتابع موضحًا: “كنا نأمل بأن يمهد الاتفاق الطريق لتحسين العلاقات العربية الإيرانية على أساس علاقات حسن الجوار ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى”، وأضاف بأنه وفي أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي تصرفت إيران بطريقة “تشكّل تدخلًا غير مقبول في شؤون الخليج”.
وعلى ذات الصعيد، دافع المومني عن موقف الأردن في أعقاب الهجمات التي استهدفت السفارة السعودية في طهران في يناير المنصرم، والذي لاقى انتقادات من المعلقين السعوديين لعدم طرد الأردن للسفير الإيراني في عمان واكتفائها بدلًا من ذلك بتسليمه رسالة احتجاج، حيث سلّطت تلك الحادثة الضوء على مرحلة غير مسبوقة من العلاقات الباردة ما بين عمان والرياض في أعقاب خلافة الملك سلمان لشقيقه الراحل الملك عبد الله على عرش المملكة.
شهدت تلك المرحلة اختلاف العاهل الأردني، الملك عبد الله، مع نظيره السعودي لتقليل الأخير من الخطر الذي يشكّله تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) العام الماضي، وتركيزه بدلًا عن ذلك على التهديد الإيراني الإقليمي والأزمة في اليمن، وفي ذات السياق، نفى الديوان الملكي الأردني التقارير التي كشفتها صحيفة الميدل إيست آي حول تقليل الملك عبد الله من أهمية التحالف العسكري الإسلامي الذي أسسته السعودية تحت قيادتها في ديسمبر الماضي، خلال اجتماع الملك الأردني السري مع أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في يناير المنصرم.
وفقًا للمراقبين، يعد التمحور الأردني في صف المملكة العربية السعودية أمرًا مهمًا، حيث ناقش عبد الله ومحمد خلال لقائهما عددًا من الاتفاقيات التي تهدف إلى دعم الاقتصاد الأردني، وعلى الرغم من التحفظ عن ذكر الأرقام، إلا أن الجانبين اتفقا على إنشاء صندوق استثماري مشترك، تطوير التعاون العسكري، تعزيز التعاون في مجال الطاقة، استخراج اليورانيوم، وتوليد الكهرباء باستخدام الطاقة النووية، وزيادة حجم التبادل التجاري.
يأتي هذا الاتفاق في الوقت الذي ترزح فيه الأردن تحت وطأة دين عام بلغ 35 مليار دولار، بالتوازي مع استمرار معاناة الاقتصاد نتيجة لاستضافة الأردن لأكثر من 1.2 مليون لاجئ سوري، علمًا بأن المملكة العربية السعودية دعمت الأردن ماليًا في مناسبات سابقة؛ ففي أعقاب ثورات الربيع العربي، قادت السعودية الجهود في مجلس التعاون الخليجي لمنح الأردن مبلغ 5 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يتم تجديد المنحة هذا العام لمدة خمس سنوات أخرى.
في ذات السياق، صرّح رئيس الوزراء الأردني السابق، طاهر المصري، لصحيفة ألمونيتور بأن كلًا من المملكة العربية السعودية والأردن تستمران في الحفاظ على “علاقتهما التاريخية”، وتابع موضحَا بأنه وفي الوقت الحالي، أضحت هذه العلاقات أكثر أهمية وذلك في ظل “التدخل الإيراني السافر في الشؤون العربية والتغيّرات الهائلة التي يمكن أن نشهد معها اختفاء بعض البلدان من الخارطة”.
كما أوضح المصري بأن الأردن لم يكن مهتمًا تاريخيًا بإقامة علاقات رائدة مع طهران، كما بدا واضحًا بأن إيران تحوز طموحات ضمن الدول العربية، وهو الأمر الذي كانت تدركه الأردن.
ذات هذا الموقف تردد على لسان عدنان أبو عودة، الرئيس السابق للديوان الملكي الأردني، الذي قال لصحيفة ألمونيتور بأن الأردن والسعودية تمتلكان مصلحة مشتركة في مكافحة الإرهاب ووقف التدخل الإيراني في الشؤون العربية، “تبنت الأردن الموقف السعودي تجاه ايران لأن هذا هو ما تؤمن به حقًا” قال أبو عودة، وتابع: “حضور الملك عبد الله للمناورات العسكرية التي عُقدت في السعودية في شهر مارس، هو دليل على دعم الأردن لقوات التحالف الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية، كما أنه شهادة على حقيقة أن الأردن والمملكة العربية السعودية تصطفان على ذات الجانب”.
على النقيض من ذلك، يرى المعلّق السياسي سلطان حطاب بأن العلاقات الأردنية-السعودية خاضت بمرحلة من الفتور فيما سبق، ولكنه شدد في حديثه لصحيفة ألمونيتور على أن الأردن والسعودية تحتاجان بعضهما بعضًا في هذه المرحلة؛ ففي ظل شن الرياض لحملة دبلوماسية طاغية ضد طهران “تحمي الأردن حدود المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج ككل” قال حطاب، وتابع: “هذه حقيقة لا يمكن تغييرها، فعلى الرغم من محاولة الأردن سابقًا لاتخاذ مسار مستقل بشأن إيران، إلا أن هذا النهج تغيّر كليًا الآن”.
يشير حطاب بأن “الأردن والمملكة العربية السعودية تحتاجان بعضهما بعضًا اليوم أكثر من أي وقت مضى خاصة فيما يتعلق باتخاذ موقف مشترك بشأن سوريا، اليمن، وإيران”، وهي الساحات التي اتخذت حيالها المملكة العربية السعودية زمام المبادرة لمواجهة التحديات الإقليمية التي تعكسها، حيث اختارت الأردن دعم نهج الرياض بهذا الخصوص بشكل كلي.
أخيرًا، يبقى من المؤكد الآن بأن تمحور الأردن في صف المملكة العربية السعودية هو قرار إستراتيجي اتخذته عمان لتمهيد الطريق لزيادة دعمها المالي القادم من دول الخليج، في الوقت الذي تحاول فيه الرياض توحيد جبهة إقليمية مشتركة ضد إيران.
المصدر: ألمونيتور