هذا البرنامج المكون من خطة خماسية أطلقتها المملكة العربية السعودية في العام 2015 على يد الأمير الشاب محمد بن سلمان نجل العاهل السعودي الحالي سلمان بن عبدالعزيز وولي ولي العهد السعودي.
البرنامج انطلق من خلال مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بعد عقد عدة لقاءات موسعة مع خبراء في الاقتصاد وعدة شرائح في المجتمع السعودي، وفي النهاية خرج البرنامج مستهدفًا قياس أداء الأجهزة الحكومية السعودية من خلال 551 مؤشر قياس يعني بـ 17 مكون رئيسي يستهدفهم البرنامج التنموي.
في مقدمة هذه المكونات في المملكة التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية، وقد حدد البرنامج العام 2020 موعدًا لقياس مدى فعالية البرامج المطروحة في كل قطاع من هؤلاء، مع الأخذ في الاعتبار أن البرنامج يعطي الدور الأكبر للقطاع الخاص مع عدم تغافل رفع الكفاءة الحكومية للقطاعات المختلفة.
استقبلت السعودية العام 2016 بهذا البرنامج الطموح الذي يقوم عليه أميرها الشاب محمد بن سلمان بعد أن شعرت السعودية بالتحدي الذي يواجهها جراء انخفاض أسعار النفط وظهور ملامح تردي اقتصادي تلوح في الأفق.
ومن المفترض أن يحقق هذا البرنامج وفق خططه الموضوعة نقلة نوعية للسعودية في جميع المجالات، من خلال عدة آليات مقترحة وضعت للتنفيذ كان أهمها إتاحة ممارسة المرأة للتجارة والعزم على تسهيل الإجراءات لها بما يحقق تذليل العقبات التي تواجهها وتحفظ حقوقها.
كما يتحدث البرنامج عن توجه جاد لفرض ضرائب أعلى على استيراد “السجائر” وكافة منتجات مواد التبغ، كما يتوجه البرنامج لإيقاف الدعم الحكومي عن الكهرباء والماء والخدمات لأصحاب الدخل العالي والتجار وملاك القصور والمزارع، بحيث سيقتصر الدعم على ذوي الدخل المتوسط فما دون.
كما سيعمل البرنامج على معرفة نسبة السعوديين الذين يملكون سكنًا من غيرهم الذين لا يملكون تمهيدًا لخطوة حل أزمة الإسكان، وهذا يُعد الجزء الاجتماعي من برنامج التحول.
أما على الصعيد الاقتصادي تستعد المملكة لإطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية تحفز القطاع الخاص على الاستثمار في المملكة عن طريق إزالة المعوقات الإجرائية، كما أن هذه الحزمة تستهدف أيضًا تنويع الاقتصاد بحيث تدعم الصادرات الغير النفطية المحلية مع تهاوي أسعار النفط، بحيث سيعتمد البرنامج على التوسع في اقتصاد السوق الحر بمعنى دخول السعودية بقوة لمجال “الخصخصة”.
أنفقت الرياض عشرات الملايين من الدولارات على شركات الاستشارات، للمساعدة في وضع إطار خطة التحول الوطني. حيث كانت شركة “سورس جلوبال ريسيرش” للاستشارات قد قدرت في وقت سابق، أن إجمالي الإنفاق السعودي على الخدمات الاستشارية، التي يطلب معظمها الحكومة، أو هيئات مرتبطة بها، ارتفع بأكثر من 10% خلال 2015 مقارنة مع 1.06 مليار دولار خلال 2014.
كما يُذكر أن هبوط أسعار النفط إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل أعطى دفعة قوية للمملكة العربية السعودية للإسراع في إطلاق هذا البرنامج، بعد تسجيل عجز في الموازنة السعودية يقارب 100 مليار دولار منذ زمن بعيد، وهو ما عزز الحاجة لتنفيذ إصلاحات جذرية داخل المملكة النفطية.
هذا وستكشف المملكة النقاب عن البرنامج التفصيلي الذي يحمل اسم “خطة التحول الوطني 2020” خلال الأيام المقبلة، بعد أن حددت الحكومة السعودية يوم 25 أبريل القادم للإعلان عنه، وقد دشنت السعودية حسابًا على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” استعدادًا لإطلاق البرنامج.
من هو قائد هذا البرنامج؟
الأمير محمد بن سلمان الذي يضطلع، على الرغم من عمره الصغير الذي لا يتجاوز الـ30 عامًا، بمنصب ولي ولي العهد، وزير الدفاع، ورئيس مجلس التخطيط الاقتصادي، المسؤول عن برنامج التحول الوطني، وهو أيضًا رسميًا في المركز الثاني على عمود الخلافة للملك بعد ولي العهد الأمير محمد بن نايف.
بن سلمان الذي لم يكن معروفًا للدوائر العالمية المطلعة على الشأن السعودي، وذلك حتى صعد إلى والده إلى الحكم في السعودية، إذ أنه نادرًا ما يجري مقابلات صحفية، حتى مع وسائل الإعلام المؤيدة للنظام السعودي.
إلا أن السيرة الذاتية الرسمية له تذكر أنه عمل على نفسه ولحسابه الخاص طوال الفترات الماضية رغم صغر سنه، حيث اكتسب خبرة تجارية من العديد من الأعمال الاقتصادية والاستثمارية التي قام بتأسيسها، كما يقول رجال الأعمال في الرياض إنه كان معروفًا بكونه تاجرًا نشطًا في سوق الأسهم والعقارات.
الأمير الشاب تولى مساحة أكبر في هيكل الحكم السعودي منذ التغييرات الأخيرة في بنية السلطة داخل الأسرة الحاكمة، حيث ذهبت إلى شركة النفط الحكومية “أرامكوا” بعد أن خرجت من ولاية وزارة النفط، ووضعت تحت سلطته، كما تسلم أيضًا رئاسة مجلس السياسات الاقتصادية الذي تم إنشاؤه حديثًا، بالإضافة إلى تسلمه مقاليد وزارة الدفاع، تلك الوزارة التي كانت أساسًا بيد والده قبل توليه عرش الملك.
بعد هذا التحول الدراماتيكي في السعودية وبزوغ نجم محمد بن سلمان أرادت الصحافة الأجنبية أن تقترب منه أكثر لتتعرف عليه، وقد بدأ الأمير في المقابل أن يقترب هو الآخر من وسائل الإعلام العالمية واستضاف محرري مجلة الإيكونوميست في حوار سياسي اجتماعي اقتصادي مطول.
بن سلمان يصدر نفسه للغرب أيضًا على أنه عقلية سعودية جديدة منفتحة تتحدث بشكل ليبرالي عن حقوق المرأة وغيرها من المآخذ التي يمسكها الغرب على المملكة دائمًا.
وحينما لاحظ المسؤولون الغربيون لا سيما الأمريكيين منهم هذه النزاعة لدى الأمير الشاب في الفترة الأخيرة مع تنامي الدور السياسي الهام الذي يلعبه، وقد كتبت صحيفة واشنطن بوست عنه مقالًا جاء فيه نقلًا عن بعض المسؤولين العرب قولهم: “لا تقلقوا كثيرًا”، يقول المسؤول العربي، ويضيف “استثمروا في محمد بن سلمان، تعرفوا عليه كما فعلتم مع محمد بن نايف، خذوه إلى وول ستريت وإلى وادي السليكون، بينوا له بأنكم مهمتين به”.
حوار محمد بن سلمان الأخير مع بلومبرج عن التحول الوطني
أجرى الأمير مؤخرًا مقابلة صحافية مع صحفية بلومبرج التي تحدثت عن أن الأمير الشاب كان في بداية الأمر على خلاف مع عمه الراحل، لكن هذا الخلاف تلاشى عندما أقنع بن سلمان عمه بضرورة تحديث المملكة لتواجه المستقبل .
حيث عمل بن سلمان لمدة عامين، وبتشجيع من الملك الراحل، على التخطيط لإعادة هيكلة شاملة للحكومة والاقتصاد السعودي، بهدف تحقيق ما يسميه “أحلام جيله المختلفة” لمستقبل جديد، وهي على ما يبدو الخطة التي ستظهر في عهد والده سلمان.
وأعلن الأمير الشاب أخيرًا عن موعد إطلاق خطته المقرر في 25 أبريل القادم وهي “الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية”، هذه الخطة التاريخية للأمير الشاب، والتي ستشمل تغييرات اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق، من بينها إنشاء أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، يمتلك أصول بقيمة أكثر من 2 تريليون دولار.
يقول محمد بن سلمان: “في غضون 20 عامًا، سنكون دولة لا يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على النفط”.
يخطط الأمير لعملية اكتتاب عام يمكن أن تبيع “أقل من نسبة 5 بالمئة” من شركة أرامكو السعودية، والتي ستتحول إلى أكبر كتلة صناعية في العالم. وسيقوم الصندوق السيادي بتنويع أنشطته في أصول غير نفطية، لضمان تنفيذ الخطط التي تؤدي إلى عدم اعتماد المملكة التام على النفط في الإيرادات.
كما أن التدابير التي ينتوي بن سلمان فرضها وأعلن عنها في حواره تستهدف توفير 100 مليار دولار سنويًا من العائدات غير النفطية الإضافية بحلول عام 2020.
يعلم بن سلمان أن الكثير من السعوديين لديهم تشكك في هذه الإجراءات لذلك يقول: ” هذا هو السبب في أنني أجلس معكم اليوم. أريد إقناع شعبنا بما نقوم به، وأريد أن أقنع العالم”، وهو ربما يقصد بذلك البيرواقراطية السعودية التي تحاربه بعدما هيكل الحكومة عقب صعوده إلى مناصبه.
على الصعيد الاجتماعي يرى بن سلمان أن التكنولوجيا والعائلة المالكة عاملين أثرا فيه بشكل ملحوظ، حيث كان جيله أول من استخدم شبكة الإنترنت في العائلة، وأول من لعب ألعاب الفيديو، وأول من حصل على معلوماته من الشاشات.
“نحن نفكر بطريقة مختلفة للغاية، حتى أحلامنا مختلفة”.
إلى أي مدى يمكن اعتبار توجهات محمد بن سلمان مختلفة؟
الأمير محمد يؤمن أن المرأة لديها حقوق في الإسلام لم تحصل عليها حتى الآن، وقد أشار أنه يدعم المزيد من الحرية للنساء اللاتي لا يستطعن القيادة أو السفر دون إذن من أحد أقاربها الذكور، وهو ما يعني أن بن سلمان يحاول تصدير صورة ليبرالية عن نفسه تواكب الحديث مع صحيفة أجنبية.
هذا تحدٍ للمؤسسة الدينية الرسمية في البلاد التي رفضت هذه التوجهات مرارًا من غيره، وهذه المحاولات الليبرالية بالتأكيد تهدد الاتفاق الذي أبرمته الأسرة الحاكمة “آل سعود” مع المؤسسة الدينية التقليدية التي تعطي شرعية الحكم لهم.
توجهات محمد بن سلمان بالتأكيد مختلفة لكن لا يمكن معرفة مدى قابلية الإجراءات التي يتحدث عنها للتطبيق في الداخل، فليس كل ما يُقال في الصحافة ينفذ دائمًا حتى لو كان صادقًا، فعلى صعيد الوضع الاجتماعي الذي يستتبع هذه التوجهات، الأمر سيكون معقدًا من جانب التحالف القديم الذي تحدثنا عنه مع المؤسسة الدينية الرسمية.
فتصريحات بن سلمان احتاجت إلى توضيحات نشرت فيما بعد حتى لا يتم التصادم مع التيار الديني في السعودية، حيث تراجع بقوله: “أنه ليس لديه مشكلة مع المؤسسة الدينية الرسمية حول قضية قيادة المرأة للسيارة”.
ويقول أيضًا: ” أن مشكلته مع أولئك الذين يحاولون تشويه الحقائق الدينية لكي يحرموا المرأة من حقوقها التي كفلها لها الإسلام”
في حين يلعب على عامل الوقت حيث أراد التذكير بأن النساء الأميركيات اضطررن إلى الانتظار طويلا للحصول على حقهن في التصويت بالانتخابات العامة.
أما على الصعيد الاقتصادي يتسأل البعض عن مدى نجاح خطة التحول الوطني في قضية القضاء على الفساد قبيل أي إصلاحات، كما تمنى البعض الآخر أن يحدث تحولًا في مجال حقوق الإنسان أولًا حتى تستطيع المملكة أن تنفذ البرامج الاقتصادية والاجتماعية.
ولا يبدو أن توجهات بن سلمان ستظل فردية أو ما شابه في الفترة المقبلة حيث جاء حديث السفير السعودي في واشنطن متحدثًا عن عدم كفاية الاقتصاد لتحقيق الاستقرار، وإنما الحاجة الآن لمجتمع مدني يوفر المشاركة في صناعة القرار.
هذا الحديث وهذه الرؤى والتوجهات لمحمد بن سلمان وفريقه إذا تخطت عقبة التطبيق على أرض الواقع، وانتقلت من مربع الحديث إلى الغرب إلى الإرادة الفعلية الداخلية، فإننا ربما على وشك أن نشهد سعودية جديدة خلال الأعوام القادمة طبقًا لخطة التحول الوطني.