منذ انتشار نبأ الاتفاق الأردني – الإسرائيلي، أواخر العام الماضي، والذي ينص على نصب كاميرات في باحة المسجد الأقصى، كحلٍ شافٍ لموجة الغضب الفلسطينية، والتي جاءت كنتيجة مباشرة لاقتحامات المستوطنين للأقصى وللممارسات الإسرائيلية للمدينة المقدسة بشكلٍ عام، دافعت المملكة عنه باعتباره مشروعًا ليس في مصلحة إسرائيل، وسيخدم الأردنيين والفلسطينيين، بشأن توثيق الخروقات الإسرائيلية للاتفاقات السابقة والاقتحامات الحالية للأقصى، وأبدت في الوقت نفسه، ما يمكن أن تحتسبه انتصارًا جسيمًا، حتى ظن البعض بأن الصورة ستتغير في اليوم التالي من تطبيق ذلك المشروع، حيث ستختفي تعديات المستوطنين، وستتلاشى جملة الممارسات الإسرائيلية، وستعود الحياة الدينيّة الفلسطينية إلى طبيعتها.
رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم يتأخر عن منح المملكة أن تواصل شعورها بذلك الانتصار، حيث بدا وكأن انحيازه إلى الاتفاق وتوقيعه أيضًا، جاءا نتيجة لتلبية رغبتها في إيجاد حلٍ لأزمة الأقصى الحاصلة، ومن ناحيةٍ أخرى، تمجيدًا لمكانتها، وتمسكًا بدورها التاريخي في صنع السلام والاستقرار في المنطقة.
كان هامشيًا رأي السلطة الفلسطينية لدى طرفي الاتفاق، التي كانت قد سلّمت مفاتيح إدارة الأقصى والمقدسات التابعة له، للمملكة منذ بداية العام المنصرم، حيث إنها لم تستطع التعليق بحرفٍ واضحٍ إزاء الاتفاق، بغض النظر عن تململها وعلى الجانبين، شعورًا منها بأنه – الاتفاق – ليس هو المراد، وخاصةً بعدما اعتبره المنتقدون، وكأنه فخًا لبِقًا، للإيقاع بالنشطاء الفلسطينيين، ويساعد في تأكيد الشراكة الإسرائيلية في إدارة الأقصى، وفي ضوء أن المملكة بذاتها، كانت قد أدانت وضع إسرائيل لكاميرات مراقبة في ديسمبر 2013، وطالبت بإزالتها، باعتبارها معدة لرصد مسؤولي الوقف وحركات المصلّين، واصطياد المطلوبين والنشطاء الفلسطينيين.
على أي حال، فإن المشروع سقط من تلقاء نفسه، وقبل أن تتم تجربته فيما إذا كان مجديًا كما أمِلت المملكة أم لا، بعد أن أعلنت المملكة عن تراجعها عن تطبيقه على الواقع، بسبب أنه وكما في كل مرة، بيّن مساحة شاسعة في الفهمين الأردني والإسرائيلي، حيث أجبر الفهم الإسرائيلي المملكة على أن تعدل عن الاتفاق تمامًا، واعتباره لديها وكأنه لم يكن، وذلك بالاستناد إلى مبررات حاسمة، ربما تبلغ درجة التوقيع على الاتفاق نفسه.
فبعد شعورها بادئ الأمر، باحتمال أن يكون الاتفاق نافعًا، وأن يحظى برضى الفلسطينيين، لكن سرعان ما استلمت مواقف فلسطينية غير متطابقة ولا منسجمة معها، وفي هذه الحالة تكوّنت الخشية من تخفيض الثقة بها باتجاه إدارتها للمقدسات، والتي قد تصل إلى الدرجة التي تقلل من قيمة هذه الإدارة، وخاصة في غياب القدرة على اتخاذ مواقف سياسية تكون أكثر جدية باتجاه إسرائيل.
كما أن ما تبين لها من سوء النوايا الإسرائيلية، وهي التي تم الإعلان عنها في أوقات لاحقة، والتي تتلخص بوجوب أن تحصل إسرائيل على إمكانية السيطرة على غرفة المراقبة والتحكم فيها، فضلًا عن أن نتانياهو نفسه، هو من قام بخرق الاتفاق، من خلال إعلانه، من أن الاتفاق لم ولن يحدث بسببه أي تغييرات في الأوضاع القائمة، والخاصة بجداول الزيارات اليهودية المعتادة لـ (جبل الهيكل)، بعد أن احتوى الاتفاق بأن للمسلمين فقط الحق إدارة الأقصى والصلاة فيه.
نتانياهو اعتبر تراجع المملكة مكسبًا مهمّا، ما جعله يندفع وبجدارة نحو إظهاره أمام الرأيين المحلي والدولي، بأنه تأذى بسبب هذا التراجع، وأعلن أن دعمه للمشروع سوف يبقى على ما هو، وألقى في نفس الوقت اللوم على السلطة الفلسطينية، باعتبارها من ترفض الفكرة وهي التي حالت دون تنفيذها، لخشيتها من تصوير الاستفزازات الفلسطينية المتكررة ضد اليهود والإسرائيليين بشكلٍ عام.
يمكن ملاحظة أن نتانياهو يحاول قدر الإمكان، باتجاه تهدئة النفوس حول الأقصى، من خلال تقنين وصول اليهود إلى الأقصى في هذه الأثناء، والتي يتخللها الفصح اليهودي، وذلك حفاظًا على تراجع معدلات الهبة الفلسطينية الدائرة، لكنه في نفس الوقت لم يقم بإلغاء مشروع الكاميرات إلى الآن، حيث إنه وإن لم يقم بنصبها على حسابه علانيةً، فإنه سيكتفي بتلك الكاميرات الخفية عن الأعين، والتي تخدم الجانب الإسرائيلي فقط، وتقف جل الاحتمالات الآن، هو أن تبقى الأوضاع حول قضية الأقصى متوترة.