يُعد القضاء العشائري في فلسطين قديم منذ بدايات نشأة القبائل البدوية قبل ظهور الإسلام وله أساس متين وقوي حتى اليوم، ويقوم القضاء العرفي على توفير درجة عالية من الحماية والأمن للمتخاصمين بوجود كفلاء العشائر، حيث يستطيع المتخاصم أن يختار قاضيه بنفسه، والقدرة على سرعة الحل في القضايا توفيرًا للوقت والجهد، بعيدًا عن سيطرة السلطة أو النظام الحاكم في حل النزاعات والقضايا الشائكة بين الناس داخل المجتمع.
قال مختار عشيرة السواركة الأستاذ مازن أبو شيحة، إن القضاء العرفي تم تداوله ونقله عن طريق العقل والنقل واحتكاك الابن بالجد أي بالوراثة عن الآباء والأجداد على عكس القانون الوضعي المدون في فترة الحكم الفرنسي والبريطاني.
وأوضح أبو شيحة، بأن الحكم على القضية العالقة بين الناس لا تتم إلا بعد سماع جميع الأطراف المعنية أو المتخاصمة وفهم طبيعة المشكلة لتقريب وجهات النظر، والحكم بالعدل فيما بين الناس بحيث لا يظلم أحد من كلا الطرفين.
وأردف أبو شيحة، أن القضاء العشائري يتعارض مع القضاء النظامي كليًا، فنتيجة النقص والخلل في عمل القضاء الرسمي أو عجز القانون عن حل بعض النزاعات، يلجأ العديد من المواطنين إلى تحقيق الصلح وحل النزاعات بين العائلات والأفراد داخل المجتمع الفلسطيني إلى المخاتير ورجال الإصلاح، مبينًا سرعة بتهِ – القضاء العرفي – في قضايا الدماء والقتل والمشاكل الاجتماعية والوصول فيها لحل مرضٍ للطرفين على عكس القضاء الرسمي الذي يتسم بالتأجيل أكثر من مرة وقد تصل إلى سنوات طويلة في المحاكم الفلسطينية.
الكفاءة والخبرة
وفي ذات السياق، قال رفيق زيادة الناشط في لجان الإصلاح في منطقة الرمال غرب مدينة غزة، إن”المجتمع الفلسطيني بطبيعته هو مجتمع عشائري له عادات وتقاليد تربى عليها من آبائه وأجداده، فأصبح العرف العشائري منتشرًا داخل المجتمع ويلبي حاجاتهم وطموحهم”.
وبيّن زيادة، أن المتخاصمين في نهاية المطاف يخرجون ونفوسهم راضية ومطمئنة وتعود المودة والمحبة بينهم، وأن الحكم الذي يصدرهُ قاضي العشائر يتفق مع أحكام الشريعة ولا يقوم بالضرر على القضاء الفلسطيني بل يساعد في حل النزاعات بين المتخاصمين، وأن رجال الإصلاح ومن خلال حرصهم الدائم على تطويق المشاجرات ومنع إراقة الدماء والتعامل مع الناس بالحلول الودية والمواطنين، والتراضي بين أبنائهم، ساهموا بشكل كبير في استتباب الحالة الأمنية بالقطاع.
وشدد زيادة، على أن قُضاة العشائر هم أصحاب كفاءات وخبرات ويمتلكون القدرة على الإقناع وأخلاقهم حميدة ويتمتعون بالثقة من قِبل المواطنين.
القضايا الشائكة
وينوه زيادة، أن القضاء العشائري ليس بديلاً عن القضاء النظامي، بل هو يقوم بدور المكمل والمساند حتى نسعى إلى بناء مجتمع مسلم متكامل الأطراف يحكمه القانون .
وأشار زيادة، أن مراكز الشرطة تعجز عن حل العديد من القضايا الشائكة والمعقدة، وتقوم بتحويلها إلى القضاء العشائري ونحن نقوم بدورنا بحل تلك القضايا من جذورها على قاعدة الصلح العرفي داخل المجتمع، فالمواطن يقوم بتحويل القضية من النظامي إلى العشائري وفي بعض الأحيان يُحول القضاء النظامي بعض القضايا إلى الصلح العشائري.
القضاء العشائري متوارث
من جانبه قال المحامي الشرعي والنظامي شريف أبو سعدة “إن القضاء العشائري لا يمكن أن يكون بديلاً عن النظامي لأن القضاء العشائري في فلسطين متوارث جيلاً بعد جيل، والسر وراء ازدهاره ما مرت به فلسطين من تقلبات سياسية واجتماعية، والتي جعلت منه حاضرًا بقوة وقادرًا في كثير من الأحيان على حل منازعات كثيرة، ولكن أحكامه تحتاج إلى الصيغة التنفيذية عبر القضاء النظامي إذا ما رفض المحكوم عليه الخضوع طوعًا للالتزامات المترتبة على الحكم”.
وأضاف أبو سعدة، أن ما يدفع المواطنين للذهاب إلى القضاء العشائري عدم كفاءة العديد من القُضاة نتيجة قلة الخبرة التي تنقص البعض وعدم قدرة المواطن على تحمل التكاليف الباهظة التي تُدفع للمحامين والمحاكم طوال مدة التقاضي التي تستمر لسنوات عدة، ونوه أن التحزب السياسي يجعل البعض يرفض اللجوء إلى القضاء الرسمي لانتماء القضاء للحزب المنافس.
أساس العدالة
ويتابع أبو سعدة قائلاً: إن “القضاء النظامي أساس العدالة ولا يمكن أن يقوم على اقتناص الفرص أو كسب الوقت أو الاعتماد على شخص محدد في إصدر الحكم والعمل على اتباع الطريق الأسهل لحل المشكلات”، وأشار إلى أن “المشاكل التي يثيرها القضاء العشائري وعدم اتساقه مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان تقتضي تجريدهِ ليكون داعمًا ومتكاملاً مع منظومة العدالة الرسمية بدلاً من أن يكون محبطًا لها رغم أنه مطلب لنا باعتباره أحد الوسائل البديلة لحل بعض النزاعات”.
يذكر أن العديد من المواطنين الغزيين يلجأون إلى القضاء العشائري بديلاً عن القضاء الفلسطيني، من أجل حل الخلافات والمشاكل العائلية بين الناس بطريقة ودية داخل المجتمع.