تزايدت في مصر، وفي أوساط أخرى في الخارج، الدعوات إلى خروج مدوٍّ للجماهير، يوم الـ 25 من أبريل الجاري – أي تقريبًا بعد يومَيْن من الآن – احتجاجًا على تفريط الدولة في جزيرتَيْ تيران وصنافير، ضمن حزمة الاتفاقيات الأخيرة التي وقعتها الحكومة المصرية مع الحكومة السعودية.
البعض – كما حدث في مظاهرات الجمعة 15 من أبريل – يحاول الخروج عن النص، ويسعى إلى ضم مجموعة من المطالب ورفع حزمة من الشعارات، التي تتجاوز ما كان “متفقًا عليه” ضمنيًّا منذ البداية، بين القوى الأخرى – خلافًا للإخوان المسلمين تحديدًا – مثل “الاشتراكيون الثوريون”، و”حركة شباب 6 أبريل”، مثل “يسقط حكم العسكر”، ورحيل النظام.
ومن خلال متابعة الدعوات المتصاعدة في الوقت الراهن على أدوات التواصل الاجتماعي، والوسائط الإلكترونية والفضائية المختلفة التي يتصدرها شباب الإخوان المسلمين، والتيارات الأكثر راديكالية في أوساط الإخوان والقوى المؤيدة والداعمة لهم في الخارج؛ فإننا نجد أن هناك والأكثر ميلاً إلى الصدام مع الدولة، وربما المجتمع كذلك؛ فإن هناك تصورًا يتم تصديره إلى جمهور المتابعين أن مصر داخلة على ثورة شعبية جديدة، تعتبر استكمالاً لثورة يناير أو ثورة أخرى جديدة على غرارها.
ونقول “جمهور المتابعين” وليس “الجمهور العام” إمعانًا في الدقة كما سوف يتم التوضيح في موضعٍ تالٍ.
مشهد غير واقعي!
هذا القول أو التصور، يفتقر إلى الكثير من الدقة وغير سليم في الأسس التي استند إليها، وحتى لو لم نخُض في نوايا مروجيه وافتراض أنهم على حسن نية في هذا؛ فإن الباعث الأساسي لترويج هذه الصورة هي محاولة حشد أكبر قدر ممكن من متابعيهم – وهذه بدورها لها دلالتها – من أجل الخروج يوم 25 أبريل.
مبدئيًّا يجب التأكيد على مجموعة من الأمور التي تستند إليها هذه الدعوة للحِراك، وكلها أمور موضوعية صدقها الواقع.
أولاً؛ وبالرغم من كل المشكلات القائمة أمام المواطنين، وخصوصًا أزماتهم المعيشية وارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه – في السوق الرسمية والسوق السوداء – مما أدى إلى ارتفاعات كبرى في أسعار السلع الأساسية؛ فإن المواطنين، لن يقبلوا بتكرار تجربة ثورة جديدة، بعد ما حصل في يناير وفبراير 2011م، ثم في يونيو ويوليو وأغسطس 2013م، فالترويج لفكرة أن الشعب ينتظر شرارة جديدة للثورة، أمر غير دقيق.
المرتكز الثاني الذي تستند إليه دعوات الخروج؛ هو أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بات خارج معادلة الحكم لدى القوى النافذة في الدولة والمجتمع في مصر، ولدى الإقليم والمجتمع الدولي.
ويتم تثبيت هذه الفكرة من خلال مجموعة من التقارير والاستطلاعات والمواقف والأحداث، التي يتم تأويلها بحيث تخدم هذه الفكرة، وتشير إلى وجود صراعات أجهزة في مصر وأن الدولة والنظام منقسمون على أنفسهم، وأن الأزمات الاقتصادية والأمنية الراهنة في مصر، قد تقود إلى انقلاب داخلي من جانب الدائرة المحيطة بالسيسي.
بدايةً في هذه الجزئية؛ فإن هناك بعض الأمور الواجب ممارسة بعض الإضاءات عليها.
الإضاءة الأولى، تتعلق بالاستشهادات التي يلجأ إليها البعض من الصحف والمصادر الإعلامية الإسرائيلية، وكلها أمور غير موثوق فيها، لأنها كلها تخضع للتوجيه من خلال الرقابة العسكرية الإسرائيلية، والتي بدورها توجه الإعلام الصهيوني إلى ما يحقق مصالح الدولة العبرية، وما تفرضه السياسات العليا للدولة وتعمل الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها.
أهم ما ينبغي إدراكه في التعامل مع المصادر الصهيونية؛ هو أن ندرك أنهم ليسوا مثل المعارضين للنظام في مصر، يخلطون بين الجيش والدولة وبين الحاكم والطبقة المتنفذة في مصر، حيث إن أهم مصلحة إسرائيلية عبر تاريخ الصراع هي تدمير الجيوش العربية وإدخال الدول العربية الكبرى في أزمات متواصلة تمنعها من أن تشكل خطرًا على إسرائيل، وهذا كله مدون في مذكرات بن جوريون وغيره من الرموز المؤسسة للمشروع الصهيوني، ولمصر والعراق وسوريا والمملكة العربية السعودية، أهمية خاصة في هذا التصور.
وبالتالي؛ فإن كل ما يتم نشره في هذا الصدد، لا يخرج عن كونه محاولة لإثارة البلبلة حول الأوضاع في مصر، ودفع الأمور إلى حافة الفوضى، في ظل عدم تنازل أي من أطراف الأزمة في البلاد عن مواقفه.
وكان أجدر بأبناء الحركة الإسلامية عدم الانسياق خلف استشهادات الإعلام الصهيوني، والتي لا يمكن أن تكون بريئة، بما في ذلك حتى ما يتردد عن تعاون عسكري واستخباري بين مصر والكيان الصهيوني.
هل ينقلب الجيش على السيسي؟!
الإضاءة الثانية، تتعلق بمحتوى متداول عن أزمة بين السيسي والجيش، وأن هناك مخطط لتنحيته.
يتردد في هذا الإطار اسمان أساسيان، الأول هو وزير الدفاع صبحي صدقي، والثاني هو سامي عنان، رئيس الأركان وقت ثورة يناير.
وبشكل يعكس الكثير من التشويش، استند الكثير من الداعين إلى نزول شامل يوم 25 أبريل، إلى تصريح لصدقي، خلال الندوة التثقيفية الـ23 للقوات المسلحة، قبل أيام، اجزأوا منها دعوته إلى الإعلاء من مصلحة الوطن، وتم تصوير الأمر على أنه يشبه البيان الأول للجيش أيام ثورة يناير، قبل تنحي مبارك، وتصريح السيسي الشهير قبل انقلاب يوليو 2013م.
هذا الاجتزاء مع عدم حضور السيسي للندوة، تم استغلاله، مدعومًا بسلسلة تقارير مدفوعة الأجر – وهذه حقيقة لم ينكرها بعض الإخوان في حالات تمت في صحف بريطانية وأمريكية – تتحدث عن اهتزاز الأرض من تحت السيسي، وأن هناك ترتيبات تتم لاستبداله.
بل لجأ البعض إلى “ضرب” مقالات مثل هذه ونسبها إلى مصادر دولية لم تقم بوضعها، مما أفقدها الكثير من المصداقية، أفقدت بدورها الدعوات للنزول الكثير من مصداقيتها، مع مجموعة أخرى من الممارسات.
الطريف أن بعض هذه المنشورات التي يتم تداولها تسند أقوال لإعلاميين أيدوا الانقلاب، مثل عمرو أديب ووائل الأبراشي، تتنقد السيسي بعنف وتدعوه للرحيل، وتردد بعض المصادر التي تروج لذلك، معلومات لا يصدقها عقل ولا واقع، وبالتالي فهي تدخل في بند الأكاذيب البواح التي تضر ولا تفيد بالمطلق.
وبشكل عام، فإنه وفيما يتعلق بجزء كثير من هذا الجهد في هذا الاتجاه، فإنما هو مصطنع من أجل وضع صورة ذهنية أمام “المتابعين” – وليس عوام الناس المنفصلين تمامًا عن هذا الجهد – من أجل إيصال رسالة لهم بأن “السيسي يترنح، فقط تحركوا”.
وهو أمر خطير، ولكن قبل تناول مكامن خطورته، وجب توضيح أمرٍ يكشف عن بطلان مثل هذه المزاعم، ويتعلق بموضوع صبحي صدقي وعدم حضور السيسي للندوة.
صدقي بدأ كلامه بتوجيه التحية للسيد الرئيس القائد الإعلى للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي، وكان جُل حديث صدقي موجهًا إلى “دُعاة الفوضى” ومن اتهموا الجيش بالتفريط في التراب الوطني.
أما عدم حضور السيسي، فإنه يعود – بنتهى البساطة – إلى أمور تتعلق بلقاء مفاجئ مع ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي وصل إلى القاهرة الخميس، آتيًا من الرياض، واستقبال السيسي الخميس 21 أبريل كذلك، الرئيس التنفيذي لمؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للأعمال الإنسانية، الأمير تركي بن عبد الله بن عبدالعزيز.
والدليل على تهافت هذا الموقف الذي يتم التمسك به بشكل عجيب في التدليل على انقسام الجيش والدولة على السيسي، هو أن أخبارًا عدة نُشِرت صباح اليوم ذاته، تتكلم عن حضور السيسي للندوة، ولكن وصول الشيخ محمد بن زايد، ولقاء الأمير تركي، حالا دون ذلك، ولذلك نجد أن رئيس الوزراء شريف إسماعيل، ورئيس البرلمان علي عبد العال، حضرا الندوة لأن ذلك كان متفقًا عليه مسبقًا لعرض إنجازات الحكومة في ذلك اللقاء، وهو ما تم فعلاً، حيث تم عرض “إنجازات” عصر السيسي وحكومة إسماعيل أمام الضباط الحضور.
أما ما يتعلق بسامي عنان، فإن الأمر لا يعدو إلا أن يكون حملة اصطنعها بعض الداعين ضمن جهد تركيز الحشد، حيث لم يصدر أي رد فعلٍ للآن من سامي عنان نفسه على هذا الكلام، باعتبار بيان سابق له قبل عامين، أكد فيه أنه لن يتدخل في أي شأن سياسي مصري مستقبلاً.
هذا نموذج لما يتم ترديده ويدخل في إطار الخزعبلات، ولكن ثمة وقفة أمامه؛ فمَن يدعو وهو يعلم هذه الصورة ويروج لعكسها، عندي، في نفس درجة إجرام النظام.
لا ينفصل عن ذلك تحركات البعض بروح ثأرية فردية، وخصومات شخصية بحتة لا مجال لها في السياسة، حيث إن الثأر في أمور فردية، أمرٌ مختلف عن التضحيات التي تتم في إطار العمل السياسي الشامل، ومن المفترض أنَّ مَن ينزل إلى هذا المعترك منذ الثورة وحتى الآن، مرورًا بالفض الدموي لاعتصام رابعة؛ يكون لديه الوعي اللازم لقبول هذه الخسائر، في إطار كونها خسائر ميدان، وهو ما يميز الجندي الذي يحارب والجندي الذي يواجه ذات الموقف – القتل والظلم – في إطار حياته العادية خارج ميدان المعركة.
جيوب معزولة!
فوجئنا قبل أيام قليلة من الدعوات للنزول، بعدد من نشطاء الحركة الإسلامية من الجناح الذي تعرض لمراجعات في موقفه التنظيمي من جانب قيادات الجماعة التاريخية، وتم فصلهم من الإخوان، يقولون إن باعث نزولهم هو جرائم الجيش والسيسي في حق المعتصمين في رابعة والنهضة، وما تلى ذلك من جرائم، وليس لأي باعث آخر حتى ولو كان الجزيرتَيْن أو مشكلات المواطنين المعيشية وظلم وفساد النظام (قيل ذلك بالحرف الواحد).
هو هكذا حكم بالإعدام على نقطة لفتنا النظر إليها في مستهل هذا الموضوع، وهي عدم رفع الجميع لأجندة واحدة خلال الاحتجاجات الحالية في موضوع الجزيرتَيْن، وهو ما يحكم بفشل أي فعل من قبل أن يبدأ من الأصل، ويقول بأن المجموعات التي تتصدر المشهد في الوقت الراهن، تعيش في جزر معزولة عن بعضها البعض.
وبدا ذلك بالفعل في المشهد أمام النقابة، وفي مصطفى محمود يوم 15 أبريل؛ حيث انتهت فاعلية مصطفى محمود سريعًا، بسبب تعامل الشرطة معها، وكانت في الغالب فاعلية إخوانية بالكامل، ورفعت شعارات ترفض حكم العسكر وتدعو لإسقاط السيسي، أما أمام النقابة، فقد كانت التعامل الشُّرَطي أكثر حذرًا، ولكن بدا الانقسام الحقيقي بين القوى الموجودة وقت صلاة المغرب، مشهد الصلاة كان كاشفًا بالفعل لأهم أزمة في الوقت الراهن بين المجموع الثوري المصري.
ففي أيام ثورة يناير، كانت الصلاة جامعة من أول يوم لآخر أيام الثورة، وحتى البدء في إخلاء الميدان يوم 14 فبراير، بعد ثلاثة أيام من تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك، وضمت الجميع، وكان الجميع – حتى المسيحيين وبعض غُلاة الليبراليين والاشتراكيين – يحرص على التواجد في مشهد الصلاة، أداءً أو حمايةً، لأن المشهد وقتها كان مهمًّا في جانبه السياسي.
ولذلك عندما نقول إن صلاة مغرب يوم 15 أبريل أمام النقابة كان كاشفًا، فهذا له معنى، حيث إن الفعالية التي ضمت الآلاف، لم تكُن بذات المستوى في الصلاة، حيث لم يؤدِّها إلا شباب الإخوان والحركة الإسلامية الحضور وبعض المتعاطفين معهم ممَّن لم يزد عددهم على بضعة عشرات.
وبالعودة إلى مكمن خطورة الترويج لصورة غير حقيقية تتعلق بانقسام الجيش على السيسي، وأنه “ساقط” لا محالة، وأن هناك تأييد شعبي فقط ينتظر الطليعة لكي تشعله، في أن الدفع بالمواطنين والشباب المتحمسين إلى مشهد صدامي مع الدولة، لن يقود سوى إلى المزيد من الدماء المهدرة من دون أية جدوى.
وهذا الأمر ليس غريبًا على بعض من تصدروا من دون أي وجه حق أو ضمير، المشهد الإعلامي والتنظيمي لتجربة رابعة، حيث كانت بعض الشائعات من هذا النوع، مثل أن الرئيس محمد مرسي موجود في الحرس الوطني، وأن الجيش لن يطلق النار عليكم، وراء أول مجزرة في خط الدم الطويل الذي امتد منذ ذلك الحين وحتى الآن، وهي مجزرة الحرس الجمهوري التي سقط فيها حوالي 70 من أنصار الشرعية، فجر يوم الثامن من يوليو 2013م.
نفس الموقف تكرر في أيامٍ تالية، مثل الترويج لشائعة هروب السيسي وعائلته من مطار ألماظة، وتم تحرك في ذلك الحين، كاد أن يودي بكارثة أكبر من كارثة الحرس، كما تكرر في شائعات عدة مثل استيلاء المتظاهرين على مديرية أمن بني سويف، بعد فض الاعتصام بساعات، وكان من نتيجة ذلك مقتل عدد كبير من المتظاهرين الذين توجهوا إلى المديرية، وقتلتهم قوات التأمين والحماية التابعة للجيش!
مشهد الانقلاب.. عودة على بدء!
في الحقيقة، وبعيدًا عن النوايا التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فإنه لا أحد يدري ما هي حسابات المروجين لفكرة انقسام صبحي صدقي والجيش على السيسي، فربما كان هذا الأمر محاولة لإحداث بلبلة في صفوف قيادة القوات المسلحة والضباط والصف الأدنى، أو ضمن مرحلة الإرباك والإنهاك التي تسبق مرحلة الحسم وفق ما وضعته بعض الأوساط الرافضة للانقلاب، وجهَّزت نفسها لحرب طويلة الأمد مع الدولة.
وفي كلتا الحالتَيْن، فإن الأمر مثير للسخرية بالفعل، فمن غير المتصور أن تقف الشؤون المعنوية والمخابرات الحربية في وضع المتفرج أمام هذا الأمر، وسوف تسعى بكل تأكيد إلى طمأنة الخواطر في داخل الوحدات العسكرية، ومن يؤدون خدمتهم العسكرية في الوقت الراهن، من بعض الشباب المنتمي إلى الإخوان المسلمين، أكدوا في أحاديث خاصة أن مستوى التأييد للسيسي في الجيش، غير عادٍ فعلاً ولا مجال للحديث عن هذه الخرافات.
الأمر الآخر، فإنه من غير المتصور أن تقدم كيانات ودول مثل الإمارات والسعودية، وعلى المستوى العالمي مثل فرنسا، مثل هذا الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري إلى نظام يترنح، وليس من المتصور أن يكون ذلك بالذات في حالة فرنسا، التي لو كانت تشعر لحظة واحدة بأن السيسي سيرحل وأن مصر سوف تدخل في فوضى أهلية، ما منحت الجيش هذا السلاح المتقدم!
كما كانت الإمارات بالذات، سوف تعمد إلى تقديم دعم سريع لخصوم السيسي في الدولة، للحيلولة دون تمكين الإخوان مرة أخرى في حالة سقوط السيسي، ناهيكم عن عدم قبول القوى الإقليمية أو الدولية لفكرة دخول مصر في فوضى وإسقاط الدولة.
ننتقل في التحليل إلى الجمهور المستهدف بالخطاب الثوري، وأول ملاحظة في هذا الصدد، هو أن اختلاف جمهور الداعين وشعاراتهم ومطالبهم على هذا النحو، مع عدم طرح هذه القوى لأي تصور للمرحلة الانتقالية، سواء منفردة أو بشكل جماعي، أو حتى على الأقل تصور واحد يخص العلاقة فيما بينها بعد سقوط النظام الحالي.
وفتَّ في عضد الرأي العام من المشاركة في هذا كله، أو حتى التحمُّس له، ما يتم الترويج له في بعض الوسائط الفضائية والإلكترونية الرافضة للانقلاب، ولا يتطرق أي شك في هويتها، أو أنها ستار للدولة لإخافة المواطنين وإبعادهم عن المعارضة، لأفكار مرعبة بالفعل لا يمكن أن يقبلها شعب بطبيعة الشعب المصري، مثل إغراق البلد في بحور من الدماء، وإسقاط مؤسسات الدولة، تحت ستار “التطهير” و”استئصال الفساد”، و”الثارات”.
هذا الوضع جعل آخر تقدير موقف للرأي العام المصري أنه “في حالة يُرثى لها، ويعاني من أزمات معيشية عدة، إلا أنه يرفض بالإطلاق أية أفكار لثورة جديدة، أو فوضى من أي نوع، وأن كل ما يستهدفه هو الحفاظ على الوضع القائم”.
من ناحية أخرى، فإن الجمهور العام القادر على التغيير الحقيقي، والذي من حقه منح الشرعية لأي نظام أو حاكم – بموجب كل القوانين المتعارف عليها في التاريخ – غير متابع لكل هذا الجدل الإلكتروني والفضائي، وهناك – بسبب أزمة المصداقية هذه وتشتت شمل المعارضة – حالة من الانفصال شبه الكامل بينه وبين القائمين على الأمر.
لذلك قلنا في البداية، إن هناك فارق مهم بين “جمهور المتابعين” و”الجمهور العام”، وبدا ذلك شديد الوضوح في مشهد النقابة الشهير؛ حيث لم تحشد الطليعة المعارِضة أي كتلة بشرية غير منتمية سياسيًّا، سواء الإخوان في مسيراتهم ووقفاتهم، أو الإخوان وشركاء مشهد النقابة، حيث كانت الطليعة السياسية فقط هي المشارِكة.
وحتى هذه تعرضت لكسرة عنيفة للغاية، بعد تدخل خالد علي، أحد أهم من دعوا إلى الفاعلية، لفض المظاهرة، ثم اختياره ضمن فريق من “الشخصيات الوطنية” – بحسب التعبير الإعلامي الرسمي – يمثل المجتمع المدني المصري، في لقاء مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، خلال زيارته الأخيرة إلى مصر.
وتعمقت هذه الحالة من الفصام، مع وصول بعض الأطراف في الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين إلى نقطة الدعوة إلى ثورة شاملة، حيث أوجب ذلك العودة إلى المطالب الأساسية لكل منها، فبينما ترفض القوى الليبرالية والشبابية غير الإسلامية، لفكرة وجود الإخوان المسلمين في أي ترتيب مستقبلي لو سقط النظام، يتمسك الإخوان بمبدأ عودة الدكتور مرسي.
……..
هذا – بأمانة وموضوعية كاملتَيْن، وبعيدًا عن أية تحيزات قيمية أو أي انتماء سياسي – بعض من واقع المشهد الحالي في مصر، وهو – بكل دقة وأمانة كذلك – لا يمكن معه انتظار أي تحول في مصر.
وحتى لو صدقت التوقعات الخاصة بموضوع الانقلاب على السيسي من داخل الدولة؛ فإن ذلك يعني أن الدولة تسعى للحفاظ على نفسها، ولا تنوي التخلي عن مواقعها إطلاقًا، بينما لا تملك القوى المعارضة الحالية أي عامل قوى لفرض وجودها في أية معادلة سياسية جديدة، سوف يكون العسكر في صدارتها كذلك! أضف لهذا أن الدولة المصرية – خلافًا لآخرين – من الذين يستوعبون دروس التاريخ، مما سيجعل مشهد 25 أبريل ليس مثل مشهد 25 يناير!