فاجأت حكومة الدكتور عبد الله النسور، السياسيين والمراقبين بالإعلان عن التعديلات الدستورية الأخيرة، حيث انطلقت التفسيرات والتحليلات من هنا وهناك، حول أسباب التعديلات ومغزاها ودلالاتها وتوقيتها، الأمر الذي على إثره أثارت حكومة النسور عاصفة من الجدل محليا لم تنته بعد.
نحاول في هذا التقرير تشريح هذه التعديلات، والتي بالمناسبة لم يتم الفصل بها حتى الآن أو إقرارها، بالرغم من منحها صفة الاستعجال من قبل مجلس الوزراء عند إرسالها إلى مجلس النواب، فلا بد من بحثها ومناقشتها من قبل النواب ومن ثم الأعيان، وبعد ذلك يتم رفعها إلى الملك عبد الله الثاني الذي بدوره سيوشحها بموافقته الملكية أو يرفضها.
مجلس الوزراء كان قد قرر الموافقة على مشروع تعديل الدستور للعام 2016، ومن أبرز التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس الوزراء، وأرسلها إلى مجلس النواب بصفة الاستعجال، هي أن يمارس الملك صلاحياته منفرداً بتعيين ولي العهد، ونائب الملك، ورئيس وأعضاء مجلس الأعيان، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ورئيس المجلس القضائي، وقائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الدرك.
كما شملت التعديلات على أنه في حال وفاة رئيس الوزراء تستمر الوزارة برئاسة نائب رئيس الوزراء أو الوزير الأقدم، حسب مقتضى الحال ولحين تشكيل وزارة جديدة.
وحسب مجلس الوزراء، فقد جاء مشروع تعديل الدستور بهدف تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، وتعزيز استقلال المحكمة الدستورية والسلطة القضائية، ولتعزيز حياد قوات الدرك لعدم تأثر أفرادها بالسياسة.
قانونيون: تعديلات متسرعة وغير منطقية
من ناحيته، كان الباحث القانوني مؤيد المجالي قد طرح تساؤلا حول التعديلات الدستورية، قائلا: هل سيوافق الملك على التعديلات الدستورية أو سيرفضها؟
تساؤل المجالي جاء في معرض حديثه، خاصة في ظل المعارضة المتزايدة، والاعتراض الساخن والمتواصل على التعديلات، يصاحب ذلك كله التباطؤ الملموس في عملية نقاش التعديلات من قبل مجلس النواب بالرغم من منحها صفة الاستعجال.
ووفقا للباحث المجالي، يتمثل التباطؤ في عملية مناقشة التعديلات الدستورية في مجلس النواب، وعدم الإسراع في إقرارها، وذلك من خلال إحالتها إلى اللجنة القانونية، بعد وصفها من قبل نواب مخضرمين بأنها تعديلات مسلوقة ومتسرعة”.
وخلافا لما كان متوقعا، من إقرار للتعديلات في جلسة نيابية واحدة، أشار المجالي إلى أن “التعديلات الدستورية لاقت اعتراضات من قبل مراجع قانونية في المجلس وخارجه، إذ أعلن رئيس اللجنة القانونية النيابية عبد المنعم العودات، بأن اللجنة ستتعمق بالبحث وتستمع لخبراء في نصوص القانون والدستور”.
وكان أبرز من عارض هذه التعديلات من النواب، النائب عبد الكريم الدغمي، الذي تعهد بعدم التصويت عليها، حتى لو قطعت أصابعه، حسب تعبيره، كما حذر رئيس اللجنة القانونية الأسبق، المحامي مصطفى ياغي من سلق هذه التعديلات والإسراع في إقرارها.
وحول ماذا تعني التعديلات الدستورية،، لفت الباحث القانوني مؤيد المجالي إلى أن “المبادئ والقواعد القانونية تقضي بأنه أينما تكون السلطة تكون المسؤولية، وحيث أن الملك بموجب الدستور يتولى السلطة بنفسه في بعض الأحيان، وحيث أنه بموجب التعديلات الدستورية المقترحة الآن، ستتم الزيادة والتوسع في تلك السلطات، الأمر الذي يجب معه إعادة النظر في الحكم الدستوري الذي يقضي بأن الملك هو رأس الدولة وهو مصون من كل تبعية ومسؤولية”.
ورأى المجالي أن “هذا الحكم الدستوري أصبح حكما غير منطقي وغير سائغ، وأصبح حكما يتعارض مع كلام الملك في أوراقه النقاشية، وأصبح حكما يتعارض مع الأصول والمبادئ التشريعية التي تحكم نظام الحكم الديمقراطي البرلماني”.
“المحامين” تحذر من خطورة التعديلات
في حين كان أبرز من اعترض وهاجم التعديلات الدستورية، وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال السابق، طاهر العدوان، حيث نعى عبر تعليق له على صفحته الشخصية في فيسبوك الدستور الأردني للعام 1952.
وتبع العدوان في الاعتراض على التعديلات، نقابة المحامين، التي رأت أن “المبررات والأسباب التي ساقتها الحكومة للتعديلات الدستورية المرسلة إلى مجلس النواب، التي تتضمن السماح لمن يحمل جنسية دولة أجنبية من الأردنيين، بتولي مناصب سيادية عامة وحكومية، غير مقنعة ولا ترقى للسماح للأشخاص الذين يحملون جنسية أجنبية بتولي المناصب المذكورة”.
وقالت النقابة في بيان صدر عنها إن “مجلسها الذي يمثل الهيئة العامة للمحامين، وبما يشعر به من مسؤولية تجاه الوطن، يجد أن من واجبه التنبيه إلى خطورة هذا التعديل، لما سيخلقه من حالة الشك والريبة حيال الأشخاص مزدوجي الجنسية في حال توليهم المناصب العامة”.
وناشدت النقابة في نهاية بيانها “الملك ومجلس الأمة، بعدم الموافقة على التعديلات”، مشددة على أن “الوطن فيه من الرجال القادرين على تولي كافة المناصب والمراكز القيادية والسياسية وغيرها”.
كما علا صوت عضو مجلس النواب، رولا الحروب في معارضة التعديلات، حيث اعتبرت أن “الصيغة المقترحة خطيرة جدا، وتحول نظام المملكة من الملكية الدستورية إلى الملكية المطلقة”.
المعارضة: التعديلات تراجع في الإصلاح
على الصعيد الحزبي، أبدى حزب جبهة العمل الإسلامي معارضته هو أيضا للتعديلات، معتبرا أنها “تراجعاً ملحوظا، ليس فقط عن الملكية الدستورية، وإنما عن الخطط الإصلاحية والحكومات البرلمانية ومقابلات رأس الدولة العلنية”.
وقال الحزب في بيان صدر عنه: “إن التعديلات ذات رسالة واضحة، تدلل علی افتقار رؤساء الوزارات للشخصية القيادية الوطنية، وتحولهم إلى موظفين تنفيذيين كبار”.
أما نقيب المحامين السابق، المحامي صالح العرموطي، فكان له رأي قانوني بحت في هذا الموضوع، فقد لفت إلى أنه “إذا صدرت الإرادة الملكية بالموافقة على تعديل المادة 42، المتعلقة بازدواجية الجنسية، فإن ذلك يوجب تعديل المواد المتعلقة في قانون الانتخاب والهيئة المستقلة للانتخابات”.
وقال العرموطي: “إن المادة 128 من الدستور، تشير إلى وجوب تعديل القوانين، في مدة أقصاها 4 سنوات، وهذا لم يتم بالتعديلات الدستورية الماضية”، داعيا الحكومة إلى “وضع تفسيرات وتبريرات مقنعة حيال التعديل الدستوري على المادة 42”.
إلى ذلك، كتب الصحفي فهد الخيطان مقالا في صحيفة الغد حول الجدال الدائر بشأن التعديلات الدستورية، قال فيه: “الأجوبة المختصرة والمعممة التي سمعناها من الحكومة تحت قبة البرلمان، ليست كافية، ثمة أسئلة تتطلب ردودا موسعة ومعمقة”.
وتابع الخيطان في مقاله بقوله “من الخطأ تجاهل أسئلة الرأي العام وملاحظات المختصين، والوقت في اعتقادي لم يفت على توفير الغطاء السياسي لحزمة التعديلات، المهم أن يخرج كبار المسؤولين والمعنيين عن صمتهم، ويتقدموا للناس ببيان شامل يضع التعديلات المقترحة في سياقها الموضوعي، ويرسم ملامح المرحلة المقبلة، ولو بقلم رصاص”.