أثارت زيارة الرئيس الأمريكي إلى بريطانيا في اليومين الماضيين زوبعة من الآراء بين البريطانيين بين مؤيدٍ لآرائهِ ورافضٍ لها، إذ قام الرئيس أوباما بجولة في أوروبا زار فيها لندن منذ يوم الخميس وعقد عدة لقاءات مع العديد من الشخصيات والفعاليات، وتعتبر هذه الزيارة الخامسة لأوباما إلى بريطانيا ومن المتوقع أن تكون الأخيرة له قبل موعد الانتخابات الأمريكية، وقد حاول أوباما في هذه الزيارة تدعيم رأي ديفيد كاميرون في عدم الخروج من الإتحاد الأوروبي في الاستفتاء المقرر في 23 يونيو/ حزيران المقبل.
أوباما وفي أكثر من مناسبة عبر عن دعمه المطلق لبقاء بريطانيا في الإتحاد الأوروبي واعتبر أن وجودها في الإتحاد يعزز مكانتها في العالم ومسألة بقاءها من عدمه لها “أهمية كبيرة” بالنسبة للولايات المتحدة، واتفق معه 8 وزراء خزانة أمريكيون في رسالة مفتوحة حذروا فيها من خطر خروج بريطانيا معتبرينها أقوى ضمن الإتحاد الأوروبي، وبقاءها هو السبيل الأمثل لمستقبل أفضل لها وللاتحاد. كما رأى وزراء مالية دول مجموعة العشرين في اجتماعهم في 16 أبريل/نيسان في واشنطن أن خروج بريطانيا سيترك آثار بالغة على الاقتصاد العالمي ويعقده أكثر. وفي مقاله في صحيفة “الديلي تلغراف” البريطانية يوم الجمعة أكد باراك أوباما أن الإتحاد الأوروبي يتعزز بالنفوذ البريطاني وأوروبا قوية بالدور الذي تلعبه بريطانيا في العالم، كما أن نتيجة استفتاء 23 يونيو ستؤثر أيضًا على الأمريكيين.
العلاقة بين البلدين
العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تتسم بالخصوصية والإستقرار منذ 1900 إذ تحالف البلدين في الحرب العالمية الأولى والثانية ثم الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية مرورًا بحرب أفغانستان وغزو العراق في عام 2003 وصولًا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، كما أن بريطانيا اليوم تعد الحليف الرئيسي لأمريكا في المفاوضات مع بروكسل حول منطقة التجارة الحرة بين طرفي الأطلسي أمريكا وأوروبا، ولعبت دورًا هامًا في إقناع الاتحاد الأوروبي بالتحالف مع واشنطن في فرض عقوبات على روسيا في العام 2014 وفي المحاولات الأخيرة لمحاربة داعش، وأكد الرئيس الأمريكي هذه الخصوصية في العلاقة بدفاعه المستميت أثناء الزيارة عن بقاء المملكة في الإتحاد وحث البربيطانيين لقول “نعم” للبقاء. في حين أنّ الجناح المعارض للبقاء طالب أوباما بالبقاء خارج النقاش حول الإستفتاء واعتبروا تصريحاته في لندن تدخلًا في الشؤون البريطانية، ولكن أوباما تجاهل كل تلك الإنتقادات اللاذعة ضده والتي وصفته ب”العنصري” و”النصف كيني” وقال في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع كاميرون يوم الجمعة أنّ الدول لا تصنع مكانة عالمية لها ب”النأي بنفسها” عمّا يحدث في الساحة العالمية ولكن هي التي تتوحد لتضاعف قوتها وتأثيرها على العالم.
علمًا أنّ جناح معارضي البقاء في الإتحاد يضم أسماءًا ورموزًا في الحكومة، ويرى المعارضون للبقاء أن سرد الأرقام الاقتصادية السلبية عن خروج بريطانيا من الإتحاد يندرج تحت “المؤامرة ” لإبقائها بالقوة بحسب النائب والوزير السابق جون ريدوود. ويقف رئيس بلدية لندن بوريس جونسون الذي ينافس كاميرون على زعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة في جناح المعارضين للبقاء مع وزير العدل مايكل غوف وغيرهم. وقد انتقد عمدة لندن موقف أوباما من الاستفتاء وتدخله بالشأن الداخلي لبريطانيا وقال عن أوباما أنه يكره الإمبراطورية البريطانية وأن مشاعره معادية لبريطانيا، وذكر زعيم حزب الاستقلال نايجل فاراج في ما وصف ب”العنصرية” أن أوباما الذي تعود أصوله إلى الدولة الكينية أحد مستعمرات بريطانيا لا يحب البريطانيين وهو لم ينسى تلك الحقبة بعد. كما وقع أكثر من مئة نائب معارض لأوروبا رسالة تدعو الرئيس الأمريكي لعدم التدخل في النقاشات الداخلية بشأن البقاء في الإتحاد. وجاء في نتائج لاستطلاعات الرأي في معهد “سكاي داتا” أن 60% من البريطنيين يعتبرون تدخل أوباما في النقاش الدائر حول الاستفتاء لا يجوز وكان من الأجدر به ألا يتدخل.
بينما رأى وزير الخارجية البريطاني الأسبق مسألة دفاع أوباما عن بقاء بريطانيا في الإتحاد مشروع، لإن أمريكا هي حليفة بريطاينا وأوباما يتصرف بما تملي عليه مصلحة بلاده ولإن أمريكا تعد أكبر سوق تجاري لبريطانيا و”الضامن النهائي” لأمنها والحليف الذي لا غنى عنه، فمن صالح أمريكا أن تبقى بريطانيا في الإتحاد.
وجهة نظر أخرى تقول أن أمريكا لن تتأثر كثيرًا بخروج حليفتها الإستراتيجية بريطانيا من الإتحاد، إذ تكمن فرصة لدى الولايات المتحدة في حال خروجها من الإتحاد بتعميق التحالف الأمريكي البريطاني القديم وتعزيز المشروع الأوروبي المضطرب وتأطير جهود التعاون بين البلدين أكثر فيما يخص قضايا التنمية والأمن العالمي بحسب مجلة “الفورين بوليسي” الأمريكية، كما يمكن إحتواء المخاطر الاقتصادية التي قد تنجم عن خروج بريطانيا وعقد اتفاقية تجارة مشتركة مع بريطانيا بشكل منفصل حتى لا يتضرر التبادل التجاري بين البلدين ولا تخسر الشركات البريطانية الميزة التنافسية لصالح شركات أخرى. لذا وبحسب المجلة الأمريكية فإن قرار الخروج لن يكون كارثة دبلوماسية واقتصادية على الولايات المتحدة، بل يمكن استثماره لبناء علاقة جديدة منفردة معها.
العلاقات الاقتصادية بين أمريكا وإنجلترا
وتعتبر السوق الأمريكية بالنسبة لبريطانيا أكبر سوق لتصدير المنتجات البريطانية إليها بعد الإتحاد الأوروبي، إذ استوردت أمريكا من المملكة المتحدة ما يقارب 54 مليار دولار من سلع وخدمات في العام 2014. وإذا خرجت بريطانيا من الاتحاد فإنها ستخسر الميزة التنافسية لمنتجاها من السيارات مثلًا لصالح شركات أخرى في أوروبا، إذ ستواجه شركات السيارات الإنكليزية رسوم جمركية 2.5% لتصدير منتجاتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يجعل السيارات الألمانية والإيطالية أفضل سعرًا بالنسبة للمستورد الأمريكي. ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى أكثر من 213 مليار دولار سنويًا كما أنه يوجد فرص عمل بين البلدين وصلت إلى حدود المليون وظيفة، ويزور أمريكا 4 مليون زئر من بريطانيا سنويًا.
الاقتصاد البريطاني سيُمنى بخسائر اقتصادية متعددة في حال خروجه من الاتحاد، بحسب دراسات عديدة أشارت أن الخسائر المتوقعة لخروج بريطانيا تقدر بنحو 224 مليار جنيه استرليني، وسيسجل الاقتصاد البريطاني تباطؤا في النمو بسبب فقدان المزايا التجارية مع أوروبا، وستتراجع الاستثمارات والتجارة والأعمال وستخسر بريطانيا فرص عمل تقدر بالملايين مع الشركات الكبرى التابعة للاتحاد كما جاء في تقرير للخزانة البريطانية حول التبعات الاقتصادية السلبية لخروج برطانيا من الاتحاد، وستفقد إنكلترا اتفاقيات التجارة الحرة المععقود بين دول الاتحاد، ومن المتوقع أن تبلغ خسائرها على مستوى الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد بين 0.6 – 3 %.
وبنفس الوقت تؤكد دراسات عديدة أن خروجها من الاتحاد لا يعني بالضرورة ذلك، ففي حال الخروج سيكون هناك مفاوضات طويلة لتحديد شكل العلاقة التي ستربط المملكة بالاتحاد، واتباع بريطانيا نموذج سويسرا في علاقتها مع الاتحاد الأوروبي والدخول مع الاتحاد في اتفاقيات تجارية جديدة تسمح لها بالانخراط في العلاقة التجارية مع دول الاتحاد واستمرار التبادل التجاري وفق ظروف معينة تحددها الاتفاقيات الجديدة.
في النهاية فإن أمريكا ترى في الاتحاد الأووربي داعمًا رئيسيًا على ضفة الأطلسي بالإضافة إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وخروج بريطانيا من الإتحاد سيشكل تهديدًا لعلاقة أمريكا بأوروبا، فبريطانيا تشكل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة التي من خلالها تضغط على دول الإتحاد وتمرر قراراتها مستفيدة من مكانة وثقل بريطانيا في الاتحاد. فضلًا عمّا سيلحقه خروج بريطانيا من الإتحاد من تراجع دورها ومكانتها على الصعيد العالمي والذي قد يؤثر سلبًا على التوازن الدولي والمصالح الأمريكية في العالم خصوصًا في هذه المرحلة الحرجة التي تشهد صعود قوى عالمية مثل الصين وروسيا وتشكيلها تهديدات أمنية واقتصادية على الغرب وعلى المصالح الأمريكية على حد سواء. ومن أولويات القوات الأمريكية على المسرح الأوروبي بحسب “استراتيجية قيادة القوات الأمريكية في أووربا” التي نشرت النسخة المعدلة منها في يناير/ كانون الثاني، ردع العدوان الروسي وتفعيل علاقات التحالف في الأطلسي، والحفاظ على علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة مع حلفاءها.