يمتلئ العالم بآلاف الأنواع من الموسيقى وملايين الموسيقيين، في الماضي كان الوصول إلى موسيقى جديدة أو موسيقي لا تعرفه على قدر من الصعوبة، إلا أن التزايد السريع لتغلغل الإنترنت في حيواتنا قد غير هذا الأمر كثيرًا، تستطيع بمجرد لمس شاشة هاتفك المحمول أن تصل إلى ملايين القطع الموسيقية في ثواني، كما تستطيع أن تستمع إليها في أي مكان وأي وقت بمجرد وضع السماعات في أذنيك، لم يعد عليك أن تذهب لشراء الأسطوانات أو أن تجلس في غرفة معيشتك لتستمع إلى بعض الموسيقى، وبطبيعة الحال؛ لهذا عيوبه كما له مزاياه.
مع ما يعرف بثورة المعلومات، انتشرت أنواع الموسيقى من شتى أقصاع العالم إلى كل مكان، أصبح من الطبيعي جدًا أن تسمع صوت أم كلثوم صادرًا من مقهى في مدينة برشلونة؛ تمامًا كما تسمع الموسيقى الكلاسيكية الألمانية أو الجاز الأمريكي في أي مقهى عربي.
وهنا نلقي نظرة سريعة على مجموعة من الموسيقيين العرب الذين بنوا مهنتهم خارج الوطن العربي، موسيقيون أنتجوا موسيقى تقترب من أصولهم العربية أو تبتعد كثيرًا، إلا أنها تبقى موسيقى مميزة وجديدة قد لا يعرف الكثير منا أي شيء عنها.
آل بشير، المقامات العربية تطرب شرق أوروبا
تبدأ القصة بشكل يشابه ما يحدث الآن على طول أوروبا، وصل الشاب العراقي ذو الثلاثين عامًا إلى العاصمة المجرية بودابست عام 1960، موسيقار آشوري شاب يحمل اسم “منير” هرب من عراق تغتاله الانقلابات العسكرية، استقبلت المجر الشاب سامحة له بدراسة الموسيقى في كونسرفاتوار فرانتز ليست الأسطوري، ليكتب رسالة دكتوراة عن “حفظ الموسيقى الشعبية والتقليدية”.
تستمر القصة لتشمل ولادة الابن الوحيد لمنير بعد عشر سنوات على وصوله إلى بودابست، ولد عمر في ذات الوقت الذي بدأت فيه شهرة والده في تطبيق الآفاق حول العالم، تلك هي ذات الفترة التي أصبح فيها منير معروفًا حول العالم كالأستاذ الأعظم للمقامات الموسيقية العربية.
الأب والابن معًا
كبر عمر ليتتلمذ على أيدي أبيه منذ الطفولة، لامست أصابع عمر أوتار العود قبل أي شيء آخر، كان من المعتاد أن يرى جمهور الحفلات ذلك الطفل الجالس إلى جانب منير بشير، يحمل عودًا يكاد يكون أكبر منه، شارك عمر والده في تسجيل عدد من الأعمال قبل وفاته عام 1997، ويظل حتى اليوم متأثرًا بأسلوب أبيه كثيرًا وإن اختلف عنه كثيرًا أيضًا.
سالم الفقير، البوب السويدي؛ باللغة الإنجليزية؛ ومعاني عربية!
ولد سالم الفقير عام 1981 في العاصمة السويدية ستوكهولم لأسرة سورية، بدأ الفقير في تعلم العزف على آلة الكمان في سن الرابعة ليصبح من أنجح العازفين في السويد في سن مبكر للغاية ويبدأ في تجوال روسيا كعازف منفرد وهو في الرابعة عشرة.
بعد عودته لاستكمال دراسة موسيقى الجاز في السويد، ليبدأ في انتاج موسيقاه الخاصة عام 2006 وتتصدر إصداراته قوائم الموسيقى الأكثر مبيعًا في السويد.
تمتاز موسيقى الفقير بالتنوع الشديد في أساليبها وأدواتها، والغريب في الأمر هو أن قوامها الرئيسي هو اللغة الإنجليزية؛ بالرغم من اتقان الفقير للسويدية بطبيعة الحال، إلا أن إلقاء نظرات سريعة على نوعية الكلمات التي يستخدمها في كلماته كفيلة بإظهار حال من الاغتراب الشديد عنده، فأحد أشهر أغانيه الأشهر على الإطلاق “This is who I am” تتحدث عن شخص يحاول المجتمع بشكل مستمر أن يغيره ولا يستطيع تقبله على ما هو عليه، بينما تتحدث أغنية “Keep on walking” ذات اللحن ذو الوقع العربي الواضح عن شخص ينظر نحو السماء ويرغب في الهروب من الواقع، وكل هذه المشاعر يمكن أن تصبح شديدة الوضوح في حالة النظر إليها كجزء من تجربة شخص من أصول مختلفة يكبر ويعيش في مجتمع غريب عنه.
فاديا الحاج، أو ألحان باخ بالعربية، والموشحات بآلات ألمانية
فاديا طنب الحاج؛ تلميذة أخرى من تلاميذ آل الرحباني في لبنان، بدأت الغناء في الكورس خلف فيروز وهي في الخامسة عشرة من عمرها، فقط لتتعرف بعد ذلك على العالم الموسيقي الألماني الروسي فلاديمير إيفانوف مدير فرقة سارباند، وبالرغم من أنها تدربت لتصبح مغنية أوبرالية؛ إلا أن عملها مع آل الرحباني وحياتها في لبنان قد تركت عليها أثرًا شرقيًا كبيرًا يظهر في أعمالها اللاحقة.
حصلت فاديا الحاج على جائزة ألمانيا الأولى عن فئة موسيقى العالم عام 2008، وكان هذا عن آخر تعاونها مع إيفانوف في تحويل مجموعة من الموشحات العربية إلى صيغ ألمانية كلاسيكية، كما تغنت بمجموعة من ألحان موسيقار الباروك الألماني باخ الأوبيرالية باللغة العربية.