ماذا بعد جمعة الأرض؟ (2)

2496302

في الجزء الأول من المقال كان الكلام عن اللحظة الرومانسية الجميلة التي فرضتها جمعة الأرض، وعن أهم دروس هذه اللحظة، فشعوبنا وأوطاننا تستحق التضحية من أجلها، ولا علاقة للوطن بحكوماته سواء أكانت فاسدة أم صالحة، فالوطن كُل مجرد مستقل، وجماهير الشعب في انضمامها للثورة لها قوانين خاصة بها، لا تخضع لهوى القوى السياسية ولا طموحاتها، ونكمل في هذا الجزء الثاني باقي الدروس المستفادة من عبير جمعة الأرض، وما الذي يجب أن يتبع هذا اليوم الفارق من تاريخ الثورة؟

سلاحنا في وحدتنا

لا نجاح لثورتنا ولا تقدم لها إلا بالاتفاق والتعاون والائتلاف، هذا ملمح واضح في يوم جمعة الأرض، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وما عرفناه من قوانين العدو (فَرِق تَسُد)، ولا نجاح لنا في خلع هذا المعتوه من على كرسي الجبروت إلا بالاتحاد والتعاون والتوافق – الكلمة التي أصبحت مبتذلة -.

ليس معني التوافق أن نمحي الاختلاف فيما بيننا أو نصير جسدًا واحدًا، هذا لا مكان له في عُرف البشر، وكما قال ربُك جل وعلا {ولا يزالون مختلفين}، إنما التوافق والتوحد يكون على مطالب محددة من أجل هذا الوطن وجماهيره، من أجل أبنائنا وأحفادنا.

مطالب عادلة نتفق عليها ونتفق على أن نتحاكم لها عند اختلافنا، نترك كلام الفُرقة ونطرد قادة الفُرقة من بيننا، وكما قال كاريوكي في أغنيته الشهيرة عن ميدان التحرير “يا الميدان” وسلاحنا في وحدتنا، فالوحدة هي سلاح قوي في مواجهه هذا المعتوه، وما لم تتفق القوي السياسية فيما بينها وخصوصًا فروعها الشبابية، فلن ترجع الحرية لهذا البلد في الأمد المنظور.

هذا اليوم فارق لأنه أفرز قيادات قادرة علي التعاون فيما بينها، هذا اليوم أظهر قيادات قادرة علي تجاوز الخلاف العميق إلى أرضية مشتركة يمكن العمل عليها بعد ذلك، قيادات تتجاوز خلافات تاريخية لا مكان لفتح جراحها الآن، فلتستغل هذه القيادات هذا الظرف الاستثنائي ولتبدأ طريق العمل المشترك والتوافق الذي لن يكون سهلًا، ولكن لا بد من المشي فيه ومن تجرع مرارته وعلقمه.

حتى الجزيرة قناة ثورة يناير

في ثورة يناير كان للإعلام دور مهم في كشف عورة هذا النظام المباركي قبل وقوع الثورة، وهو ما جعل جماهير الشعب ساخطة على هذا النظام، وكان للجزيرة دور لا ينكره أحد في نقل وقائع الثورة المصرية للعالم وخصوصًا موقعة الجمل، ثم حدث الانقلاب وأُخرصت الألسنة وقُطع بعضها وطُرد البعض الآخر، وأصبح الباقي يسبح بحمد الإله الحاكم المتجبر.

أزمة الجزيرتين فضحت هذا الإعلام المُدلِس وكشفت سوءته أكثر مما هي مكشوفة، اللافت للنظر تغطية الجزيرة للأحداث، والتي لم تكن متوقعة ولم تكن على قدر الحدث، والسبب مفهوم ومعروف، فأزمة الجزيرتين لها علاقة بالسعودية وخادم الحرمين الشريفين، والجزيرة ومن ورائها قطر لا تريد مشاكل مع السعودية، فالعلاقات بينهم ممتازة هذه الأيام بعد فترة من التوتر أيام الملك الراحل عبدالله، ولا داعي لتعكير الأجواء بسبب مظاهرة هنا أو هناك، مهما كان أثرها على مسار ثورة يناير، والتي كانت الجزيرة نافذتها على العالم.

فيجب على الثوار من الآن العمل على بناء مشروع إعلامي ضخم، يحاول أن يلتزم بمعايير الإعلام الحر، منحاز لمطالب الشعب وجماهيره، لا يعبر عن فصيل ما أو تيار، بل هو ينتمي للشعب والثورة والوطن، مشروع إعلامي لا يخضع لابتزار من مموليه أو دافعي أموال موظفيه، مشروع إعلامي لا يقبل الضغط عليه أو توجيه دفته بسبب موقف سياسي لبلد ما.

فلولا السوشيال ميديا لما ظهر ما حدث هذا اليوم الذي بث الأمل في قلوب الناس في كل مكان، والسوشيال ميديا أصبحت الآن تحت سيطرة جماهير الثورة بامتياز، لكن الإعلام التقليدي وخصوصًا المتلفز هام جدًا ويجب ألا يتم إهماله.

هذه نقاط مهمة تستطيع استخلاصها من هذا اليوم الفارق في تاريخ الثورة المصرية، التي مُنيت بنكبة الانقلاب ولكنها لم تمت وتحاول العودة من جديد، محاولة على استحياء، ولكن هكذا الثورات جولات وصولات نكبات وسقطات انتصارات وهزائم، الثورة هي عملية جمع نقاط والعبرة بالنهايات، فمن يجمع نقاط أكثر ويسجل أهداف أكثر في مرمي الخصم سيفوز مع مرور الوقت، فالثورة عمل مستمر.

وماذا بعد جمعة الأرض؟

السوال الذي يطرح نفسه بعد ذلك ماذا بعد هذا اليوم؟ هل نكتفي بهذا؟ ولكن قبل محاولة الإجابة على هذا التساؤل يجب ألا نبني آمال عريضة على هذا التحرك بمفرده، هذا التحرك هام جدًا إذا ما استمر وتبعته عدة أمور أخرى، وحتى إذا لم يحدث ما يليه سيظل يومًا فارقًا في تاريخ الثورة.

وما أقصده بالآمال ما يتمناه البعض من سقوط هذا النظام الغاشم اليوم أو غدًا أو بعد غد، لكن لا مانع من الآمال الصغيرة والتي تتجمع لتكون كرة الثلج التي تحقق الآمال الكبيرة.

ماذا بعد هذا اليوم؟

أولًا… القوى التي تحركت على الأرض اليوم والتي تعاونت فيما بينها ليمر اليوم بنجاح مع اختلافاتها الواضحة، والقيادات التي أفرزها هذا اليوم لا بد أن تبدأ في العمل معًا والجلوس على طاولة واحدة ومحاولة الوصول لأهداف محددة لما بعد هذا اليوم، من دون الجلوس معًا والحوار المباشر فيما بيننا لن نصل لشيء.

ثانيًا… المطالب لا بد أن تكون محددة وواضحة وقابلة للتنفيذ، فإحراز النقاط الصغيرة مع الوقت يحقق الهدف الكبير، من المهم التركيز على ملف المعتقلين وإحراز تقدم فيه، قضية الجزيرتين وتفريط نظام السيسي في حقوق أجيال الشعب القادمة من أرض وماء وغاز من المعارك الهامة الصغيرة، أما المعارك الكبرى من رحيل هذا النظام وحق الشهداء فيجب أولًا أن نحرز هذه النقاط الصغيرة التي بدورها ستوصلنا للهدف الكبير.

ثالثًا… يجب على الثوار المخلصين لهذا البلد من كل الأطياف أن يتعاونوا معًا لتكوين مشروع إعلامي قوي، يعبر عن الثورة وجماهيرها وفقط دون أي انحيازلأي فصيل، مشروع إعلامي غير خاضع لتمويل دولة ما أو شخص محسوب على نظام معين، مشروع إعلامي من أموال أهل الثورة يدافع عنها، ولا يميل إلا إلى الثورة وأهلها.

رابعًا… التواصل مع المؤسسات المدنية والحقوقية في العالم الخارجي، ومحاولة شرح الصورة وكمية القمع الواقع في الحالة المصرية، واستغلال قضية ريجيني المطروحة حاليًا على الساحة الأوروبية لتعرية هذا النظام القمعي الفاشي.

التواصل مع الجامعات والاتحادات الطلابية بخصوص الطلاب والأساتذة المعتقلين، التواصل مع مؤسسات الدفاع عن حقوق المرآة بخصوص النساء المعتقلات، التواصل مع المنظمات المهتمة بحقوق الأطفال بخصوص الأطفال المعتقلين، والتواصل مع كل المؤسسات المدنية الغربية التي تهتم بحرية الصحافة والإعلام .

هذا التواصل هام جدًا ويصب في صالح المعركة بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ولا بد أن يتولي هذا الأمر أشخاص ذوو قبول وتواصل مع هذه المنظمات، وأتمني أن يكون للدكتور البرادعي دور في هذا الأمر.

خامسًا… على القوى السياسية المتنابذة أن تبتعد قليلًا وترفع يدها عن هذا الحراك، لا داعي لوضعه في خندق سياسي محدد، لا داعي لحسابه على فصيل ما، وعليهم أن يبتعدوا قليلًا هذه الأيام عن التنابذ الإعلامي، وعن الكلام الذي يصب في حالة تأجيج الفُرقة وإثارة النعرات القديمة، عليهم أن يصمتوا قليلًا هذه الأيام حتى لا يضيعوا بثرثراتهم الإعلامية والفيسبوكية عبير هذا الجمعة النفّاذ.

سادسًا… كلامي هنا موجه للإخوان لأنهم الأكثرعددًا وقدرة تنظيمية، وإن كان التنظيم يعتريه الآن فرقة حادة بين أجنحته، عليهم أن يلتزموا الحرص كثيرًا في تعاملهم مع هذه الأحداث، ودراسة خطواتهم جيدًا في التعامل معها وألا ينظروا تحت أقدامهم فقط.

أعلم أن لديهم جراحات غائرة وآلام تنزف ومررات كالعلقم، ولكنها لحظة فارقة في تاريخ الثورة، عليهم أن يكونوا على قدر الحدث، عليهم أن يصغوا لرأي الطرف الآخر بعين العقل لا بعين القلب والمشاعر والماضي، رجوع الثورة وانتصارها مرة أخرى هو أكبر ضامن لرجوع حقوق الشهداء والمعتقلين والمطاردين.

انتصار الثورة هو ما سوف يقتص لهم من جلاديهم وقاتليهم وحتى ممن شمت في دمائهم، فرجوع الحرية هو رجوع للعدالة وحكم القانون العادل الناجز، ومن كان لهم عنده حق بالقانون سيحصلون عليه، وإن كان لغيرهم حق عند الإخوان بالقانون سيحصلون عليه أيضًا.

فليراجع الإخوان حساباتهم في كثير من الأمور، لا داعي لرفع شعارات تثير الفُرقة، وحسنًا فعل محمد منتصر المتحدث باسم الإخوان عندما أصدر بيانًا يعلن فيه عدم رفع شعارات الإخوان الخاصة، ويجب أن يُكملوا على هذا المنوال، شعارات تخص جموع الشعب المصري لا تخصهم منفردين، عليهم أن يجلسوا مع رفقاء الثورة ويتواصلوا معهم مهما كانت الآلام والأوجاع، فهم أولى بِهم من هذا القاتل السفاح.

وأخيرًا لهذا اليوم علامات واضحة، فشكرًا لخالد علي والدكتورة ليلى سويف، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر، افتقدنا الدكتور البلتاجي في يوم كهذا.

وشكرًا لمن أعادوا لنا الأمل… نُقبل أيديكم وأرجلكم.