الموت المفاجئ
بين الحين والآخر، تطلّ ظاهرة الموت المفاجئ برأسها على عالم الرياضة، لترسم ملامح الوجوم والأسى على وجوه الرياضيين، وتزرع مشاعر الخوف والفزع في قلوبهم، لدى رؤية أحد زملائهم الذين يشاطرونهم حياة الملاعب وقد خرّ صريعًا، ورغم انخفاض معدّل هذه الظاهرة لدى رياضيي الدّول المتقدّمة، حيث لا تشكّل حاليًا أكثر من نسبة 1/100 ألف، إلّا أنّ حقيقة وفاة حوالي 15 رياضيًا بشكلٍ سنويٍّ عبر حوادث الموت المفاجئ، تبقي هذه الظاهرة شبحًا يلاحق الرياضيين، وخاصّة في الألعاب التي تتطلّب جهدًا مضاعفًا خلال فترةٍ زمنيّةٍ محدّدة، كألعاب الجري والدّراجات والتزلّج، وهي الرياضات التي تحتلّ المراكز ال3 الأولى في سلّم خطر الموت الفجائي، ومن بعدها تأتي لعبة كرة القدم، التي غيّب الموت المفاجئ عددًا من نجومها على مرّ السنين، في مشاهد مأساويّةٍ لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة، نستعرض بعضها من خلال مقطع الفيديو التالي:
أشهر 10 لاعبين قضوا نحبهم في الملاعب
1- الكاميروني مارك فيفيان فوي
بينما كانت أنظار الملايين عبر شاشات التلفاز مشدودةً لمتابعة أحداث مباراة نصف نهائي كأس القارات التي استضافتها فرنسا عام 2003 بين الكاميرون وكولومبيا، فوجئ الجميع بسقوط لاعب وسط المنتخب الكاميروني مارك فيفيان فوي على أرض الملعب دون أن يلمسه أحد، ليهرع نحوه الحكم واللاعبون ويصدمهم المشهد المرعب، حيث وجدوا زميلهم يلفظ آخر أنفاسه! بعد إصابته بنوبةٍ قلبيّةٍ مفاجئةٍ لم تنفع معها جميع محاولات الأطباء، لتُعلن وفاته يوم 26 يونيو 2003 عن عمرٍ ناهز ال28 عامًا، وتُشكّل صدمةً لمجتمع كرة القدم العالميّ عطفًا على أهميّة البطولة ونسبة متابعتها العالية، ممّا حدا بمنظمة الفيفا لاستحداث قانون فرض على جميع المنتخبات تقديم شهاداتٍ تتضمّن التاريخ الطبيّ لجميع لاعبيها قبل المشاركة في بطولات الفيفا.
2- المجري ميكلوس فيهر
لحظة وفاة اللاعب المجري ميكلوس فيهر
نجم منتخب المجر ونادي بنفيكا، فارق الحياة إثر أزمةٍ قلبيّةٍ أيضًا، وذلك أثناء مباراة فريقه في الدّوري البرتغالي مع غيماريش في 25 يناير 2004، حين سقط مغشيًا عليه بعد أن ترنّح في مشهدٍ تراجيديٍّ رهيب، لفظ على إثره آخر أنفاسه في الملعب عن عمرٍ ناهز ال24 عامًا، ليعيد إلى الأذهان مشهدًا مرّ على الملاعب البرتغاليّة قبل أكثر من 30 عامًا، حين توفّي بافاو لاعب نادي بورتو بنفس الطريقة عام 1973.
3- الإسباني أنتونيو بويرتا
أشهر حوادث الموت المفاجئ التي شهدتها الملاعب الإسبانيّة، سُجّلت مطلع موسم 2007، وذهب ضحّيتها لاعب إشبيلية الشاب أنتونيو بويرتا، الذي تعرّض لأزمةٍ قلبيّةٍ أثناء مباراة فريقه مع خيتافي في الدّوري الإسباني، فحاول النهوض والمتابعة، ولكنه سرعانما انهار على أرض الملعب، ونُقل إلى المشفى حيث لبث 3 أيامٍ في غيبوبةٍ تامّة، قبل أن يُعلن خبر وفاته يوم 25 أغسطس 2007 عن عمرٍ ناهز ال22 عامًا.
4- الإسباني دانييل خاركي
في 8 أغسطس 2009، أعلن نادي إسبانيول الإسباني عن وفاة لاعبه دانييل خاركي عن 26 عامًا، وذلك بسبب نوبةٍ قلبيّةٍ داهمته إثر تدريبات فريقه خلال معسكره الإعداديّ في إيطاليا، حيث عُثر عليه في غرفته مفارقًا الحياة، ولن ينسى العالم مشهد الوفاء النادر لزميله السابق نجم منتخب إسبانيا أندريس إنييستا، حين سجّل هدف منتخبه في نهائي كأس العالم عام 2010، فما كان منه إلا أن رفع قميصه لتظهر تحته عبارة: (دانييل خاركي ستبقى معنا).
مشهد وفاء إنييستا لدانييل خاركي
5- البرازيلي سيرجينهو
أشهر حالات الموت المفاجئ في الملاعب البرازيليّة حدثت في 27 أكتوبر 2004، حين تعرّض لاعب فريق ساو كايتانو لأزمةٍ قلبيّةٍ حادةٍ أثناء مباراة فريقه أمام ساو باولو في الدّوري البرازيلي، حيث سقط في منطقة الجزاء دون حراك، ولم تنفع محاولات علاجه، ليفارق الحياة بعدها بساعاتٍ عن عمرٍ ناهز ال30 عامًا.
6- الياباني ناوكي ماتسودا
لم يمنع التطوّر الحضاري والطّبيّ الهائل الذي تعيشه اليابان، وقوع فاجعةٍ هزّت أركان ملاعبها، حين داهمت أزمةٌ قلبيّةٌ حادّةٌ مدافعها الدّولي ناوكي ماتسودا لاعب نادي ماتسوموتو ياماجا ، أثناء تدريبات فريقه الاعتياديّة يوم 4 أغسطس 2011، وتسبّبت في وفاته عن عمرٍ ناهز ال34 عامًا.
7- الإيطالي بيير ماريو موروسيني
لم يقو لاعب نادي ليفورنو ذو ال25 عامًا على النهوض، إثر النوبة القلبيّة المفاجئة التي داهمته أثناء مباراة فريقه أمام بيسكارا في 14 أبريل 2012، والتي تسببت بوفاته في اليوم ذاته، ليُعلن الحداد رسميًّا في الملاعب الإيطاليّة، وتؤجّل جميع مباريات الدّوري في الأيام ال3 التالية للحادثة، التي أعادت إلى الأذهان حادثة وفاة نجم نادي بيروجيا خلال السبعينيات ريناتو كوري، الذي فارق الحياة في ظروفٍ مشابهةٍ قبل حوالي 35 عامًا.
8- الاسكتلندي فيل أدونيل
لاتزال جماهير فريق ماذرويل الاسكتلندي تذكر بأسىً يوم 29 ديسمبر 2007، حين وضع نجم فريقها أدونيل يده على قلبه أثناء احتفاله بتسجيل هدفٍ في مرمى نادي دندي يونايتد، قبل أن ينهار على أرضيّة الملعب فاقدًا الوعي، حيث نقل إلى المستشفى ولفظ آخر أنفاسه عن عمرٍ ناهز ال35 عامًا.
9- النيجيري صمويل أوكوراجي
حدث في لاغوس يوم 12 أغسطس 1989، قبل نهاية مباراة منتخب نيجيريا أمام أنغولا ضمن التصفيات الأفريقيّة لكأس العالم، أن انهار لاعب المنتخب النيجيري ذو ال24 ربيعًا وسقط مفارقًا الحياة، وتبيّن بعد فحص جثّته إصابته بتضخّمٍ في القلب وارتفاعٍ شديدٍ في ضغط الدمّ.
10- الروماني كاتالين هيلدان
لاعب منتخب رومانيا ونادي دينامو بوخارست أشهر الأندية الرومانيّة، رحل عن 24 عامًا، بعد تعرّضه لنوبةٍ قلبيّةٍ مفاجئةٍ أثناء إحدى مباريات فريقه الودّية في 25 أكتوبر عام 2000، حيث سقط على أرض الملعب قبل ربع ساعة من نهاية المباراة مفارقًا الحياة، وقد سُمّي القسم الشّمالي من مدرّجات ملعب نادي دينامو بوخارست باسمه.
الضحايا العرب
اللاعب المصري الراحل محمّد عبد الوهّاب
ولم تسلم ملاعبنا العربيّة من شرّ هذه الظاهرة المخيفة، التي أودت بحياة بعضٍ من أشهر النّجوم العرب، على رأسهم نجم المنتخب المصري والنادي الأهلي محمّد عبد الوهّاب، الذي توقّف قلبه عن النبض أثناء إحدى حصص فريقه التدريبيّة في أغسطس 2006، ليفارق الحياة عن 22 عامًا، وقبله رحل الدّولي التونسي الهادي بن رخيصة لاعب فريق التّرجي، الذي تعرّض لحادثة ابتلاع اللّسان أثناء مباراة فريقه الاستعداديّة أمام ليون الفرنسي في يناير 1997، ليفارق الحياة عن عمرٍ ناهز ال25 عامًا.
إليكم قائمةٌ بأبرز ضحايا الموت المفاجئ في تاريخ الملاعب العربيّة:
1992: الجزائري الطّيّب عمروس – نزيفٌ دماغي
1980: الجزائري عمر سحنون – أزمةٌ قلبيّة
1981: الجزائري حسين بن ميلودي – أزمةٌ قلبيّة
1998: الجزائري عبد الكريم قصباج – أزمةٌ قلبية
2001: المغربي يوسف بلخوجة – أزمةٌ قلبية
2009: الإماراتي سالم سعد – أزمةٌ قلبية
2010: السّوداني إندراوس إيداهور – أزمةٌ قلبية
2011: السّوري محمود محملجي – ابتلاع اللّسان
2012: المغربي جواد أقدار – أزمةٌ قلبية
2013: الكويتي محمّد فهّاد – نزيفٌ دماغي
2013: الأردني قصي الخوالدة – ابتلاع اللّسان
2014: السعودي ياسر هوساوي – أزمةٌ قلبيّة
أسباب الموت المفاجئ
أهمّ أسباب توقّف القلب المفاجئ
ممّا سبق، نلاحظ أن الأسباب ال3 الأكثر شيوعًا لحالات الموت المفاجئ عند الرياضيين هي:
١- توقّف القلب المفاجئ: وهو السبب الرئيسي في أكثر من 90% من حالات الموت الفجائي، ويُعرف بالمصطلح الطّبيّ ب (Sudden Cardiac Death)، ومسبباته متنوعةٌ للغاية ولا سبيل لحصرها، ولكنّ المؤكّد أن عوامل في مقدّمتها الإرهاق الشّديد والتدخين وشرب الخمور وتناول العقاقير المنشّطة تساهم في الرفع من خطر حدوثه.
٢- ابتلاع اللّسان: وهي حالةٌ ينقلب فيها اللّسان بشكلٍ لا إرادي ليتسبّب في إغلاق مجرى التنفّس عند لسان المزمار، ممّا يؤدّي في حال تأخّر العلاج إلى الوفاة نتيجة نقص الأوكسجين الواصل إلى الدّماغ، وتحدث عادةً عند حالات فقدان الوعي الناتجة عن صدمات الرأس أو هبوط سكّر الدّم.
٣- النزيف الدّماغي: ويحدث عادةً لدى الرياضيين بعد تعرّضهم لصدمةٍ شديدةٍ في الرأس، حيث تظهر عليهم أعراضٌ يمكن أن تصحبهم لعدّة أيامٍ أهمّها: الصداع، الغثيان، التشنّجات، وفقدان الوعي، ويمكن أن تتطوّر هذه الأعراض بخطورةٍ لتنتهي بالشّلل أو الوفاة.
سبل الحدّ من ظاهرة الموت المفاجئ للرياضيين
الإسعاف الأوّلي في حالة ابتلاع اللّسان
١- إعطاء الراحة الكافية للاعبين، واستبدالهم مباشرةً عند الشّعور بإرهاقهم، ومنعهم من اللّعب عند شعورهم بأعراض أيّ مرضٍ ولو كان عارضًا.
٢- الاهتمام بالفحوصات الطّبيّة للاعبين، وخاصةً تلك المتعلّقة باللاعبين الناشئين، مع ضرورة إحالة اللاعب إلى الاعتزال فور اكتشاف معاناته من أيّ تشوّهٍ خلقي أو خللٍ في عمل القلب.
٣- إيقاف اللّعب مباشرةً فور سقوط أيّ لاعبٍ أو تعرّضه لصدمةٍ عنيفة، مع ضرورة تقديم إسعافٍ أولّيٍّ عاجلٍ من قبل أحد الزملاء لحين حضور الطاقم الطّبيّ المختص، فأجزاء الثانية قد تعني الكثير في حياة إنسانٍ إذا علمنا أن توقّف التنفّس نتيجة ابتلاع اللسان مثلًا، يحتاج لمدةٍ لا تتجاوز ال5 دقائق للإنقاذ قبل حدوث تلفٍ دماغي.
٤- محاربة آفّات الرياضيين المتمثّلة في: المنشّطات، الخمور، التدخين، السّهر، والسُمنة، لدورها السلبي في الرفع من خطر الإصابة بأمراض القلب والشّرايين.
وتبقى كلّ تلك السبل قاصرةً عند حضور الأجل، وصدق تعالى إذ قال:
بسم الله الرحمن الرحيم
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }الأعراف34