فرضت الأزمات المتعاقبة في المنطقة العربية خلافات سياسية بين روسيا ودول الخليج، ولكن هذا لم يمنع كلا الطرفين في كل زيارة رسمية للتشاور لإيجاد سبل لحلها وتأطير سبل التعاون اقتصاديا في عدة مجالات. وقد باتت العلاقة أكثر قربًا مما مضى وتنبئ ببدء حوار استراتيجي خليجي – روسي قد يكون قريبًا بعد سلسلة الزيارات المتبادلة بين قادة الخليج إلى روسيا وتوقيع اتفاقيات تعاون عديدة بين الطرفين.
الدور الروسي الفاعل في المنطقة
من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين دول الخليج وروسيا والتي تنتظر تقريب وجهات النظر وإيجاد الحلول لها، الملف السوري وقلق روسيا من المرحلة الانتقالية ومآلات السلطة في حال رحيل نظام الأسد الحليف لها، وموقف بعض دول الخليج من إيران، إذ تعتقد روسيا أن التجرية الجيدة التي تربط بين بعض دول الخليج وإيران يمكن تعميمها، إلا أن إيران تعتبر تهديدًا أمنيًا لبعض دول الخليج، وآخرها الاتفاق بشأن استقرار أسواق النفط وأسعاره الذي أصبح يهدد الاقتصاد الروسي والخليجي على حد سواء.
بعد انكفاء دور الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط والأزمات وعودة روسيا كفاعل دولي مؤثر دوليًا وإقليمًا خصوصًا بعد التدخل الروسي عسكريًا في سوريا، أعادت كل دول المنطقة تعريف علاقتها بواشنطن، وتوجهت الدول نحو روسيا وأبدت دول الخليج استعدادها لتطوير مختلف أشكال العلاقات معها بما يوافق مصالح الطرفين، عقب ما يزيد عن أربع سنوات من التوتر والجمود بسبب الأزمة السورية والحاجة لتحييد روسيا في الصراع اليمني الذي استدعى تحالف خليجي للتدخل العسكري في “عاصفة الحزم”.
شكل العلاقات القائمة بين روسيا والخليج
شهد العام الماضي 2015 ومطلع العام الجاري منعطفًا في عودة العلاقات الروسية الخليجية، ويظهر هذا جليًا من خلال الزيارات الأخيرة التي قام بها قادة دول الخليج واللقاءات التشاورية المعقودة بشأن حل قضية أسعار النفط والأزمة السورية، وتدور أشكال التعاون بين الطرفين في إطار ثلاثة مجالات رئيسية، هي الصناعة النفطية وإنشاء مفاعيل الطاقة النووية النظيفة وبرامج التسلح العسكري.
الكويت
في مجال الصناعة النفطية كان التعاون الأخير المعقود بين دول الخليج وروسيا ما أُعلن عنه في 22 أبريل/ نيسان خلال اجتماع اللجنة الحكومية الروسية الكويتية المشتركة عن عرض الكويت على روسيا إنشاء شركة مشتركة استراتيجية في مجال صناعة النفط والغاز، وتوريد الغاز الطبيعي المسال والمساعدة على حل المشاكل التي تواجه كلا البلدين بحسب وزير الدولة الكويتية لشؤون مجلس الوزراء محمد عبد الله الصباح، بينما أكدت روسيا من طرفها على لسان وزير الدولة الروسي لتنمية الشرق الأقصى ألكسندر غالوشكا على دعوة المستثمرين الكويتيتن للاستفادة من الفرص الاستثمارية في الشرق الأقصى وفي فلاديفوستوك، وأكد على أهمية التعاون التجاري والعلمي والاقتصادي والتقني مع المستثمرين الكويتيين.
وكانت الزيارة التي قام بها أمير دولة الكويت إلى روسيا في نوفمبر/ تشرين الثاني تعد الأولى من نوعها والأولى لأمير دولة الكويت منذ 23 عامًا، ويُذكر أن التبادل التجاري بين الكويت وروسيا زاد خلال العام الماضي بنحو 500 مليون دولار إضافة إلى ارتفاع الاستثمارات بين البلدين إلى عدة مليارات دولار.
السعودية
أعلنت السعودية سابقًا عن نيتها زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين كون الأرقام الحالية لا تعبر عن حجم اقتصادي البلدين على حد وصف وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ، ويظهر في الرسم أدناه أن حجم التبادل التجاري بين المملكة وروسيا لا يزال خجولًا ويأتي لصالح روسيا، إذ تستورد الرياض من موسكو الحديد وأسلاك النحاس والشعير والزيوت بينما تصدر إليها بعض المواد الكيميائية والسجاد (انظر الرسم البياني في الأسفل)، وتسعى الرياض لعلاقات وتجارة واستثمار أفضل مع روسيا في المرحلة المقبلة، وبحسب صحف روسية أفادت أن الرياض مهتمة بشراء أسلحة من روسيا بقيمة 10 مليار دولار وتنوي الحصول على أنظمة صورايخ متطورة مثل “إسكندر” ومنظومة الدفاع الجوية الروسية “إس 400″، كما تعتزم روسيا بناء 16 مفاعلاً نوويًا للأغراض السلمية ومصادر الطاقة والمياه في المملكة وسيكون لروسيا الدور الأبرز في تشغيلهم، حسبما جاء في الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى موسكو في يونيو/ حزيران من السنة الماضية والتي تم فيها توقيع 6 اتفاقيات استراتيجية على رأسها التعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
الأرقام بالمليون ريال
وبالكلام عن صفقة الأسلحة بين السعودية وروسيا فنجد أن دول الخليج تعاني من عدم توفر القدرات الصاروخية الضاربة بسبب خشية الدول المزودة لها بالسلاح (الولايات المتحدة وأوروبا) من استخدامها ضد إسرائيل؛ لذا يعد التعاون بين الدول الخليجية وروسيا في هذا المجال الأهم من حيث إمكانية تزويد موسكو لهذه الدول بالقدرات الصاروخية المتطورة، خصوصًا أن إيران استفادت من روسيا والصين وكوريا الشمالية في تطوير قدارتها الصاروخية البالستية كان آخرها صفقة السلاح التي تمت مع روسيا،حيث تم تزويدها بنظام “إس 300” للدفاع الجوي وهي إحدى أحدث منظومات الدفاع الجوي الصاروخية البعيدة المدى أرض – جو، بعد توقيع عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني من السنة الماضية إبان رفع العقوبات الأممية على طهرن مطلع العام الجاري.
الإمارات
ارتباط الإمارات بروسيا يعد الأكثر من بين الدول الخليجية ففي الوقت الذي وقعت فيه السعودية وقطر على بيان لمطالبة روسيا بوقف عملياتها العسكرية في سوريا رفضت الإمارات التوقيع عليه، وعلى الصعيد الاقتصادي توثقت العلاقات من خلال إبرام اتفاقيات تجارية وتمكن رجال الأعمال الروس والإماراتيون من إنشاء أكثر من 350 مشروعًا مشتركًا، كما بلغت الاستثمارات الإمارتية في روسيا قرابة 7 مليارات دولار.
البحرين
بالنسبة للبحرين فإن زيارة ملك البحرين جاءت لتعمق أطر العلاقة أكثر وتعزز سبل التعاون بين البلدين، إذ تم عقد عدة اتفاقيات تجارية، منها اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعي من روسيا وأعلنت البحرين أنها ستنشئ على أراضيها مركزًا لتوزيع الغاز المسال في الخليج، كما أن البحرين تنظر إلى الدور الروسي في المنطقة بشكل إيجابي لضمان أمن واستقرار المنطقة من خلال ما توفره الرؤية الروسية لأمن الخليج، خصوصًا أن إيران تعمل على زعزعة الاستقرار في البحرين لذا تسعى لضمان روسيا في صفها ضد إيران.
قطر
قطر لها تحفظاتها على العديد من السياسات الروسية التدخلية في المنطقة ولكن هذا لم يمنعها من إقامة تعاون ثنائي في قطاع الطاقة وفي المجال الاستثماري خصوصًا أن الدولتين مصدرتان للغاز ولديهما مصالح مشتركة في مجال الطاقة، حيث زار الأمير تميم بن حمد روسيا كأول زيارة رسمية له إلى روسيا في بداية العام الجاري وصرح كل من الطرفين عن الدور المهم الذي تلعبه كلا الدولتين في المنطقة ومحاولة إيجاد السبل لحل القضايا العالقة فيها.
وتعد العلاقة الأكثر خصوصية من بين دول الخليج مع روسيا هي لعُمان؛ حيث تبنت موقف السياسة الناعمة مع روسيا.وفي النهاية تأتي العلاقات الخليجية الروسية ضمن لغة المصالح المشتركة التي تربط كلا الطرفين بعضهما ببعض، وتنويع مروحة التحالفات الدولية للخليج بعد انكفاء الدور الأمريكي في المنطقة وتسليمه للروس، وقد حاول بعض زعماء الخليج احتواء موقف روسيا في سوريا لثنيها عن دعم النظام السوري والتخلي عنه، إلا أنها لم تفلح في ذلك فتم تأجيل حسم الخلافات في مقابل الاتفاق ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يهدد أمن الخليج وروسيا سوية، مع ضمان إبقاء روسيا حليفة لهم ضد إيران فضلاً عن تحسين العلاقات الاقتصادية معها.