ترجمة وتحرير نون بوست
كشفت الحكومة السعودية منذ قليل النقاب عن “الرؤية المستقبلية للمملكة العربية السعودية”، وهي عبارة عن مجموعة واسعة من الإصلاحات الاقتصادية التي تشمل “برنامج التحول الوطني” الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام باستفاضة، فضلًا عن خصخصة شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو وإنشاء صندوق سيادي جديد، صندوق الرياض للاستثمارات العامة.
في الوقت الذي ركزت فيه تغطية وسائل الإعلام لخطة مرحلة ما بعد النفط السعودية على إمكانات المملكة لتحقيق النمو المالي والاستثماري، يبقى السياق الاجتماعي المحيط بهذه الإصلاحات بحاجة لنظرة أكثر تمحصًا؛ فحتى الآن، أثارت الأنباء عن انتهاج مسار الخصخصة وتنويع الدخل شكوكًا مشروعة على عدة أصعدة، فكيف يمكن للرياض، أكبر منتج للنفط في العالم، النأي بنفسها عن الاعتماد على أموال البترودولار في خضم انهيار أسعار النفط؟
نجاح أو فشل رؤية السعودية يعتمد على ما إذا كان يمكنها أن تتنبأ وتمنع العواقب السلبية المحتملة التي يمكن أن تستتبع إجراء تغييرات سياسة بهذا الحجم والنطاق
في منطقة دمرها الصراع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، تتمتع السعودية، العضو بمجموعة الـ20، واللاعب الرئيسي في البنك الدولي، بكل من الموارد المالية والبشرية اللازمة لإحداث إصلاحات داخلية، وهي عوامل قد لا تمتلكها أي دولة عربية سواها.
الاعتماد على أموال البترودولار
إذا حققت المملكة أهدافها المعلنة، سيشكل السعي السعودي للحد من الاعتماد على عائدات النفط تحولًا تاريخيًا من بلاد تعد الأكثر ارتباطًا بحقول النفط.
ومع ذلك، فإن نجاح أو فشل هذا الجهد يعتمد على ما إذا كان يمكن للمملكة أن تتنبأ وتمنع العواقب السلبية المحتملة التي يمكن أن تستتبع إجراء تغييرات سياسة بهذا الحجم والنطاق.
من خلال بناء البنية التحتية اللازمة، والتخلص من بعض الخدمات المكلفة التي يديرها القطاع العام، تستطيع المملكة حقًا أن تستهل حقبة النمو غير النفطي بالتلازم مع تخفيف العبء المالي الذي يجثم على كاهلها.
ولكن هذه الإمكانات تتطلب أكثر من مجرد تحقيق التحول “الاقتصادي”، كونها تتطلب اعتراف وتشجيع كلًا من الدولة والمستثمرين الأجانب على حد سواء لتحولات الأجيال العميقة والمستمرة في المملكة العربية السعودية.
فضلًا عن ذلك، يمكن للتنويع والخصخصة، ولمحاولات فتح السوق السعودي للمستثمرين الخارجيين، خاصة في ظل الإصلاحات الأخيرة التي تسهّل الاستثمار الأجنبي، أن تحوّل المملكة إلى مركز استثمار وتجارة عالمية، بما يفيد الأسواق الدولية والمواطنين السعوديين على حد سواء.
أما فيما يخص خصخصة المشاريع العامة، كالمطارات، فتسعى المملكة لإحداث تغييرات مؤسساتية واسعة تأمل أن تقودها الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص.
مصادر الدخل غير النفطية
من شأن فكرة إنشاء مناطق تجارة حرة ضمن المطارات في الرياض وجدة أن توفر مصادر إضافية للدخل غير النفطي، فضلًا عن أنها تسهم في تأسيس سوق اختبارية للشركات والصناعات المحلية والإقليمية والأجنبية على حد سواء، ولكن تأثيرات هذه التغييرات، لن تقتصر على الذمة المالية السعودية فحسب، بل إنها ستوثر على المجتمع السعودي أيضًا، وفي الواقع، علمت بالفعل على إحداث هذا التغيير.
في ظل ترجيح استمرار انخفاض أسعار النفط في المستقبل المنظور، تدرك المملكة حاجتها للاستثمار الخارجي للتعويض عن انخفاض الإيرادات
فعلى سبيل المثال، ومنذ انضمام السعودية إلى تحالف شركات الطيران سكاي تيم في مايو 2012، بدأت المطارات السعودية باستضافة ركاب الترانزيت من مختلف أنحاء العالم، مما ساعد على إذابة الحواجز الاجتماعية والثقافية ما بين السعوديين والعالم الخارجي، فعلى الرغم من أن أعضاء الطبقة الثرية والمتوسطة السعودية سافروا على مدى عقود إلى خارج المملكة، إلا أن هذه كانت المرة الأولى التي يتعامل بها موظفو المطار والمسافرون المحليون في مطارات المملكة الدولية بشكل منتظم مع ركاب الترانزيت الأجانب.
يشكّل هؤلاء المسافرون نوعًا من الاتصال، الذي كان مستحيلًا سابقًا، ما بين الشعب السعودي والعالم الخارجي، وذلك في الوقت الذي كان السعوديون يواجهون خلاله تدقيقًا يتجاوز التدقيق الاعتيادي للحصول على تأشيرات إلى معظم الدول الغربية.
في ظل ترجيح استمرار انخفاض أسعار النفط في المستقبل المنظور، تدرك المملكة حاجتها للاستثمار الخارجي للتعويض عن انخفاض الإيرادات؛ ففي هذا الأسبوع، اقترضت المملكة العربية السعودية قرضًا لمدة 5 سنوات بمبلغ 10 مليارات دولار من مجموعة البنوك العالمية، وهو أول قرض سيادي للمملكة منذ عام 1991، في محاولة لتسليط الضوء على نهج الاقتراض السعودي الذي سيشكل جزءًا هامًا من التحول اللازم من شركة أرامكو لصندوق الاستثمارات العامة باعتباره الجهاز المالي الأساسي للمملكة.
بصرف النظر عن فتح شركة أرامكو أمام الاكتتاب العام، يهدف البرنامج الاقتصادي الجديد لجذب الاستثمار الأجنبي ضمن ثقافة المستهلك المحلي التي تطّرد في انحيازها لقطاع الخدمات، وذلك من خلال توسيع قطاعات تجارة التجزئة والرعاية الصحية السعودية مع الاستثمار الأجنبي.
يشير المسؤولون السعوديون لخططهم لتطوير علاقات تجارية وثيقة مع الولايات المتحدة، مع التركيز على التعاون والاستثمار في القطاعات الأمريكية للتكنولوجيا، الرعاية الصحية، والسياحة والنقل، ويلقى هذا التوجه أصداءه في سعي الرياض السابق والمستمر لجذب الاستثمارات البريطانية في مشاريع السكك الحديدية والرعاية الصحية والبناء.
ولكن في الوقت الذي تَعدُ فيه هذه الانفتاحات بخلق المزيد من فرص العمل للسعوديين، إلا أنها تتطلب بالمقابل سوق عمل سعودي قادر على تجاوز العقلية الإدارية والهندسية والطبية ليتصدى أيضًا للعمل ضمن الوظائف الفنية، وهو القطاع الذي لا زال السعوديون يتجنبونه بشكل عام.
تدور معظم التغطية الصحفية لبرنامج التحول الوطني حول تعويم شركة أرامكو أمام المستثمرين الأجانب وصندوق الثروة السيادية، بينما هبطت قدرة هذا البرنامج على خلق فرص العمل ضمن هذه التغطيات لتحتل خلفية المشهد، رغم أن أي رؤية حقيقية للتحول، يجب أن تركز بشكل متساوٍ على تشجيع تغيير الأجيال سواء في القوى العاملة أو في المجتمع السعودي، وهذا يعني بالضرورة أن نأخذ بعين الاعتبار تغيير التطلعات والعادات والاحتياجات الاجتماعية للشباب السعودي.
إخفاقات دولة الرفاه
في الوقت الحالي، يتبنى أثرياء الشباب السعوديين، بعد أن أُحبطوا من إخفاقات دولة الرفاه، نماذج أكثر تاتشرية (نسبة إلى مارغريت تاتشر) لبرنامج التحول الوطني، ولكن علينا ألّا نغفل الجانب السلبي للاقتصاد التاتشري، المتمثل بتجاهل البطالة.
حتى الآن، خلق التعليم العالي السعودي، عن حسن نية، بيئة أكاديمية تمنح الأولوية لتخريج الموظفين لا العلماء، بحيث تماهت حدود الأوساط الأكاديمية، ومن هنا، سيعمل تحرير الأكاديميين السعوديين من هذا النمط الدراسي/الصناعي، من خلال خلق الكليات الفنية وتوسيعها، على إيلاء تركيز أكبر على قطاعي الأعمال الفنية والصناعية، وتخريج عمال سعوديين أفضل تأهيلًا بغية تخفيض الاعتماد على العمالة الأجنبية.
ومن هذا المنطلق، يجب تقليص برامج المنح الدراسية السخية للجامعات الخارجية، والتركيز على جودة، بدلًا من كمية، التعليم الداخلي، مما سينعكس إيجابًا على تحسين مشكلة العمل القائمة منذ فترة طويلة، كما يجب أن يتضمن النظام الاقتصادي الجديد إعادة هيكلة أوسع لنفقات التعليم لكسب عوائد أفضل من تلك الاستثمارات.
من خلال مقارنة الدعم الذي يتمتع به برنامج التحول الوطني الذي تم الإعلان عنه قبل ساعات، مع الإعلان عن الإصلاحات العمالية الماضية، نستطيع فهم سبب فشل سياسات سعودة دولة الرفاه التي تعتمد على النفط وتفسير حفاوة الاستقبال التي تمتع بها الإعلان عن السياسات الاقتصادية الجديدة، وفي هذه المرة، ينبغي للبرنامج الاقتصادي أن يؤكد على قدرة الشعب، ويشجعهم على استكشاف جميع مجالات العمل، بما في ذلك العمل الفني، وخلافًا لذلك، ستبقى القضايا التي يعاني منها الآن الاقتصاد القائم على النفط قائمة.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية