تفرض الآن مجموعات مسلحة مما تسمى بـ”المقاومة الشعبية” في اليمن إجراءات أمنية مشددة بمدينة المكلا في حضرموت بعد الإعلان عن بدء طرد تنظيم القاعدة منها، في أعقاب عملية أطلقها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الأحد الماضي.
نقاط تفتيش وحراسات مشددة على المناطق الحيوية في المدينة، حظر التجوال فرض في المدينة، إعلان من جانب اللواء أركان حرب في الجيش اليمني فرج سالمين البحسيني عن تطهير كافة أحياء المكلا ومديرية “حضرموت الساحل” المجاورة من عناصر القاعدة، وفي نفس الوقت هناك رعب من عمليات انتقامية ينفذها التنظيم.
جاء هذا كله بعد إعلان التحالف العربي بقيادة السعودية إطلاق عملية عسكرية مشتركة ضد تنظيم القاعدة في اليمن بمشاركة الجيش اليمني وما يُعرف بـ”عناصر المقاومة الشعبية” وعناصر من قوات سعودية وإماراتية.
وما هي إلا ساعات حتى خرج تأكيد من هذه القوات أنها قتلت المئات من عناصر القاعدة وسط حالة فرار لآخرين من التنظيم من العديد من المناطق بحضرموت، تلك المناطق التي ركزت عليها السعودية حيث اعتبرتها معاقل لتنظيم القاعدة في اليمن.
إذ سبق وأن دخلت قوات التحالف العربي في وقت سابق في معارك مع القاعدة على أجزاء من المكلا مركز محافظة حضرموت (شرقي البلاد).
الهدف الرئيسي
استعادة السيطرة على أكبر مرفأ نفطي في اليمن من تنظيم القاعدة كان الهدف الأول للقوات العربية، حيث كان نحو 80% من احتياطات البلاد النفطية يصدر في أوقات السلم من مرفأ الشحر المغلق منذ أن بدأت الحرب وسيطر التنظيم على المنطقة، إذ سُمع دوي انفجارات في محيط ميناء “الضبه” النفطي جراء قصف بوارج حربية تابعة للتحالف معاقل للقاعدة في المنطقة.
هذا وقد أكدت القوات التابعة للحكومة اليمنية المدعومة سعوديًا أنها تمكنت من تأمين مديريات “الكورنيش” و”الشجر” و”بويش” و”خلف” ومبنى قيادة المنطقة العسكرية الثانية للجيش بالمنطقة بعد انسحاب عناصر تنظيم القاعدة من هناك دون قتال.
في الوقت الذي سارع التحالف العربي لدعم “الشرعية” في اليمن عن مقتل المئات من عناصر تنظيم القاعدة خلال الساعات الأولى للعملية العسكرية التي أطلقها ضد التنظيم في حضرموت، حيث أعلنوا عن مقتل 800 عنصر من التنظيم.
اشتباكات أم انسحاب
رواية أخرى في ثنايا الإعلام المناصر لهذه العملية أكدت أن عناصر القاعدة بدؤوا بالانسحاب بشكل تدريجي من المقرات والمؤسسات والمراكز الحكومية والعسكرية التي كانت في قبضتهم، بعد اتفاق مع علماء ووجهاء مدينة المكلا، والذي يقضي بانسحاب عناصرهم من المدينة لتجنيبها أي صراع مسلح.
في الوقت الذي تصر فيه قيادة القوات العربية أنها اشتبكت معهم وقتلت المئات، يعزز رواية الانسحاب ما قاله ضابط في الجيش اليمني أثناء اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية من المكلا دخول الجيش إلى وسط المدينة، مشيرًا إلى عدم وجود مقاومة من مقاتلي القاعدة الذين انسحبوا غربا باتجاه صحراء حضرموت ومحافظة شبوة المجاورة، على حد قوله.
وبعيدًا عن المبالغات التي طالت هذه العملية فإن المحصلة النهائية تؤكد أن ميناء الضبة النفطي الذي كان يسيطر عليه تنظيم القاعدة في اليمن منذ عام كامل بات في يد التحالف العربي، وأن تنظيم القاعدة فقد السيطرة على أهم مدنه ومعاقله في اليمن مدينة “المكلا”.
المفارقة الكبرى أن هذه هي المرة الأولى التي يعلن التحالف العربي فيها مشاركة قوات برية منه في قتال الجهاديين باليمن خارج قتاله الحوثيين، وربما هذه دلالة مهمة على محاولة نزع أي غطاء للشرعية عن تواجد جماعة أنصار الله الحوثي في السلطة.
إذ تعلم السعودية أن الحوثيين يسوقون أنفسهم كمحاربين للقاعدة في اليمن، وربما أرسلت تطمينات حوثية إلى واشنطن بضرورة التنسيق في هذا المجال عقب الانقلاب على سلطة عبدربه منصور هادي، وهو الأمر الذي جعل تعامل واشنطن مع الانقلاب الحوثي رخوًا إلى حد كبير.
وبنزع هذا الغطاء عن الحوثيين تحاول السعودية وتحالفها محاصرة أي شرعية دولية يروجها الحوثي وجماعته، كما تحاول أن تضفي مزيدًا من الشرعية على الحملة العسكرية التي تقودها في اليمن، بالترويج أنها لا تستهدف الحوثيين فقط وإنما تستهدف معاقل الإرهاب في المنطقة.
وقد جاء بيان التحالف العربي عن هذه العملية قريبًا من هذا للغاية، حين أكد في بيان بثته وكالة الأنباء السعودية أن العملية العسكرية تأتي في إطار الجهود الدولية المشتركة لهزيمة التنظيمات “الإرهابية” في اليمن ودعم الحكومة الشرعية.
هذا بجانب الإرادة السعودية لقطع الموارد المالية عن العدو التقليدي لها “قاعدة اليمن”، بعدما أتاحت الحرب الدائرة باليمن فرصة لتنظيم القاعدة للسيطرة على المكلا، ما عزز موارده المالية، حيث استخدم هذه الأموال التي يحصل عليها في كسب ود السكان. وبحسب مراقبين فإن تنظيم القاعدة في اليمن كان يمر تمر بفترة ثراء فاحش ورغد غير مسبوق.
حيث أشارت وكالة رويترز للأنباء في تحقيق نشرته عن مدينة المكلا بعد سيطرت التنظيم عليها أنه يتحكم بمخزونات مالية تقدر بنحو 100 مليون دولار، جاءت من نهب ودائع بنكية وعائدات إدارة ثالث أكبر موانئ البلاد.
هذا بالإضافة إلى تقديرات حصول التنظيم على نحو 1.4 مليون دولار من شركة النفط الوطنية، في الوقت الذي تصل فيه أرباح التنظيم إلى مليوني دولار يوميًا من الرسوم المفروضة على السلع وشحنات الوقود التي تدخل مينائي المكلا والشحر اللذين تسيطر عليهما القاعدة بشكل كامل منذ عام.
كما أن الحرب على الحوثيين أتاحت مناخًا مناسبًا لتوسع التنظيم، بعد انسحاب وحدات الجيش الحكومي من قواعدها في الجنوب، وهو الأمر الذي سمح لعناصر القاعدة بالاستحواذ على كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة.
وقد حذرت دوائر دبلوماسية غربية من طريقة حكم القاعدة لهذا المناطق الذي نجح في توطيد وضعهم كتنظيم سياسي واقتصادي سيصعب مواجهته بعد ذلك، وهو ربما أحد الأسباب التي دفعت السعودية إلى الإسراع في فتح هذه الجبهة أمام تنظيم القاعدة في اليمن أحد أعداء السعودية التاريخيين الذين انشغلت عنهم بقتال الحوثيين.
حتى أن خطوة عودة الحكومة اليمنية إلى الجنوب في السابق كانت بدافع سد الفراغ الحكومي الذي يتمدد فيه تنظيم القاعدة الذي استهدف التمدد في الجنوب اليمني حتى بات أحد معاقله.
ولا يستبعد أن تكون التحركات العسكرية السعودية الأخيرة ضد تنظيم القاعدة في اليمن ورائها تنسيق مع الولايات المتحدة المهتمة بشأن مراقبة تحركات القاعدة في اليمن أكثر ربما من اهتمامها بالوضع في صنعاء، وهو ما يعني أنه قد يكون ثمن وضمانة سعودية مقدمة للولايات المتحدة لحسم الأمور في اليمن بعد عام كامل من الحرب.