رؤية 2030: وعود جريئة من شاب جريء، يصعب الوفاء بها

ترجمة وتحرير نون بوست
إذا كان أحدنا بحاجة لتأكيد على أن الأمير محمد بن سلمان، نائب ولي العهد السعودي، هو رجل في عجلة من أمره، فقد حصل على مبتغاه في 25 أبريل، حيث كشف الأمير البالغ من العمر 30 عامًا عن سلسلة من الالتزامات لإنهاء اعتماد المملكة على النفط بحلول عام 2030، برؤية طموحة تستحق بحد ذاتها الثناء في بلد محافظ بتزمت.
تحدى الأمير السعودي نفسه قائلًا بأن المملكة ستنهي اعتمادها على النفط في غضون أربع سنوات فقط، بحلول عام 2020، ومن خلال ذلك لخّص التفاؤل المهووس القائم ما بين واضعي السياسات من الشبان الجدد ضمن الديوان الملكي، وأضحت الحاجة ملحة الآن ليفسر بهدوء كيفية تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس.
تم الإعلان عن الخطوط العريضة للخطة، والتي ولّدت الكثير من الترقب في المملكة ، ولاسّيما بين النساء، كما تقول الصحف، قبل فترة من إعلان الخطة ذاتها، حيث شملت: تعويم حصة صغيرة من شركة أرامكو السعودية، وهي أكبر شركة للنفط في العالم، إنشاء أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم للاستثمار في مجموعة متنوعة من الأصول، خلق المزيد من فرص العمل للنساء، وافتتاح صناعات غير نفطية أكثر حيوية، بدءًا من التعدين وحتى تصنيع المعدات العسكرية.
وفقًا لمصادر حكومية، لم يتراجع الأمير محمد عن أي من هذه الأهداف، على الرغم من أن هدفه الذي يبدو متواضعًا برفع معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة من 22% إلى 30% خلال أقل من 15 سنة سيستقطب مقاومة شديدة من المؤسسة الدينية الوهابية، كما أن وعود السماح للمرأة بقيادة السيارة، والتي يأمل البعض بتحقيقها، وهي ضرورية لانخراط النساء الكامل بسوق العمل، لم تتبلور رؤيتها أيضًا لدى الأمير الشاب.
توقع محمد بأن بيع حصة تبلغ 5% من شركة أرامكو، التي تقدر قيمتها بما لا يقل عن 2 ترليون دولار، سيرفع أصول الشركة، التي وعد بتحويلها إلى “تكتل صناعي عالمي”، كما خطط لوضع أعمال الشركة بملكية صندوق الثروة السيادي المعروف باسم صندوق الاستثمارات العام، والذي يضم أصولًا تبلغ قيمتها 3 تريليون دولار، قادمة بأغلبها من إيرادات استثمارات غير نفطية.
الاستكتاب العام الأولي لشركة أرامكو سيجري من خلال الشركة الأم، والتي ستتمتع بمجلس إدارة منتخب وستخضع لتدقيق من المحللين والمستثمرين في الداخل والخارج، كما ستقدم الدولة حوافز قوية لنمو باقي الصناعات، بما في ذلك الدفاع والطاقة المتجددة؛ فالمملكة السعودية، والتي تعد ثالث أكبر دولة تنفق على ميزانيتها العسكرية في العالم، تنفق ما لا يتجاوز الـ2% من هذه الميزانية لشراء الأسلحة في الداخل، وتهدف الرؤية لإنفاق أكثر من نصف الميزانية العسكرية على الأسلحة المصنوعة محليًا بحلول عام 2030، ولكن بغية تحقيق هذا المسعى الجريء، ستحتاج المملكة إلى الانفتاح على التجارة، الاستثمار، الزوار الأجانب، وقوانين السلوك الدولية، كتحقيق المزيد من الشفافية واعتناق القوانين العلمانية، وهو أمر يشكل لعنة على رجال الدين الأصوليين الذين سعوا لعقود للنأي بنفسهم عن العالم الخارجي، كما أن الخلاف المتوتر مع إيران، والذي أثاره الأمير محمد من خلال ابتداره لحرب بالوكالة في دولة اليمن المجاورة، يضيف طبقة محتملة من عدم الاستقرار الجيوسياسي للمخاطر التي قد تواجه المستثمرين الأجانب المرتقبين في السعودية، ولكن في خطوة صحيحة نحو هذا المسعى، أُزيح الستار عن وعود العمل بنظام الغرين كارد، بحيث يتم منح وثائق إقامة دائمة للأجانب.
ثقافة الكسل المجتمعية، التي تراكمت إثر عقود من توقعات المجتمع بإغداقه بثروات النفط، هي عقبة أخرى يجب التغلب عليها؛ فلسنوات طويلة، تواجهت الجهود المبذولة لإنهاء الإدمان غير صحي في المملكة على النفط بجدار من انعدام المبالاة، وكما يقول أحد المعلقين السعوديين: “الأمر يشبه قول أب لابنه البالغ من العمر 40 عامًا بأن الوقت قد حان للخروج والحصول على عمل”.
وجود الأمير محمد الشاب في بلد اعتاد على حكمه من قِبل حكام طاعنين بالسن، يسهّل عليه مهمة تحفيز الشباب، كما أن وسائل الإعلام الاجتماعية تعطيه فرصة أفضل لجس نبض البلاد، ولكن مع تراجع عائدات البلاد النفطية وارتفاع نسبة البطالة لتبلغ 11,6%، تبدو فرص خيبة الأمل قوية.
بشكل أكثر تخصيصًا، معالجة بعض الشواغل الرئيسية التي تطغى على الإصلاحات هو أمر ضروري للغاية قبل أن يكشف الأمير محمد عن خطة التحول الوطنية في أواخر مايو أو أوائل يونيو؛ فعلى سبيل المثال، طرح 5% من قيمة شركة أرامكو البالغة 2 تريليون دولار للاكتتاب العام، يعني طرح مبلغ 100 مليار دولار، وهو مبلغ مهول وكبير للغاية ولا تستطيع الأسواق الدولية، بما في ذلك سوق الأسهم السعودي، استيعابه، كما يجدر بنا التساؤل عن الوسيلة التي سيتم اعتمادها لمضاعفة الإيرادات الحكومية غير النفطية بما يقارب الـ6 أضعاف، من 163 مليار ريال الآن إلى 1 تريليون ريال بحلول عام 2030؟ وما هي الشركات الأخرى المملوكة للدولة والتي ستتم خصخصتها لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65% بحلول عام 2030؟ وما الذي يمكن أن يحدث إن انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل، وهو السعر الافتراضي الذي بنى عليه الأمر محمد هذه الإصلاحات؟
يشير الأمير محمد بأن قدميه ثابتة بقوة على الأرض، حيث يقول: “هذا ليس حلمًا، إنه واقع سيتحقق إن شاء الله”، ولكن عندما تكون المبالغ المعنية بتريليونات الدولارات، وفي منطقة محفوفة بالتوترات، ويتطلب نجاح الإصلاح إنقلابًا على الأعراف الاجتماعية، فسيضحي عبء الوفاء بها مرتفعًا للغاية.
لطالما وعدت المملكة العربية السعودية بتحقيق تنوع بالدخل بعيدًا عن النفط خلال العقود الماضية، واليوم، يجب على الأمير الشاب أن يثبت بأن هذه المرة مختلفة عن باقي الوعود الفاشلة.
المصدر: الإيكونوميست