التصريحات المتتالية لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والمقابلة مع قناة العربية الإخبارية ليُعَرف الشعب على الرؤية المستقبلية التي وضعها للمملكة هو نهج لم يعهده الشعب السعودي من قبل.
لم يحدث من قبل أن يستعرض مسؤول رفيع الشأن والمستوى وبهذا الحجم في السلطة بكل شفافية ملامح الاستراتيجية التي يريد بها أن يغير المملكة ويتحرر البلد من اقتصاد نفطي بحت، ليصبح أقل اعتمادًا على سلعة خام تتذبذب أسعارها في السوق فتارة يرتفع السعر ليرفع معه مستوى العمران والدخل وأيضًا الصرف الحكومي ويشهد اقتصادًا متوسعًا ومزدهرًا، وتارة ينخفض سعر السلعة ليخفض معه كل التوقعات ويجمد كل مشاريع التنمية العمرانية والخطط المستقبلية ويقلل الدخل، حتى يحن النفط من جديد ويعيد الاقتصاد إلى الحياة بعد ركود، هكذا كان السيناريو في العقود المنصرمة منذ اكتشاف النفط في الثلاثينات.
المملكة العربية السعودية ثاني أكبر مصدر للنفط بعد روسيا، وثاني أكبر احتياطي نفط في العالم بنسبة 16%، يبلغ حجم اقتصاده حوالي 760 مليار دولار، يعاني اقتصاد المملكة حاليًا جراء الانخفاض الحاد في أسعار البترول وبلوغ مستويات متدنية لا تغطي تكلفة الإنتاج، اقتصاد السعودية معتمد على النفط حتى النخاع، فالقطاع النفطي يمثل حوالي 80% من أرباح حكومة المملكة، و45% من الناتج المحلي و90% من ناتج الصادرات، السيناريو على وشك التغير أو هكذا ما يبدو.
السعودية رؤية 2030
تسعى المملكة حاليًا وبقيادة الأمير محمد بن سلمان وتوليه الملف الاقتصادي العمل على خلق هوية جديدة للمملكة لرؤية مستقبلية لعام 2030، تتنوع فيها مصادر الدخل داخليًا وخارجيًا؛ داخليًا من خلال إعادة هيكلة القطاعات الحالية لتصبح أكفأ في أدائها بالإضافة إلى قطاعات جديدة وحيوية في السوق السعودي كقطاع السياحة؛ لجذب الأموال الخارجية وخلق وظائف للشباب والحد من مشكلة البطالة، وخارجيًا بإنشاء أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم وتمويل الصندوق بفتح باب الاكتتاب في شركة أرامكو السعودية بنسبة تصل إلى 5% للمستثمرين بالداخل وخارج المملكة بحلول عام 2017.
الخطة تشمل أيضًا تخفيض إنفاق الحكومة دون أن تؤثر على المشاريع العمرانية أو على المستوى المعيشي لعامة الشعب ولذوي الدخل المتوسط، وأيضًا فرض تعرفة وضرائب ورفع الدعم بحيث لا تهمش ولا تؤثر على المستوى المعيشي للمواطن، خصخصة القطاعات بنسبة تصل إلى 60% على قائمة الأجندة الاقتصادية ومنها قطاع الصحة والخدمات، توفير التدريب المهني لجيل الشباب المتخرج وربط مخرجات التعليم بسوق العمل لرفع الكفاءة والحد من مستوى البطالة من ضمن الأهداف المستقبلية، ولحل أزمة الإسكان تعاد هيكلة الوزارة حاليًا حتى تأتي بحلول جديدة لتوفير السكن للمواطنين، ورؤية الأمير محمد بن سلمان تشمل أيضًا استغلال الطاقة الشمسية والاستفادة منها على مستوى الاستهلاك المحلي كبديل بيئي نظيف للنفط، وهي رؤية شاملة كما يراها الأمير محمد بن سلمان ليتحرر الاقتصاد السعودي من النفط بحلول عام 2020 وتتعدد القطاعات المختلفة بالمملكة.
تصريح الأمير محمد بن سلمان لتصحيح تعرفة المياه حاليًا والنظر إليها من جديد هي خطوة لاقت صدى كبير بين الناس، فالحكومة كانت قد رفعت من سعر تعرفة المياه على المواطنين بنسبة وصلت 50% مما زاد الحمل على المواطن ذو الدخل المتوسط دون طبقة الأغنياء، وهذا ما دعا الأمير محمد بن سلمان إلى إتخاذ إجراء تصحيحي، وقال إن التعرفة ستدرس من جديد لأنه لم يكن راضيًا عن النتيجة.
تقييم الخطط المستقبلية والرجوع إليها وتعديلها من أهم مقومات نجاحها، والأهم من ذلك أن الشفافية التي يتحدث فيها ولي ولي العهد السعودي غير مسبوقة وتبشر بالخير، وكما يقولون أولى خطوات الإصلاح هو تصحيح الخلل.
رجوع سعر النفط إلى مستوياته السابقة ما هي إلا مسألة وقت، كما كان يحدث دائمًا فهي دورة اقتصادية لسعر الخام شهدتها دول النفط على مر التاريخ وليس بجديد، ولكن الاكتفاء من هذا التذبذب ووضع خطة للتقليل من الاعتماد الكلي عليه هو الجديد، وربما كان تهاوي أسعار النفط في الفترة الأخيرة ما تحتاجه المملكة حتى تأخذ قرارات جريئة في هذه المرحلة وتذكر نفسها أنه عندما تكون اقتصاديًا قويًا متماسكًا يكون الوزن والنفوذ السياسي أكبر.