بعد غياب طويل خرج أحمد عبد الرحمن القيادي في حركة فتح بتصريح صحفي لم تنفه الحركة مفاده: “أنه لا يحق لتركيا طرح شرط رفع الحصار عن قطاع غزة وإقامة ممر مائي في أي اتفاق مع إسرائيل لإعادة العلاقات بينهما، مبينًا أنه لا يحق لأحد التفاوض في قضايا غزة دون السلطة الفلسطينية”.
ليس هذا هو التصريح الوحيد، فمن قبل عبد الرحمن تعهد عضو اللجنة المركزية لفتح عزام الأحمد، بإحباط أي محاولة لإنشاء ميناء بحري يربط بين قطاع غزة وجزيرة قبرص التركية، وقال الأحمد إن ما يجري الحديث عنه “ليس ميناء وإنما عوامة مع قبرص التركية التي لا يعترف بها أحد، ونحن أيضا لا نعترف بها”، ليست حركة فتح هي الحركة الوحيدة التي ترفض فكرة تشييد الميناء، ففصائل منظمة التحرير الفلسطينية تسير في نفس الاتجاه.
لا أجد مبررًا للرفض المتكرر لفكرة تشييد ميناء في قطاع غزة، والرفض غير مستند إلى حقائق ومعلومات وإنما مستند إلى خرائط وصور تنشر بالصحافة الإسرائيلية، فلو افترضنا جدلًا صحة ما ينشر، فلماذا ترفض حركة فتح وقوى اليسار تشييد ميناء في قطاع غزة؟
ربما سؤال يراود كل فلسطيني وتحديدًا في قطاع غزة، هل تخفي حركة فتح وقوى اليسار أسبابًا قوية لتلك الأفكار المسربة عبر وسائل إعلامية؟ هل تشييد ميناء يهدد المشروع الوطني الفلسطيني؟ وما هو المطروح أصلًا؟
التساؤل الأول لا أستطيع أن أجيب عنه وأتركه لفتح وقوى اليسار ولمن يرفض إقامة مشروع ميناء في قطاع غزة لكي يبرروا للرأي العام أسباب الرفض.
لكن مسألة أن تشييد الميناء يهدد المشروع الوطني، فلم يعد الشعب الفلسطيني قاصرًا كي يختبئ خلف جمل فضفاضة، فكيف سيؤثر في المشروع الوطني؟ لا شك أن معالم الاتفاق هي من تحدد ذلك، فعلى سبيل المثال لو كان المشروع يصب في اتجاه سحب سلاح المقاومة، أو فصل قطاع غزة رسميًا عن الوطن، فسأكون أول الرافضين لذلك، ولكن لو جاء مشروع الميناء ضمن هدنة طويلة ومن أجل تنفيس الشارع في قطاع غزة كون إسرائيل تخشى من انفجار القطاع في وجهها، فهل ذلك يؤثر في المشروع الوطني يا سادة؟ أليست حالة اليأس والفقر والبطالة هي أكبر تهديد للمشروع الوطني! أم أن قادتنا مكفول لهم السفر عبر معبر بيت حانون أو غيره بطريقة محترمة تليق بالمقامات العليا لهم.
وعلى الرغم من أن ما يدور في الإعلام لم يؤكد بشكل رسمي من أي جهة سوى تصريحات صهيونية لا نعرف أهدافها وأسبابها، إلا أنني أطرح كل الخيارات المتاحة لإقامة وتشييد ميناء في قطاع غزة وهي:
1- ميناء سيادي في منطقة حوض الميناء حسب ما هو منصوص باتفاق أوسلو، وهو خيار لم يتحقق في زمن أوسلو رغم أن هناك موافقات إسرائيلية تكررت أكثر من مرة، إلا أن إسرائيل كانت تعطل تشييده، ولو وافقت إسرائيل على ذلك لا يوجد عاقل في الساحة الفلسطينية سيرفضه.
2- ميناء عائم على بُعد بضع كيلومترات من شواطئ غزة يرتبط بجسر لنقل البضائع وقد يرتبط بجزيرة صناعية يشيّد عليها المطار، حيث كثر الحديث إعلاميًا حول هذا الميناء، وفي حال تحقق ذلك مقابل هدنة طويلة فما المانع، نحن دون ميناء هناك هدنة والحالة في قطاع غزة لا تحتمل تصعيدًا، والواقع الإنساني والاقتصادي بالغ السوء.
3- ميناء في المنطقة الحدودية بالاشتراك مع مصر وبذلك ينعش الاقتصاد الفلسطيني والمصري، عبر سلسلة مناطق صناعية وتجارية ومطار في رفح المصرية والفلسطينية، ويساهم في تقليل المخاوف الأمنية المصرية المترتبة على إقامة ميناء.
وقد يكون هذا الخيار هو الأفضل في الوقت الراهن لأنه سينقذ فلسطين ومصر وسيكون مدخلًا للتنمية التي تقضي على حواضن التطرف والإرهاب ولكنه بحاجة لموافقة سيادية مصرية.
4- تخصيص جزء من ميناء أسدود وربطه بخط بري لوصول البضائع لقطاع غزة، وهذا الخيار قائم أصلًا ولكن طالما تتحكم به إسرائيل فلا قيمة له؛ لأن الشارع الغزي يريد ميناء بضائع وحركة أفراد حتى يشعر بكرامته كإنسان (حرية التنقل والسفر).
ويبقى السؤال الأهم: ما هي الأسباب الحقيقية خلف رفض تشييد الميناء؟
1- سينعش الاقتصاد في قطاع غزة عبر تحول مسار الاستيراد والتصدير من المعابر الإسرائيلية للميناء البحري، وبذلك تفقد السلطة الفلسطينية السيطرة على ما تجنيه من المقاصة الضريبة والتي تصل إلى 70 مليون دولار شهريًا.
2- سيعمل الميناء على حل أزمات غزة المستعصية مثل الكهرباء واستيراد مواد البناء وغيرها وهذا سينعكس على شعبية حركة حماس إيجابًا.
3- ستمنح حماس مساحة للمناورة السياسية داخليًا وإقليميًا ودوليًا.
هناك فرق بين ما نتمناه وبين ما نحققه، فما نتمناه هو تحرير فلسطين وتصبح كل الموانئ فلسطينية، وعليه أتمنى على كل الفصائل التفكير بهدوء ودراسة المسألة بعيدًا عن الحسابات الحزبية الضيقة، وأتمنى أن ينتهي الانقسام ويخرج أي اتفاق ضمن وحدة وطنية، ولكن لو لم ينته الانقسام هل قدرنا أن نموت؟
وليكن اليوم ميناء عائم أو غير عائم ولنعمل سويًّا خلال الهدنة لتحرير كل فلسطين ما المانع يا قادة!