أجرى نون بوست مساء الأمس لقاءً مع الكاتب والمعارض السوري ميشيل كيلو عضو الائتلاف السوري المعارض ورئيس تجمع التيار الديمقراطي، ينحدر ميشيل من أسرة مسيحية في اللاذقية لأبٍ واسع الثقافة، ويعتبر أحد المشاركين في صياغة إعلان دمشق وهو عضو سابق في الحزب الشيوعي السوري، وكان قد شغل رئيس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، وبسبب نشاطه المعارض للسلطة تم اعتقاله عدة مرات كان أولها في السبعينات ثم اعتقل مرة ثانية في العام 2006 بتهمة إضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات الطائفية، وفيما يلي نص الحوار:
– النظام السوري شن هجمة عنيفة على مدينة حلب منذ قرابة الأسبوع، ليظهر يومًا بعد يومٍ مدى هشاشة الهدنة المرعية بسبب خروقات النظام وحلفاءه لها، على الرغم من إقرار المجتمع الدولي بثباتها وبناء علمية انتقال سياسي عليها، ما هي الرسالة التي أراد النظام السوري توجيهها للمعارضة من وراء هذه الخروقات ومن الهجمة الأخيرة على مدينة حلب؟
الحقيقة هناك مجموعة رسائل يحاول النظام إيصالها إلى المعارضة أولها أن المجتمع الدولي ليس جادًا في تطبيق قراراته والنظام نفسه لن يتقيد بالمجتمع الدولي ولا بقراراته، لسان حال النظام يقول: “المجتمع الدولي لا يعاقبني لأنني لا أتقيد بقراراته، لأني خيار المجتمع الدولي وبالتالي من تحارب المعارضة! هم يخوضون معركة خاسرة”.
وهناك رسالة أخرى أن النظام لا يزال يعتمد على الحل الأمني والعسكري في وأد الثورة وأن الرسالة التي أرسلها إلى جنيف للمعارضة ولغير المعارضة “امرحوا كما تريدون بما تسمونه الحل السياسي بالنهاية على الأرض الآلة العسكرية والحل العسكري ماضٍ لتحقيق هدفه وهذا الحل العسكري هو قرار دولي إقليمي داخلي بالتحالف مع روسيا وإيران”، دعني أقول لك “هناك خطر حقيقي على حلب من هذه الحملة الشعواء الممنهجة التي يقودها النظام”.
هناك خطر حقيقي على حلب من هذه الحملة العشواء الممنهجة التي يقودها النظام
الاكتفاء بسوريا المفيدة لا يعني للنظام السوري شيئًا، هو يقول بشكل علني سأستعيد كل شبر كان خاضعًا لإرادتي ولسلطتي وأنا أواجه مؤامرة كونية وأنا رأس الحربة ضد الإرهاب والمجتمع الدولي يقف بجانبي ولن أطبق القرارات لأن الكل يقف معي وبالتالي امرحوا بالحل السياسي بجنيف كما تشاؤون، الحل السياسي بالنسبة للنظام هو الخطوة الأمنية الأخيرة للقضاء الكامل على كل أنواع المعارضة، وقال ذلك بصريح العبارة لا يوجد حل سياسي إلا بعد القضاء على الإرهاب، الإرهابي بتعريف المجتمع الدولي هو كل من حمل السلاح ضد سلطة شرعية لذا في الأمم المتحدة وتعريفها نعتبر إرهابيين.
– وفد النظام السوري بقيادة بشار الجعفري في جنيف قدم تعديلات على ورقة ستيفان دي مستورا، هل وصلتكم تلك التعديلات؟ وهل تعتقد أن شيئًا ما يطبخ بعد انسحاب الهيئة العليا للمفاوضات؟ وكيف نظرت الدول الكبرى لتعليق المفاوضات من قبل الهيئة العليا؟
من المفترض أن التعديلات وصلت للمعارضة، ولكن إلى الائتلاف لم يصلنا شيئًا وتلك التعديلات هي ملاحظات النظام السوري على النقاط الـ 12 التي قدمها دي مستورا تحت عنوان أُسس الحل السياسي في سوريا، إذ لم ترق للنظام أبدًا لأن جزءًا رئيسيًا من النقاط يتحدث عن الانتقال السياسي للسلطة في سوريا، والنظام بالطبع لا يريدها.
وعن احتمالية أن شيئًا ما يطبخ في جنيف بين وفد النظام ووفد معارضة “الداخل” بعد انسحاب وفد الهيئة العليا للتفاوض من جنيف واردة كاحتمال، فهذه التنظيمات (معارضة الداخل) بجانب منها هي بديل للائتلاف في حال لم يعد يصلح كي يقود حتى النهاية عملية سياسية، من يقود العملية السياسية اليوم ليس الائتلاف بل الهيئة العليا للمفاوضات التي تعتبر جزءًا منفصلاً عن الائتلاف وغالبًا لا تنسق معه قراراتها ومخرجاتها.
وأعتقد أن القرار الأخير الذي أُخذ بتعليق المفاوضات أثار الكثير من اللغط والاستياء الأمريكي والروسي والإقليمي، وهذا قد يدفع الأمم المتحدة ودي مستورا وربما الروس والأمريكان بالتفكير ببدائل واحتمالات بديلة عن الائتلاف وعن سير العملية السياسية.
– صرّح أوباما أثناء زيارته في الخليج أن الأزمة السورية لا تنحل سوى بالمفاوضات، والمجتمع الدولي من طرفه متفق على ضرورة دفع الحل السياسي للأزمة السورية كما جاء في تصريحات لقادة الدول الكبرى في هانوفر بألمانيا، ومن الناحية الأخرى يدعو رياض حجاب الفصائل المقاتلة لعدم ترك السلاح والانسحاب من المفاوضات، أين هي نقاط اللالتقاء بين المعارضة والمجتمع الدولي؟
أنا أرى أن الحل السياسي شيء وألا تتركوا السلاح شيء ولا يوجد تناقض بين الأمرين، والحلول السياسية تأتي دائمًا من عمليات عسكرية على الأرض والصراع العسكري هو الذي يُحدد نمط الحل السياسي، وهذا الذي سيحدث في سوريا بالمناسبة.
أعتقد أن هناك تفاهم مبدأي دولي على ضرورة الحل، ولكن هل هناك تفاهم على مراحله وخطواته وآلياته! أعتقد أنه غير موجود، والدليل على ذلك أنه عندما بدأت الهدنة، قيل بشكل رسمي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أن تثبيت الهدنة أو وقف إطلاق النار يعتبر خطوة تالية بالهدنة سيكون مهمة باراك أوباما وبوتين وليس مهمة وزيري الخارجية بالبلدين، وهذا يدل على رفع الخطوات الإجرائية بشكل كبير لأنه لا يوجد اتفاق عليها.
يوجد اتفاق على حل، ولكن كيف وما هي مراحله التي سيمر بها وما هي مستلزماته أعتقد أنه لا يوجد اتفاق عليها، هم يتفقون خطوة خطوة لأن الحل محل صراع وليس محل توافق.
– هل تعتقد أن حل الأزمة السورية تم تأجيله للرئيس الأمريكي القادم؟
هناك دول إقليمية وعربية تريد بالفعل أن يتأجل الحل لحين قدوم الرئيس الأمريكي الجديد، ولكن لا أعرف من أعطاهم ضمانات أن الرئيس الأمريكي الجديد سيكون أفضل من باراك أوباما، هناك خلل في التفكير عندما تعتقد أنك على خطأ عندما تسير على الشمال وتعتقد أنه عليك السير في الطرف اليمين، من قال هذا؟! من الوارد أنه لو سرت على اليمين تكون على خطأ أكثر بسبع مرات من لو كنت تسير على الشمال.
لو أتى دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فلن يكون فألاً جيدًا بالمطلق، وإذا أتت هيلاري كلينتون فهي أول من طرح في سوريا ديمقراطية الأقليات والطوائف التي بدأت الولايات المتحدة الأمريكية من اليوم العمل عليها، فالتفاؤل ليس بمكانه هنا إذا ذهب أوباما سيأتي أفضل منه ويقود مسار العروبة والوحدة العربية كما يرى المعيين.
– بالنظر للوضع المتردي الذي يمر به الائتلاف السوري وما يعانيه من أزمات داخلية وضغوط خارجية، هل ترى أن الوضع الحالي للائتلاف يشي بشيء من الاستقرار أم أنه ينتظر رصاصة الرحمة من الشعب السوري؟
أعتقد أنه لا يوجد رصاصة رحمة للائتلاف ولو وجدت على الأقل ليست من الشعب السوري، ربما سيوفر الشعب السوري رصاصاته لأماكن أخرى غيره، نحن كتيار ديمقراطي نبذل جهود كبيرة منذ سنة ونصف تقريبًا عبر برنامج إصلاحي لتصحيح أوضاع الائتلاف، واليوم يبدو لنا أن الائتلاف بدأ يتفاعل بإيجابية مع هذا المسألة، لو تم هذا الموضوع ستجد بعد أشهر قريبة شيئًا مختلفًا عن الائتلاف، “هدفنا الرئيسي تحويله من مؤسسة تدير أزمة سوريا أو تشارك فيها إلى مؤسسة عمل وطني”، إذا نجحنا بإنهاء دوره في إدارة أزمة سوريا ووجهناه لعمل مؤسسة وطنية نكون عملنا ثورة كبيرة باعتقادي بما يتعلق بالتعبير السياسي عن ثورة الشعب السوري، وبغير ذلك أعتقد أن الائتلاف ما في داعي يموت لأنه ميت سريريًا في الأصل، ليس له رصيد عند الشعب.
هدفنا الرئيسي تحويل مؤسسة الائتلاف من مؤسسة تدير أزمة سوريا أو تشارك فيها إلى مؤسسة عمل وطني
– هل هناك ضغوط إقليمة من أصدقاء الشعب السوري على الائتلاف لإصلاحه أو لعمل مؤسسة سورية جديدة على مستوى الائتلاف؟
كلا لا يوجد هناك أي ضغوط تمارس علينا من قِبل أحد لإصلاح الائتلاف، ولا يوجد أحد في العالم غاضب منّا لأننا نخطئ، على العكس العالم كله “مبسوط” لأننا لم نترك خطأ إلا وارتكبناه، ثم إن الشعب السوري له دول أصدقاء، شعب لديه أصدقاء وهو يذبح منذ خمس سنوات ولا يحرك ساكن، فأي أصدقاء هؤلاء؟!
– على الرغم من كل المنغصات التي تمر بها الثورة السورية هل يعتقد ميشيل كيلو أنه سيأتي اليوم الذي تنتصر فيه الثورة؟
باعتقادي أن ذاك اليوم سيكون حدثًا تاريخيًا هائلاً، وهذا سيبقى اعتقادي مهما حدث، الثورة ستنتصر إلا أن هناك مخاطر حقيقية ومرعبة عليها كثورة، ونحن كأشخاص في مؤسسة (الائتلاف) تولت قيادة الثورة، ارتكبنا من الأخطاء ما لا يخطر ببال، كل الأخطاء الضرورية لتؤخر الثورة عن الانتصار، ولكن سيبقى مدلول هذه الثورة وسيبقى معناه التاريخي والشعبي والمجتمعي الوطني خالد الذكر في ذاكرة العرب وذاكرتنا وذاكرة الناس وربما في ذاكرة التاريخ، لا يزال عندي اعتقاد كبير عززته المظاهرات الأخيرة التي خرجت في المحافظات السورية بأنها ستذهب إلى الحرية إن شاء الله.