ترقب حذر، وهدوء ربما يسبق العاصفة، هكذا تبدو الأوضاع في ليبيا بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج والتي بدأت عملها رسميًا من العاصمة طرابلس أواخر شهر مارس الماضي.
حكومة السراج التي جاءت في وقت عصيب تمر به ليبيا والمنطقة العربية بأسرها رآها مراقبون بداية النهاية، أي نهاية الحرب الأهلية الليبية وبداية التوحد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على أجزاء واسعة من الدولة الليبية وأعلن من خلال ذلك عن تمدده الفعلي في القارة الإفريقية واتخاذ المناطق الواقعة تحت سيطرته منطلقا أو بالأحرى قاعدة لعملياته المستقبلية في المنطقة.
عمليات نوعية قام بها التنظيم داخل ليبيا أسفرت عن السيطرة على مدينة سرت التي يطلق عليها البعض عاصمة التنظيم في ليبيا، بالإضافة إلى هجمات متفرقة في العاصمة طرابلس وغيرها من المدن التي تقع تحت سلطان قوات فجر ليبيا والموالين للجنرال خليفة حفتر.
المتأمل في مسيرة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا على مدى نحو سنتين من إعلان وجوده الرسمي فيها، سيلاحظ أن الأخير لم يخرج عن قاعدة الكر والفر والتمدد والتقوقع في أغلب الأحيان مثله مثل الفروع الأخرى للدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا، حيث إن الفرع الليبي للدولة خسر أجزاءً متفرقة من الأراضي التي كان يسيطر عليها خلال الفترة الأخيرة، فبعد هزيمته في أجزاء واسعة من بنغازي خلال الأشهر الماضية، جاء الدور على هزيمته المدوية والمفاجئة للمراقبين في مدينة درنة بعد معركة عنيفة مع مجلس شورى مجاهدي درنة “الموالي” لتنظيم القاعدة.
خروج التنظيم من بنغازي ودرنة وانحصاره في مدينة سرت، دفع مراقبين إلى القول أن هزيمته مسألة وقت ليس إلا، مؤكدين في الوقت نفسه أن التدخل الأجنبي المنتظر سيساهم بشكل كبير في تخليص الليبيين منه، لكن هذا الطرح من قبل المراقبين، خالفه خبراء آخرون، بل وفندته مصادر استخبارية وعسكرية مطلعة على الملف الليبي وفق ما نقلت ذلك وسائل الإعلام الغربية الأسابيع الماضية، حيث أكدت هذه المصادر أن الفرع الليبي لتنظيم الدولة هو الجناح الضارب للدولة الإسلامية، يتراوح عدد مقاتليه بين الـ6 والـ10 آلاف مجهزين بأسلحة نوعية تركها نظام العقيد الراحل معمر القذافي فاستولوا عليها، كما شددت هذه المصادر على أن التدخل الأجنبي في ليبيا وإن كان ضرورة ملحة إلا أنه مقامرة ومغامرة لا تقل خطورة، فالأخطاء غير مسموح بها.
التدخل الأجنبي في ليبيا يعني بالضرورة بالنسبة إلى الليبيين استعمارًا جديدًا وإن ادعت القوى الغربية أنه في إطار الحرب على الإرهاب لذلك رفضت فصائل ليبية مسلحة الموافقة عليه بل وأكد البعض أنه سيقاتل أي قوات أجنبية تدخل الأراضي الليبية.
ورغم تباين مواقف الليبيين حول هذا التدخل العسكري، إلا أن حكومة الوفاق التي يقودها فائز السراج، لن تتأخر في طلب أممي بالتدخل من أجل محاربة الإرهاب والذي يتمثل أساسًا في 3 جماعات هي على التوالي “تنظيم الدولة الإسلامية” و”أنصار الشريعة” الليبية و”مجلس شورى مجاهدي درنة”، فبعض التقارير الإعلامية كشفت أن الخطط رسمت وأن التحالف الدولي الجديد ينتظر فقط الإشارة للانطلاق في قصف سرت وبنغازي ودرنة.
بعض الصحف الغربية زعمت أن بداية نهاية تنظيم الدولة تبدأ من ليبيا، حيث ذكرت مجلة نيوستاتسمان البريطانية في تقرير لها اليم أن هزيمة التنظيم بشكل نهائي تبدأ من إعادة الإستقرار إلى ليبيا وإعادة إنتاج النفط إلى مستوياته السابقة، وذلك لمنع التنظيم من تحويل ليبيا إلى منصة لتنفيذ هجمات إرهابية بالخارج، لكن الحقيقة غير ذلك.
إن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، سيؤدي إلى مزيد من الخراب والدمار والإرهاب، ولهذا كانت الجزائر رافضة لهذا التدخل الغربي لعلمها ولتجربتها السابقة في العشرية السوداء بأن القضاء على الإرهاب في مكان ما لا يعني اندثاره وانهزامه وإنما يعني تفرقه وإعادة العمل في شكل جديد مغاير لما كان عليه تمامًا وهو ما يشكل خطرًا أكبر.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما يعلم تمام العلم أن الخطأ غير مسموح به في أي تدخل عسكري جديد في ليبيا حيث لا يزال شبح 2011 يطارده إلى يومنا هذا، حيث اعترف أوباما مرتين متتاليتين أنه ندم على قراره بالتدخل العسكري في ليبيا عام 2011، وذلك خلال حواريه المتتاليين مع كل من مجلة “ذي أتلانتيك” وقناة “فوكس نيوز” الأمريكيتين.
أيام أو أسابيع أو ربما أشهر قليلة وستدق ساعة الزحف وساعة العمل من أجل عمل عسكري جديد في المنطقة، يدمر المدمر ويحرر المحرر ويزيد من أوجاع الليبيين وجيرانهم من التونسيين والجزائريين.