زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أمس الأربعاء 27 أبريل/ نيسان، المملكة العربية السعودية لمدة يوم واحد التقى فيه الملك سلمان بن عبد العزيز حيث تباحثا المستجدات في المنطقة وخاصة الوضع في سوريا واليمن وليبيا والعراق وما حدث في القمة الخليجية المغربية التي عقدت في الـ 20 من الشهر الجاري، إضافة إلى التعاون بين البلدين اقتصاديًا، ويأتي توقيت الزيارة في ظل انعقاد المفاوضات السورية في جنيف والمحادثات اليمنية في الكويت، حيث تضطلع كل من البلدين بشكل مباشر في كلا الملفين.
تبديد الشائعات
شاب العلاقة بين البلدين في الفترة الأخيرة “برودًا”، خاصة بعد غياب الاردن عن القمة الخليجية المغربية التي عُقدت في 20 أبريل/ نيسان الجاري في الرياض لعدم استدعائه، رغم أن عمّان مرشحة للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي إلى جانب الرباط منذ أيام الملك الراحل عبد الله الذي اقترح ضم المغرب والأردن إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لذا جاءت هذه الزيارة لتبدد كل تلك الشائعات.
وكان العاهل الأردني استبق الزيارة بمباركة برؤية السعودية 2030 وغرد على تويتر بعد المقابلة التي أجراها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الموقع التابع للديوان الملكي قائلًا “وجدت في مقابلة الأمير محمد بن سلمان رؤية مستنيرة وشجاعة سيكون لها أكبر الأثر في تطوير وتنمية المملكة العربية السعودية الشقيقة”.
وجدت في مقابلة سمو الأمير #محمد_بن_سلمان رؤية مستنيرة وشجاعة، سيكون لها أكبر الأثر في تطوير وتنمية المملكة العربية #السعودية الشقيقة #ABH
— RHC (@RHCJO) April 25, 2016
بدوره الأمير محمد بن سلمان زار الأردن في 11 من الشهر الجاري بعد ترسيم الحدود المائية بين السعودية ومصر ونقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، حاول أن يرسل فيها رسالة طمأنة إلى الأردن حول جسر الملك سلمان ولتوثيق العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين.
وتم توقيع مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري مشترك بين البلدين يحدد رأس ماله وفقًا للمشاريع وقيمتها، بحيث تستثمر السعودية في الأردن في قطاعات الاتصالات والصناعة والصحة والزراعة والاستثمارات السياحية، وفي نهاية اللقاء صدر بيان مشترك تضمن نقطة رفض التدخل الإيراني في المنطقة العربية.
تمتعت الأردن بعلاقة جيدة ومستقرة مع إيران، حاولت فيها عمان بعد اندلاع أزمة بين السعودية وإيران أن تُمسك العصا من المنتصف بحيث تحافظ على علاقتها المستقرة مع طهران وتتجنب التدخل في الأزمة المندلعة بين البلدين، إذ اكتفت بإدانة الاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها في إيران دون قطع العلاقات أو سحب السفير كما فعلت بعض الدول العربية، كما أن عمّان رحبت بالاتفاق النووي الإيراني وتمنت أن يساهم في الاستقرار الإقليمي، لذا وبحسب خبراء فإنه فيما يبدو تم الضغط على عمّان لحثها على اتخاذ موقفًا أكثر حزمًا في علاقتها مع إيران.
استجابت عمّان حيث استدعت بشكل مفاجئ سفيرها في طهران عبد الله أبو رمان يوم الإثنين 18 أبريل/ نيسان بحجة استمرار إيران في عدم الاستجابة لمطالب الأردن بالتوقف الكامل عن التدخل في الشؤون العربية، واحترام سيادة الدول، واستجابةً للمسعى العربي بإقامة علاقات متوزانة معها حسبما أدلى محمد المومني وزير الإعلام في الحكومة الأردنية، وهذا الفعل هو انعطافة في العلاقات الأردنية الإيرانية عن “التصعيد الناعم” الذي كانت الأردن تتبعه معها، وأكدت الأردن أن مستقبل العلاقة مع طهران بعد اليوم يعتمد على مدى تغيير سياساتها في المنطقة.
العلاقة العسكرية بين السعودية والأردن
عسكريًا تساهم الأردن في التشكيلات العسكرية التي شكلتها السعودية وتشارك في التدريبات العسكرية المتعددة الجنسيات التي تقيمها عادةً كما في المناورات العسكرية لرعد الشمال التي جرت مؤخرًا في السعودية، كما تشارك السعودية في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن منذ مارس/ آذار 2015 ضد جماعة الحوثيين والمليشيات الموالية لعلي عبد الله صالح، وكذلك في التحالف الإسلامي الذي شكلته السعودية أواخر السنة الماضية ضد الإرهاب أينما كان، وبعد إبداء كل من السعودية والإمارات استعدادهما للتدخل البري في سوريا لقتال داعش تحت قيادة الولايات المتحدة، بنظر محللين فإنه من الوارد أن تمارس السعودية ضغوطًا على الأردن لحثها على التدخل بريًا في سوريا من طرفها، خصوصًا بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية السيناريو (ب) في حال فشل المفاوضات السورية المرعية من قبل الدول الكبرى في جنيف.
العلاقة الاقتصادية بين البلدين
اقتصاديًا وفي ظل هبوط أسعار النفط العالمية وتكبد الموازنات الخليجية لعجوزات مالية، يرى رئيس الوزراء الأردني السابق عبد الكريم الكباريتي أن الأردن لم يعد أولوية لدول الخليج فالظروف التي تمر بها دول الخليج الآن جعلتها تغير استراتيجياتها على حد تعبير الكباريتي، وتوقع بسبب الصعوبات المالية التي تواجهها الخليج ألا تقوم بتجديد المنحة الخليجية التي تقدمها دول الخليج للأردن سنويًا والتي تقدر قيمتها 5 مليار دولار، إلا أن زيارة الملك الأردني أمس بددت هذه الأقاويل وأكدت على مضي السعودية في دعم شقيقتها الأردن مهما حدث.
أحد محاور زيارة الملك عبد الله في الأمس هي التأكد من عدم تأثر خليج العقبة بجسر الملك سلمان، فالجسر سيربط مصر بالسعودية عبر مضيق تيران الواقع جنوب خليج العقبة الأردني، والحكومة الأردنية عقّبت بعد الإعلان عن الجسر أنها ستبحث إيجابيات وسلبيات الجسر على الأردن، فخليج العقبة بما يضم الميناء والمنطقة التجارية يُعد منفذًا رئيسيًا للبضائع والركاب والسياح وهو المنفذ البحري الوحيد لها.
ولعلّ الأثر السلبي على الأردن يظهر على طريق الحج البري إذ كان يأخذ الحجاج القادمون من القارة الإفريقية الطريق البحري عبر قناة السويس وكوبري السلام إلى العقبة الأردني ومن ثم إلى الأماكن المقدسة في السعودية، وبناء جسر الملك سلمان سيختصر المسافة والمال والوقت على الحجاج من خلال إنشاء طريق بري جديد سيتجاوز فيه الحجاج طريق العقبة الأردني، وهذا ما يُقلق الأردن إذ ستنخفض حركة مرور الحجاج عبر العقبة وبالتالي تنخفض الإيرادات القادمة من التأشيرة والإقامة التي يصرفها الحجاج أثناء عبورهم في العقبة.
بينما يرى آخرون أنه من المبكر الحديث عن آثار المشروع خصوصًا أن الحكومة قادرة على تحويل التحديات إلى فرص واستثمارها بما يعود بالفائدة على الاقتصاد الأردني، فالجسر سيُفعّل التجارة البينية بين شمال إفريقيا والشرق الأوسط وسيكون له انعكاسات إيجابية على دول المنطقة بشكل عام، وأمام الأردن فرصة في رفع صادراتها عبر الجسر إلى شمال إفريقيا والخليج العربي، كما سيفيد الجسر المنطقة العربية برمتها ومن بينها الأردن، إذ ستتصل دول إفريقيا بطريق مباشر مع بقية الدول العربية بطريق برّي بدون المرور بإسرائيل.
اما المشروع الحقيقي المستقبلي الذي من الممكن للأردن أن تعمل عليه بالتعاون مع السعودية ومصر للاستفادة من الجسر، هو مشروع جسر يربط العقبة بجسر الملك سلمان، يحقق لها العديد من الفوائد من أهمها إلغاء العبّارات البحرية التي باتت رحلاتها محفوفة بالمخاطر، وزيا عدد السياح الخليجيين إلى العقبة فضلًا عن تسهيل مرور التجارة البينية من وإلى الأردن ورفع الصادرات الوطنية إلى دول الخليج العربية وشمال إفريقيا.
يعاني الاقتصاد الأردني الآن من الأزمات المندلعة في دول الجوار فبوابتا الأردن للصادرات الوطنية إلى العراق وسوريا مغلقتان بسبب الأزمة الداخلية التي تواجهها كلا البلدين، كما أن إيران باتت شبه مسيطرة على البلدين لذا وحسبما يرى الكباريتي فإن “إيران باتت على حدود الأردن شئنا أم أبينا، فسوريا والعراق هي مناطق نفوذ إيرانية”، لذا وفي خضم هذا التحدي أمام الاقتصاد الأردني فبات يعوّل على السعودية ودول الخليج أكثر في ردم الهوة التي خلفتها الأزمات في دول الجوار.
تعد السعودية المانح الأكبر للأردن، وعمّان تبدي اهتمامًا أكبر بزيادة التبادل التجاري (انظر الشكل في الأسفل – الأرقام بالمليون ريال سعودي) بين البلدين ورفع العلاقات الاستثمارية، حيث سعى الطرفان من خلال الزيارات المتبادلة الأخيرة إلى التنسيق والتعاون أكثر في المجالات الاقتصادية لتعود بالفائدة على كلا البلدين.
علمًا أن السلع التي تصدرها السعودية إلى الأردن هي النفط الخام ومنتجاته ومواد كيميائية كالإيثيلين وبولي برولين وغيره، في حين تستورد السعودية من الأردن أدوية ولحم الضأن والخضار كالطماطم الطازجة والمبرّدة.
وقد تقرر إنشاء مجلس التنسيق السعودي الأردني في مدينة الرياض أثناء زيارة الملك الأردني أمس إلى الرياض، يرأسه من الجانب السعودي ولي ولي العهد محمد بن سلمان ومن الجانب الأردني رئيس الوزراء عبد الله النسور، بحيث يضطلع المجلس بتنمية وتعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في المجالات كافة والتشاور والتنسيق السياسي في القضايا الثنائية والإقليمية والدولية.
في النهاية بددت الزيارات الأخيرة لقادة الأردن والسعودية أي برود في العلاقة كما عمدت السعودية إلى تعزيز العلاقة أكثر ومكافأة الأردن على الموقف الحازم الذي اتخذته ضد إيران، واطمأنت الأردن على استمرار المنحة الخليجية وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع السعودية في ظل ما ستشهده الأخيرة من انفتاح اقتصادي بعد رؤية السعودية 2030، ويبدو أنها أدركت أكثر من أي وقت أن مضى عمقها الاستراتجي هو عمق عربي ولا مناص لها من تعكير العلاقة معه على حساب علاقتها بإيران، ومن الناحية الأخرى تدرك السعودية الموقع والدور الكبير الذي تمثله لها الأردن في المنطقة خصوصًا بالنسبة لجارتها سوريا.