يبدو أن السلطة الفلسطينية بدأت فعلياً اللجوء للغة “تهديد” في تغيير علاقتها مع الجانب الإسرائيلي، بعد إخفاقها في إحراز أي تقدم على المستوى السياسي من خلال مفاوضات “سرية وعلنية” أجرتها طوال أكثر من 22 عاماً.
تهديد السلطة هذه المرة ليس سياسياً، بل جاء في الملعب الاقتصادي الذي تخشاه إسرائيل كثيراً، بعد تصريحات نشرت لمسئول العلاقات الدولية في حركة “فتح” نبيل شعث، حين صرح بأن :”السلطة تدرس رسمياً إلغاء التعامل بعملة الشيقل الإسرائيلي والبحث عن عمله بديله عنه”.
خبراء ومحللون اقتصاديون تحدث معهم مراسل” نون بوست”، لإيضاح مدى جدية السلطة باتخاذ تلك الخطوة “المفاجئة”، ونجاحها في التأثير على الاقتصادي الإسرائيلي، ودعم الاقتصاد الفلسطيني الذي يعتمد كلياً على الاحتلال المتحكم في كل موارده المالية والتجارية.
خطوة تمرد
الخبير وأستاذ الاقتصاد محمد العجلة، أكد أن تهديد السلطة الفلسطينية الجديد بإلغاء التعامل بعملة “الشيقل” والبحث عن عملة بديلة عنه للتداول في السوق الفلسطينية، في غاية الأهمية وستكون لها نتائج مفيدة وإيجابية.
وأوضح العجلة، لـ”نون بوست”، أن إعلان السلطة رسمياً عن إيقاف التعامل بالشيقل، سيكون له ردات فعل إسرائيلية كبيرة وصعبة، خاصة أن السلطة تعتمد كلياً في اقتصادها ومواردها المالية على الاحتلال الذي يتحكم بالمعابر وتحويل الأموال من وإلى فلسطين.
وذكر أن هناك عملات بديلة يمكن العمل بها بديلاً عن الشيقل الإسرائيلي، وهي الدينار الأردني أو الدولار الأمريكي، أو حتى العودة لطباعة “الجنية الفلسطيني” من جديد الذي انتهى العمل بها منذ أكثر من 60 عاماً، بعد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
ولفت أستاذ الاقتصاد، إلى أن السلطة الفلسطينية يجب فعلياً أن تقوم بخطوات على الأرض ترفض التبعية الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي، وأن تبحث دائماً عن خطوات بديلة للاستغناء عن الاحتلال الذي دائماً ما يلجأ إلى لغة “الاقتصاد” للتأثير على القرارات السياسية، من حجز للأموال وإغلاق المعابر التجارية ووقف تحويل العملات ومنع إدخال المساعدات.
من جانبه، اعتبر المحلل الاقتصادي نصر عبد الكريم، تهديدات نبيل شعث بأنها “تمرد” على اتفاقية باريس الاقتصادية التي جرى توقيعها بين السلطة وإسرائيل في العام 1994، والتي تتحكم إلى يومنا هذا في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين السلطة وإسرائيل.
وقال عبد الكريم، لـ”نون بوست”،:” السلطة أردت من خلال تصريحات شعث الأخيرة، إيصال رسالة إلى إسرائيل بأنها قادرة على اتخاذ خطوات عقابية ضد الاحتلال، وستكون هذه المرة اقتصادية وإلغاء التعامل بالشيقل، وطرح عملات بديلة”.
وذكر المحلل الاقتصادي، أن تطبيق تلك الخطوة ظل الظروف الحالية السياسية والاقتصادية ليس بالأمر بالسهل، ولكنه يُعطي إشارة واضحة لوجود خطوات يمكن أن تسير بها السلطة في الفترة المقبلة، للتنصل من الاحتلال وتبعاته الاقتصادية، وأن يكون إلغاء “الشيقل” الخطوة الأولى في ذلك.
ولفت عبد الكريم، إلى أن إسرائيل ستتخذ مباشرة خطوات ضد السلطة منها منع إدخال أكثر من 130 عاملاً فلسطينياً للأراضي المحتلة، وتعطيل تحويل أموال الضرائب للسلطة، إضافة لفرض حظر اقتصادي على المنتجات الفلسطينية التي تدخل الأراضي المحتلة كالقدس و48.
وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومفوض العلاقات الدولية بالحركة نبيل شعث، قد صرح بأن سلطة النقد، ووزارتي المالية والاقتصاد، يدرسون إمكانية إلغاء التعامل بالشيقل الإسرائيلي، مضيفاً إن:” دراسة إلغاء الشيقل تأتي ضمن القطع التدريجي للعلاقة مع إسرائيل”.
وبين شعث أنه “حسب الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، نستطيع التعامل بالدولار الأمريكي أو الدينار الأردني، لكننا مع مرور الوقت بدأنا باستخدام الشيقل”، مؤكداً أن الإسرائيليين يتعاملون مع الجانب الفلسطيني بالشيقل عند الشراء منهم، ويرفضون التعامل بالدولار، وبالتالي لا بد من الاستغناء عن الشيقل، وفق قوله.
التبعية الاقتصادية للاحتلال
وتدرس سلطة النقد الفلسطينية، ووزارتي المالية والاقتصاد، في الوقت الحالي إمكانية إلغاء التعامل بالشيقل الإسرائيلي، وهنا قال المحلل السياسي هشام أبو هاشم، إن:” سلطة النقد لم تقرر بالسياسة المالية الفلسطينية، ولكن هذه دراسة من إحدى الدراسات التي ستقدمها كافة الهيئات للقيادة الفلسطينية للأخذ بها، منها على مستوى التنسيق الأمني والمستوى الاقتصادي والزراعي”.
فيما قال الخبير في الشأن الاقتصادي معين رجب، إن:” هذه محاولة للتحرك من قبل الجانب الفلسطيني في ظل التعنت الإسرائيلي لتطبيق بروتوكول باريس، الذي فرض على الفلسطينيين التعامل بالشيقل الإسرائيلي، وعدم قبولهم إرسال ما تحتاجه البنوك الفلسطينية في غزة من الدولار، نتيجة شحه في الأسواق ومنع إسرائيل حركة خروجه ودخوله للقطاع.
وأضاف أن السلطة الفلسطينية تسعى لإشعار إسرائيل أنه بإمكانها القيام بعمل يزعجها في هذا الشأن، حيث أن إسرائيل تستفيد بشكل كبير من استخدام الشيقل في الأراضي الفلسطينية، كما أنها تحقق دخلاً نتيجة إصدار كميات إضافية لصالح الأراضي الفلسطيني تقدر بنحو 300 مليون دولار سنوياً.
وأشار رجب إلى أن هذه الخطوة قد تكون وسيلة من وسائل الضغط على إسرائيل، لكن لا يُعرف مدى نجاها، مضيفاً بأن هذا الأمر يتطلب دراسة مستفيضة من جوانبه المختلفة، لأن إسرائيل لا تزال هي التي تتحكم في مرافق الحياة المختلفة للشعب الفلسطيني.
وحول إمكانية صناعة عملة فلسطينية جديدة، أكد على ضرورة أن يكون لدى الفلسطينيين بنكاً مركزياً يصدر عملة وطنية تكون بديل للعملات الثلاثة المستخدمة، مستدركاً قوله” لا نستطيع اتخاذ قرار إصدار عملة وطنية كوننا لا نتحكم بالمعابر الفلسطينية”، فحين يتم إصدار عملة وطنية يجب أن يكون هناك احتياطات كافية من العملات الصعبة لحماية العملة الوطنية بعيدا عن حدوث انهيار للعملة المحلية” .