يوما بعد يوم، يرتفع عدد المساندين وعدد الجمعيات المتبنية لقضايا الأمازيغ في المغرب العربي والتي تعمل على إحياء وتنمية التراث والثقافة الأمازيغية بكل بلدان المغرب العربي سعيا منها إلى تدارك ما يعتبر بالنسبة لها تجاهلا لتاريخ هذه الفئة العرقية ومحافظة على العادات والتقاليد الأمازيغية التي تعرضت للتهميش والإقصاء منذ زمن طويل، ولتحقيق أهداف أخرى على المدى الطويل مازال يرى أصحابها أنها جائزة وأن تحقيقها لن يكون مستحيلا في صورة نجاحهم في إحياء ثقافتهم وافتكاك حقوقهم ومنح لغتهم الأمازيغية مكانتها حتى تكون لغة رسمية في كل بلدان المغرب العربي.
لا توجد أرقام دقيقة لعدد الأمازيغ في دول المغرب العربي إلى أنه بحسب أرقام نشرتها المجلة الدولية في فرنسا سنة 2001 فإن عدد الرجال الأحرار في المغرب العربي -وهي الترجمة الحرفية لكلمة الأمازيغ- يتجاوز حاجز 19 مليون أمازيغي، ينقسمون إلى 12 مليون أمازيغي في المغرب، 6 مليون في الجزائر، 50 ألف في تونس ،وبين 300 إلى 500 ألف أمازيغي في ليبيا، ويعود سبب عدم وجود أرقام دقيقة لعدد الأمازيغ في المغرب العربي إلى تداخل الأعراق في منطقة المغرب العربي بفضل غياب النقاء العرقي وذلك بفضل وجود ديانة واحدة تجمع أغلب سكان المنطقة وهي الإسلام و التزاوج الذي يجمع هذه الأعراق في المنطقة، وضف على ذلك إنكار وجود هذه الأقلية في بعض بلدان المغرب العربي والسعي إلى عدم الإعتراف بها، ورغم هذه الأرقام التي تظهر أن نسبة الأمازيغ في المغرب العربي تمثل أقل من ربع سكان المغرب العربي فإن ذلك لا ينفي الروايات القائلة بأن الأمازيغ هم السكان الأصليون لهذه المنطقة وأن إرثهم التاريخي هو الأصل لكل سكان المغرب العربي رغم تعرب البعض من الأمازيغ بفضل دخول الإسلام.
اللغة الأمازيغية: لغة رسمية في المغرب ومهمشة في باقي الدول
لم تحسم معظم الدول المغاربية الجدل القائم بخصوص اللغة الأمازيغية والإعتراف بها كلغة رسمية، فرغم أن الناطقين باللغة الأمازيغية كلغة أم يمثل أرقاما كبيرة خصوصا في المغرب والجزائر، ففي المغرب يبلغ هذا الرقم نسبة 39% من عدد السكان وفي الجزائر يتجاوز نسبة 45% من حوالي 32 مليون نسمة، إلا أن ذلك لم يشفع للأمازيغ في تحقيق حلمهم بإضافة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية بإستثناء المغرب الذي أقر إعتماد اللغة الأمازيغية كلغة رسمية بجانب اللغة العربية فيما اعتمدتها الجزائر كلغة ثانية بعد اللغة العربية سنة 2001 رغم أنها تعد اللغة الرئيسية في التعاملات اليومية لسكان منطقة القبائل الكبرى التي تضم عدة محافظات تقع شرق العاصمة الجزائرية، مما جعل بعض الأحزاب والمنظمات تطالب بجعلها لغة رسمية رغم أن ترقيتها إلى لغة رسمية مكنها من أن تصبح مادة تعليمية وتتمتع بنشرات خاصة ناطقة بها تعرض على التلفزيون الحكومي الجزائري.
ومقابل ذلك لا يتجاوز عدد الناطقين باللغة الأمازيغية في تونس وليبيا حاجز الخمسة بالمائة، مما جعل مطالب أمازيغ هذه الدول بإعتبار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية تقال بأصوات خافتة ولا يبلغ صداها كثيرا ولا حتى أحدثت الجدل رغم بعض المطالب بتعليم هذه اللغة في المدارس والجامعات في مرحلة أولى، حتى أن إحدى الجمعيات التي تعنى بالشأن الأمازيغي والتي أحدثت في تونس بعد الثورة دعت إلى إعادة الإعتبار إلى هذه اللغة من خلال بعث مدارس لإحياء إستعمال وكتابة «التيفناغ» كأداة للتعبير عن هذه اللغة على إعتبار وجود أكثر من 1500 مواطن تونسي ناطقين باللغة الأمازيغية بحسب أرقام هذه الجمعية.
وتعتبر اللغة الأمازيغية إحدى اللغات القديمة وتنتمي لعائلة اللغات الأفروآسيوية وتعتبر لغة عديد الملوك والقادة القدامى على غرار يوغرطة وماسينيسا وشوشناق والمناضل المغربي الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وتنقسم هذه اللغة إلى عديد التنوعات لكنها تتحد في القاعدة اللغوية، و تمثل هذ اللغة سبع لهجات هي اللهجة الأمازيغية السوسية (المغرب) – اللهجة الأمازيغية الأطلسية (المغرب) – اللهجة الأمازيغية القبايلية (الجزائر) – اللهجة الأمازيغية الشاوية (الجزائر) – لهجة أمازيغ الواحات (ليبيا) (تونس) – اللهجة الأمازيغية الطارقية (الجزائر، ليبيا، مالي، النيجر) – اللهجة الأمازيغية الريفية (المغرب) – اللهجة النفوسية (ليبيا).
ويمثل خط التيفيناغ الخط الذي يعتمده الأمازيغ في الكتابة ويعتبر من أقدم الأبجديات التي عرفتها الإنسانية وقد نجح المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في المغرب في معيرته. وهو الخط الذي تبناه النظام التعليمي في المغرب لتلقين الأمازيغية فيما لا يحظى هذا الخط بأي إهتمام في باقي دول المغرب العربي بإستثناء إستعماله في الترويج السياحي لبعض المنتوجات، ورغم ذلك بقيت كتابة التيفيناغ مستعملة بدون انقطاع من طرف الطوارق في حين كتب الأمازيغ بكتابات أجنبية غير أمازيغية بعد خضوعهم للأجانب وتأثرهم بهم.
التقويم الأمازيغي: إختلاف الروايات وغياب الإعتراف الرسمي
يحتفل الأمازيغ سنويا في المغرب العربي برأس السنة الأمازيغي والذي يوافق يوم الثاني عشر من الشهر الأول من السنة الميلادية ويستعمل الأمازيغ الأسماء الغريغورية مع بعض التحريف، غير أن الأمازيغ نسجوا حول تلك الأسماء قصصا ميثولوجية وجعلوا منها جزءا من ثقافتهم، ويعتبر هذه التقويم من أقدم أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، حيث استعمله الأمازيغ منذ 2966 عاما، ويختلف عن التقويمين الميلادي والهجري بعدم ارتباطه بأي حدث ديني أو تعبدي، ويرى فيه الأمازيغ أنه يمثل مناسبة للاحتفاء بالنصر والأرض، وشكرا للسماء على اعتبار أن الأمازيغ يصنفون ذلك اليوم كفاصل مناخي بين فترتي البرد والاعتدال، ويرون فيه موعدا لحلول بشائر الإعلان عن انطلاق الموسم الفلاحي الوفير الذي يبرز ارتباطهم بالأرض والزراعة.
ومن أشهر أسماء الأشهر الأمازيغية التي مازال آبائنا وأمهاتنا يحفظونها الى الآن : يناير، فورار، مغريس، برير، ميو، جونيو، يوليو، غشت، شتمبر، كتوبر، نونبر، دجمبر.وفصول السنة، وطول الشهور.
وكثيرا ما دعا المؤرخون الأمازغيين إلى توحيد الروايات التاريخية حول التقويم الأمازيغي و عدم جعل الاحتفال بالسنة الأمازيغية مقترنا بالحروب، وإبراز طابعه الزراعي، على اعتبار أن شعوبا أخرى مثل الإغريق احتفلت به مطالبين أيضا بإدراج احتفالات التقويم الأمازيغي تراثا إنسانيا خصوصا وأن كل دول المغرب العربي لا تمنح اجازات رسمية بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.
ثقافة أمازيغية شاملة متأصلة في التاريخ
يحتفظ الأمازيغ بعديد التقاليد التي تختلف إختلافا تاما عن التقاليد العربية بتفردها و تنوعها، وترتكز معيشتهم على تعاطي الفلاحة والتجارة وممارسة مختلف الصنائع في نظام اجتماعي هو مزيج من النظامين البدوي والحضري. ويتخذ بعضهم الخيام للسكن في الصحراء، في حين يشيد البعض الآخر داراً متواضعة من الحجر والملاط، يؤلف مجموعها “أذروم” أو ما سم بالحي، ومن مجموع الأحياء تتألَّف القرية أو “ثادّارت” باللغة الأمازيغية، فيما يلجأ قسم ثالث إلى تشييد ديار فاخرة يؤلف مجموعها حيّاً سكنياً يسمى القصبة، وهذه الديار تشبه بهندستها المعمارية المباني الموجودة في جنوبي الجزيرة العربية.
وتعتبر الثقافة الأمازيغية إحدى أكثر الثقافات التي تم تهميشها في المغرب العربي رغم أنها تمثل مخزنا ثقافيا بالغ المعاني ويحتوي على عديد التقاليد التي تمثل موروثا ثقافيا يمكن الإستفادة منه على جميع المستويات، فعلى سبيل المثال تعتبر الموسيقى إحدى مكونات الهوية الأمازيغية وتعود إلى أصول قديمة تمتزج فيها تأثيرات متنوعة (عربية ومتوسطية وزنجية). وقد نالت هذه الموسيقى شهرة عالمية و ذلك لتميزها بإلتزامها وحفاظها على هويتها، فيما تمثل الرقصات الأمازيغية إحدى أكثر الرقصات جمالية وأكثرها شهرة رقصة “تيسيت” في المغرب التي يؤديها راقصان أو ثلاثة، رقصة “أحويش” وهي رقصة جماعية، ورقصة “الترحاب” في الجزائر التي ما زالت تمارس في الاحتفالات العائلية أو القروية في الأوراس والمناطق المحاذية له، مثلها مثل الرقصة التقليدية النسائية القبائلية.
وتتميز الثقافة الأمازيغية أيضا بالفن الزخرفي العريق الموغل في القدم، ويختص هذا الفن الزخرفي العريق في نسيج الزرابي وصناعة الخزف حيث يتخذ شكل رسوم هندسية تستعمل في أغلب الأحيان حروف أبجدية التيفيناغ كما تتميز الصناعات الحرفية من الذهب والفضة بعنصر آخر لا يمكن تجاهله من عناصر هذه الثقافة وهي إحدى الوسائط التي اشتهرت بها هذه الثقافة على المستوى العالمي والتي إستفاد منها الحرفيون في المغرب العربي من أجل تطوير منتوجاتهم وجلب المشترين.
كما يعتبر الأمازيغ أول من أدخل الأوشام التي ترسم على الأجساد إلى دول المغرب العربي، فالوشم كان إحدى مميزات النساء في قديم الزمن عند النساء الأماذيغيات ويرمز إلى الأنوثة والخصب فالمرأة الواشمة هي المرأة الناضجة للزواج، وتنتشر الأوشام في جسد المرأة الأمازيغية خصوصا على الوجه واليدين والرجلين، ويتميز الوشم الأمازيغي بكونه تقليدا طقوسية مرتبطا بالنظام القيمي والثقافي يتأتى من حياة الإنسان الأمازيغي الذي كان يعيش في عالم من الرموز والعلامات والقوانين التي يقصد بها الإنتماء إلى هويته المتجذرة في التاريخ، كما كان ذا دلالة دينية تبعد الأرواح الشريرة والحسد وتجلب الحظ السعيد، ويوضع على جسد المرأة الجاهزة للزواج كدليل على أهليتها لهذا العقد المقدس وقدرتها على تحمل اعباء الزوجية وهي التي تحملت وخز الإبر، إلا أن بمرور الزمن تعمد عديد النساء اللاتي يحملن وشوما إلى محاولة ازالتها خصوصا على الوجه وذلك لإعتبار نظرتهن لها كعلامة تشويه على وجوههن وكذلك بالنظر إلى البعض الديني على إعتبار أن الإسلام يحرم الأوشام.
أسماء أمازيغية غيرت التاريخ
تعتبر عديد الأسماء التي بقيت راسخة في الأذهان وكتبت أسمائها في التاريخ من القادة والمقاتلين والمناضلين والعلماء والفنانين من أصول أمازيغية ولعل أبرز هذه الأسماء القديس والكاتب والفيلسوف أغسطينوس، الملك ماسينيسا موحد مملكة نوميديا، الملك يوغرطة، القائد العسكري المسلم طارق إبن زياد، عباس بن فرناس، ابن بطوطة، المؤرخ إبن خلدون،إبن رشد،الروائي لوكيوس أبوليوس و قائد المقاومة الريفية المغربية ضد الإحتلال الإسباني عبد الكريم الخطابي، بالإضافة إلى عديد الفنانين العالمين على غرار الفنان ايدير وبعض لاعبي كرة القدم ابرزهم الفرنسي-الجزائري زين الدين زيدان الحاصل على كأس العالم 1998 صحبة المنتخب الفرنسي والذي ينحدر من أصول قبايلية جزائرية.