أينما أخذتَ بصركَ في مدينة طبرقة السياحية شمال غربي تونس ترى أعلام الجزائر في المحال التجارية والفنادق وتشد انتباهك عدة سيارات بلوحات صفراء في المدينة، ما يعني أنها قادمة من الجزائر وذلك بحكم قرب المدينة من الحدود التونسية الجزائرية، إذ لا تتجاوز ثلاثين كيلومترًا، فضلاً عن جمال المدينة التي تجمع بين الطبيعة الجبلية والبحر والتراث ومهرجانها الصيفي لموسيقى الجاز كلها عوامل جذب للجزائريين.
فتونس استقطبت عام 2015 حوالي 1.5 مليون سائح جزائري، وهو رقم لم يكن متوقعًا في ظل تراجع توافد السياح الأجانب إلى تونس بنسبة 70% بسبب المخاوف الأمنية لا سيما بعد تكبد البلاد هجمات مسلحة استهدفت عشرات السياح، وما زاد في تأزم القطاع دعوة عدة دول كأمريكا وبريطانيا رعاياها إلى تجنب السفر إلى تونس.
مدينة طبرقة التي تعرف في تونس بعروس الشمال كانت في السنوات الماضية تعج بالسياح الأجانب أما اليوم فلا تجد لهم أثرًا إلا فيما ندر بسبب تكرار العمليات المسلحة التي يرون أنها تستهدفهم في المقام الأول، فكثير من محال بيع الصناعات التقليدية أغلقت أبوابها فيما تصارع بعض الفنادق أزماتها المالية التي تكاد تعصف بها في أي لحظة، فلولا الجزائر التي دعت رعاياها إلى زيارة تونس تضامنًا معها ضد الإرهاب لأغلقت أغلب الفنادق، خاصة أن هذه المدينة تعول أساسًا على السائح الجزائري وتقدم له تخفيضات خاصة باعتباره يتردد دائمًا على المدينة.
فالقطاع السياحي في طبرقة يمثل مصدر رزق لعشرات العوائل كما يمثل أيضًا شريان الاقتصاد في البلاد إذ يشغل أكثر من أربعمائة ألف عامل ويساهم بسبعة في المئة من إجمالي الناتج الداخلي للبلاد، لكن إيرادات هذا القطاع تراجعت كثيرًا؛ ففي أول شهرين من سنة 2016 تراجعت بنسبة 54% أي بـ 90.21 مليون دولار مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2015 وفقًا لأحدث إحصائيات المصرف المركزي التونسي.
دفعت كل هذه العوامل وزارة السياحة إلى وضع استراتيجية جديدة لإنقاذ القطاع الغارق في أزماته الهيكلية تقوم على تكثيف الحملات الدعائية وتنويع المنتوج السياحي فضلاً عن استقطاب أسواق جديدة كالأسواق العربية كبديل لبعض الأسواق الأوروبية بهدف استقطاب 5 ملايين سائح هذا العام بحسب تصريح إعلامي لوزيرة السياحة سلمى اللومي، كما اتخذت في وقت سابق السلطات التونسية إجراءات أمنية مشددة لحماية المنتجعات السياحية خشية من إمكانية استهدافها مجددًا.
ويخشى أهل القطاع السياحي في تونس من احتمال تكرار العمليات المسلحة مع بداية الموسم السياحي الحالي ما يعني انهيار القطاع خاصة في ظل تصريحات رسمية تؤكد استقرار الوضع الأمني وفقًا لوزير الداخلية الهادي المجدوب، لكن التهديدات الإرهابية مازالت متواصلة خصوصًا بعد الهجوم على المنشآت الأمنية بنقردان قرب الحدود مع ليبيا بداية العام بهدف إقامة إمارة لتنظيم الدولة الإسلامية لكن تم إحباطه.
السلطات التونسية إذًا أمام امتحان عسير هذه السنة في كيفية إنجاح الموسم السياحي الذي سيبدأ بحج معبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة أواخر شهر مايو لكن هذا النجاح مرتبط بدرجة أساسية باستتباب الأمن.