الزمان: ظهر يوم الإثنين 25 أبريل 2016
المكان: ميدان عابدين
تظاهرة مؤيدة لرأس نظام المؤسسة العسكرية المصرية عبد الفتاح السيسي في عيد تحرير سيناء وبالتزامن مع دعوات احتجاجية شعبية وثورية لرفض بيع جزيرتي صنافير وتيران ذوات البُعد الاستراتيجي للسعودية.
كانت صور السيدات اللاتي ترفعن علم السعودية والسيدة والرجل الذين يضعان البيادة على رؤوسهم محل استنكار وغضب من شباب مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الشيء الذي دفعهم للعن هذه الطبقة من الشعب من الفقراء والمسنين.
ولكن صبرًا، ألسنا منذ أيام قليلة وتحديدًا يوم 15 أبريل كنا نطير فرحًا بأن مظاهرات جمعة الأرض كانت قد شهدت عودة ظهور وجوه الفقراء والبسطاء والمسنين في تظاهرات ضد حكم العسكر؟! هل من الممكن أن يكون قد غير الفقراء والبسطاء والمسنين رأيهم بهذه السرعة؟ أم أننا الحمقى دومًا في التقدير؟!
دعونا نرى إذن ونكبر عدسة الكاميرا لنرى الصورة التالية التي تم التقاطها ونشرها بعدسة موقع اليوم السابع الموالي للنظام الحالي بشكل أو بآخر، لنرى جموع الفقراء والبسطاء والمسنين الذين يستحقون اللعن يوميًا من فئة شباب الفيسبوك، دعونا نرى حجم تلك الحشود الهائلة في الصورة التالية:
كما ترون في الصورة السابقة هذه هي الأعداد المهولة التي قام مجتمع الفيسبوك وبعض نخب الثوار بلعنها، هذه الأعداد التي لم تتجاوز 16 شخصًا حسب الصورة المنشورة على موقع اليوم السابع وهو موقع غير معارض للنظام المصري، ستة عشر شخصًا استدعوا منا كل هذا السباب؟!
بل لو قمنا بجمع صور كل المؤيدين للنظام العسكري وتظاهراتهم في يوم 25 أبريل فإنني أدعي أن العدد لن يتجاوز الألف شخص، فهل يستدعي الألف شخص أن نقوم بسب ولوم كل طبقة كبار السن والفقراء وسكان المناطق العشوائية في المجتمع المصري؟
هل تعلمون ما نسبة الفقراء في مصر؟
طبقًا للمنشور على موقع اليوم السابع هنا في ديسمبر 2015 على لسان اللواء أبو بكر الجندى رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإنه طبقًا لبيانات آخر بحث أجراه الجهاز وأعلن نتائجه حينها، فإن نسبة الفقر العامة في مصر تقدر بـ26.3%.
إذن وبحسبة بسيطة لهذه النسبة مقارنة بإجمالي سكان مصر والذي تعدي الـ 90 مليون فإن نسبة الفقراء في مصر هي أكثر من 23 مليون نسمة، ولن أحدثك هنا عن فئة كبار السن ونسبتهم.
إذن من أجل بضع عشرات من طبقات مجتمعية وسنية مختلفة، قمنا بسب طبقة الفقراء وكبار السن وألقينا عليهم اللوم، إذن لمن كان قد أصابه النسيان أو يحمل ذاكرة السمكة، دعوني أذكركم بهذه الصورة من تظاهرات 15 أبريل التي أسعدتنا جميعًا.
انظروا إلى الصورة ودققوا في ملامحها، هل ترون وجه الرجل الأسمر بجمال طمي نيل هذه الأرض وقد خط الشيب رأسه؟ ألا ترون هذا الرجل من صعيد مصر بجلبابه ولفافة رأسه وهو لا يعرف ماذا يقول فما وجد إلا رفع يديه بعلامة النصر؟ ألا ترون هذا الرجل الكبير في السن ذو البشرة البيضاء والشعر الأبيض الذي يسير بجواره؟ ألا ترون تلك السيدة البسيطة التي تتحرك؟ ألا ترون هذا العدد في الصورة؟ هل نسينا كل هذا في بضعة أيام؟
إن كنتم قد نسيتم، فعلينا أن نذكركم بهذا حتى لا تتحول دفة الصراع من صراع بين الكتلة الحرجة الثائرة من المجتمع وبين النظام العسكري، لتصبح ما بين الكتلة الحرجة الثائرة من المجتمع وأكبر فئات المجتمع وأوسعها وهي طبقة الفقراء والمهمشين.
لماذا أقول هذا؟
لأن أحد أهداف النظام اليوم أن يكسر حالة الالتحام المجتمعي التي بدأت في الرجوع من جديد ما بين الكتل الحرجة الرافضة للنظام العسكري وبين القواعد الشعبية للمجتمع.
وفي سبيل ذلك سيستخدم النظام أدواته بشكل مباشر وغير مباشر بوعي وبدون وعي بحكم الممارسة ومن هذا إنزال مجموعات من الرجال والنساء يضعون الأحذية العسكرية على رؤوسهم أو رافعين أعلام السعودية ويقوموا بالرقص والغناء، وهنا ولغياب الوعي عند الكتل الرافضة للنظام العسكري ولسطحية نخب الفيسبوك والتيارات السياسية الحالية غير الواعية فإن ردة الفعل الطبيعية ستكون كما حدث؛ نشر صورة السيدة وفوق رأسها البيادة، وسبها وسب الجيل الذي تنتمي له والطبقة المجتمعية التي تمثلها بلا استثناء، ونشر صورة الرجل المرتدي للجلباب البلدي وهو يرقص، وسبه وسب الجيل الذي ينتمي له والطبقة المجتمعية التي يمثلها بلا استثناء، وهكذا، يتم تحويل دفة الصراع مرة أخرى من صراع ثوري ما بين المجتمع والنظام الحاكم، لصراع مجتمعي داخلي ما بين المجتمع وبعضه البعض.
وبالعامية المصرية “الفيلم ده اتهرس قبل كده كثير”، وقد رأينا مظاهر هذا بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، عندما تم دفع الثورة للاصطدام مع المجتمع ودفع المجتمع للاصطدام معها، وهو ما حدث أيضًا بعد الثالث من يوليو 2013، والآن يتم صناعة نفس المشهد.
هل تعلمنا من أخطائنا؟
الإجابة: لا.
إذن سؤال آخر: هل من يسب تلك الطبقة من الفقراء أو كبار السن، يستطيع توجيه السباب والاستهزاء لقاطني المجمعات السكنية الفاخرة ورواد النوادي الخاصة وغيرها الذين يؤيدون نظام السيسي ومن خلفه أي نظام فاسد؟ هل تستطيعون أم أن بريق الأزياء الراقية والسيارات الفارهة يخطف أعينكم فتتمنون لو كنتم مكانهم، فتفسدون وتستبدون وتساندون نظام فاسد مثلما يفعل الكثير من أبناء هذه الطبقة ولو بالصمت والرضا؟!
أقول هذا لأنه وبكل صراحة أحد الأسباب الرئيسية لسب الفقراء والبسطاء بعد أي انتكاسة أو شعور بالهزيمة أمام النظام يكون لأن البسطاء يفتقرون لبريق الأزياء والمظاهر الطبقية الفاخرة؟
انظروا انبهاركم بنجيب سويرس أو الفناين والفنانات أو الكثير من لاعبي الكرة وهم من مؤيدين أي نظام فاسد نظرًا للارتباط المصالحي بينهم وبين أي منظومة فاسدة، انظروا لانبهاركم بهؤلاء لتكتشفوا حقيقة نفوسكم الداخلية.
وبعد هذا واجهوا أنفسكم بهذا السؤال: هل أنتم دعاة حق وتغيير حقيقي أم لا؟
إن كانت الإجابة بنعم فيجب أن نستيقظ ونعالج طريقة حكمنا على الأمور ومعايير القياس الخاصة بنا والمحركات والقيم والمبادئ المكونة لفكرنا وقراراتنا لنصبح على قدر المسؤولية إن أردنا تغيير حقيقي على المدى المتوسط والبعيد.
أقول هذا لأنه يجب أن نكون على مستوى وعي من يعيشون تحت خط الفقر والذين رفضوا ولم يهتموا بتأييد السيسي أو النظام العسكري يوم 25 أبريل ومن قبله 15 أبريل، أقول هذا لأنه يجب أن نكون على مستوى وعي من يعيشون تحت خط الفقر والذين رفضوا ولم يهتموا بالانتخابات الرئاسية التي أتت بالسيسي وأظهرت اللجان الانتخابية خاوية، أقول هذا لأنه يجب أن نكون على مستوى وعي من يعيشون تحت خط الفقر والذين رفضوا ولم يهتموا بالنزول للانتخابات البرلمانية ولم يستطع النظام دفعهم للنزول بكل الطرق التي استخدمها حينها ما بين الترغيب والترهيب.
من المخجل والمخزي أن يكون خريجو الجامعات أو طبقة “المثقفين”، والحاصلون على تعليم خاص مميز، وبعض النخب ممن تختلط كلمات اللغة العربية باللغة الإنجليزية بين ثنايا حديثهم دومًا من باب إظهار الفهم والرقي، ورغم كل هذا من درجة الوعي المفترضة فإننا نكتشف دومًا مدى انحطاط الكثير منهم فكريًا وعلى مستوى الوعي إذا ما قورن هذا بدرجة وعي المجتمع.
سيقول لي البعض ولكن أين تلك الفئات الفقيرة والبسيطة والمهمشة من رفض النظام بالقول والفعل.
وهنا يكون ردي: نعم تلك الفئات لن تشارك بما تتوقعوه ولن تفعل إلا بنسب ضئيلة، وهذا لسببين الأول فيهم أنهم خائفون، والثاني هو غياب أي خطوط عريضة لرؤية ما بعد إسقاط النظام، والثالث هو غياب قائد حقيقي يمثل المجتمع وأحلامه وله غاية.
ولكن السؤال الأهم: كيف تطلبون من أكبر القواعد المجتمعية أن تلتحم بحركة التغيير، بينما يتم الانتقاص منهم دومًا ويتم احتقارهم في قرارة الأنفس؟ هل سنصبح سعداء ونحن نرى نظرات الخوف والترقب تطل من أعين هؤلاء البسطاء تجاهنا دومًا؟ هل تستنكر أن هذا قد يحدث وتتساءل لماذا؟ إذن راجع تعليقاتك على صورة السيدة التي تضع فوق رأسها البيادة أو غيرها من الصور، واقرأ ما كتبت وكيف حكمت على طبقة مجتمعية بشكل كامل بصورة واحدة.
نحتاج الآن أن نستيقظ من غفلتنا وحماقتنا، نحتاج الآن أن نثور على أنفسنا وعلى طرق حكمنا وأن نتحكم في عواطفنا ونوجهها وفق قيمنا ومبادئنا وغايتنا، نحتاج أن نفهم مجتمعنا وفئاته وآلامه وأحلامه.
نحتاج أن نذكر أنفسنا دومًا بأن معركتنا ليست مع المجتمع، لأننا من المجتمع، جسد واحد، نحتاج أن نتذكر دومًا دون أن نحيد عنه أن معركتنا مع النظام، وتذكروا {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فصححوا النية ورسخوا الغاية داخل قلوبكم وعقولكم حتى لا تكونوا من المبدلين وخصوصًا وقت النصر المبدئي، حيث تغيب الغاية ويكثر المنافقون.
ولا تتنسوا غاية العدل والتمكين التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن من ضاعت غايته ضاع نصره.